تبون يعلن انطلاق القمة العربية في الجزائر.. ويدعو لدعم عضوية كاملة لفلسطين في الأمم المتحدة
يوسف الفرج
انطلقت الثلاثاء بالجزائر العاصمة أشغال القمة العربية الحادية والثلاثين وسط حضور تسعة من الرؤساء والأمراء العرب وممثلين برتبة رفيعة لدول أخرى تعذر حضور قادتها، تحت شعار براق “لم الشمل العربي”. وتجري هذه القمة، في ظل توافق في الرؤى حول قضايا منها إعادة الدفع بالقضية الفلسطينية لصدارة الاهتمام العربي، وخلافات من جهة أخرى حول الموقف من دول مؤثرة في المحيط العربي، أبرزها تركيا وإيران.
وقال الرئيس التونسي قيس سعيد الذي كان أول من استلم الكلمة باعتباره رئيس القمة السابقة، إن المواطن العربي يعيش أوضاعا خاصة بعد جائحة كورونا التي هزت كل بقاع العالم. وتحسر سعيد من كون المدن العربية لم تعد تذكر في العالم إلا في نشرات الأحوال الجوية أو في أخبار القتل والدمار. وأبرز أن العرب يواجهون حربا ضروسا ممن يريدون إسقاط الدول، مشددا على ضرورة وحدة الصف ولم الشمل والقضاء على أسباب الفرقة والانقسام. وشدد على ضرورة مساندة الحق الفلسطيني وإبلاغ صوته للعالم من أجل إزالة المظلمة التي تستمر لأكثر من قرن.
وبعد تسلم الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون الرئاسة، ركز في كلمته مطولا على القضية الفلسطينية، مؤكدا تطلعه لإنشاء لجنة اتصالات وتنسيق عربية لدعم القضية الفلسطينية. وأبرز أن الجزائر على أتم الاستعداد لنقل المطلب للأمم المتحدة من أجل عقد جمعية عامة استثنائية لمنح دولة فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة. وذكر تبون التزام الجزائر وتمسكها بمبادرة السلام العربية باعتبارها الركيزة الأساسية لبناء سلام عادل وشامل.
كما اقترح تبون بناء تكتل اقتصادي عربي يواجه التحديات في العالم، مشيرا إلى أن العرب يمكنهم أن يكونوا قوة في العالم، فاحتياطهم النقدي حسبه يعادل دخل أوروبا. وحذر من بروز ظاهرة الاستقطاب وتداعياتها على الأمن والسلم الدوليين، والرهانات التي ألقتها على الأمن الغذائي لمنطقتنا العربية.
وقبل ساعات من بدء القمة، زالت المخاوف من تأثير انخفاض درجة التمثيل على الأشغال، بعد تأكد حضور الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي ظلت دبلوماسية بلاده مترددة للحظات الأخيرة في الإعلان عما إذا كان سيشارك، ووصول أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني وتأكيد حضور شخصيات قوية في بلدانها مثل ولي العهد الكويتي مشعل الأحمد الجابر الصباح وولي العهد الأردني الأمير الحسين بن عبد الله الذي سيصل الأربعاء لإلقاء كلمة في اليوم الثاني من أشغال القمة، ورئيس مجلس الوزراء في الإمارات حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم. كما وصل وزير الشؤون الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله آل سعود، ممثلا لبلاده كما كان منتظرا، والوزير الأول اللبناني نجيب ميقاتي الذي يتولى شؤون الرئاسة بعد مغادرة الرئيس ميشال عون.
وقبيل بدء الأشغال، حرص الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون على استقبال ضيوفه عند مدخل مركز المؤتمرات بالضاحية الغربية للعاصمة وتبادل أطراف الحديث معهم قبل الدخول للقاعة. ثم أخذ القادة وممثلوهم صورة جماعية، توسط فيها تبون نظراءه وأوقف إلى جانبه الرئيس الفلسطيني محمود عباس، كعنوان على رغبة الجزائر في جعل فلسطين أولوية القمة التي ستعقد على أرضها. وكان من اللقطات اللافتة، المصافحة التي جمعت الرئيس الجزائري مع وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة الحاضر بالجبة البيضاء والطربوش المغربي، وذلك في أول لقاء يجمع تبون مع مسؤول مغربي منذ قطع العلاقات بين البلدين في أغسطس 2021.
وينتظر أن تتوج القمة بـ”إعلان الجزائر” الذي عمل عليه وزراء الخارجية العرب خلال اجتماعهم التحضيري وقال عنه الوزير رمطان لعمامرة إنه سيكون له مكانة خاصة في تطوير العمل العربي المشترك. كما يرتقب إعادة طرح مبادرة السلام العربية لسنة 2002 والتي ستكون حسب لعمامرة، من المخرجات الأساسية للقمة العربية، من أجل إحقاق حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس. وتريد الجزائر بحماس دفع القضية الفلسطينية إلى الأمام بعد نجاحها مؤخرا في تحقيق اتفاق المصالحة الفلسطينية. وستكون مسألة الأمن الغذائي العربي من القضايا المستجدة التي ستفرض نفسها في ظل سياق الحرب الدائرة حاليا في أوكرانيا، إذ سيتم العمل على صياغة رؤية عربية تكاملية لمواجهة تحديات الأمن الغذائي في المنطقة.
تريد الجزائر بحماس دفع القضية الفلسطينية إلى الأمام بعد نجاحها مؤخرا في تحقيق اتفاق المصالحة الفلسطينية
وينتظر أيضا مناقشة الأوضاع العصيبة التي تمر بها ليبيا وسوريا واليمن والصومال وكذلك في السودان ولبنان. وهذه القضايا تقع في صلب خلافات معلنة بين الدول العربية، حول الموقف من دول أخرى في المحيط الإسلامي، أبرزها تركيا وإيران، متهمة بالتدخل في شؤون الدول العربية.
وتكشف وثيقة اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري في سبتمبر الماضي والتي اعتمدت كمرجع في الاجتماعات التحضيرية لقمة الجزائر، عن تفاصيل مهمة تتعلق بجوهر الخلاف بين الدول العربية بخصوص الموقف من التدخلات التركية والإيرانية في الشؤون العربية.
ويشير المستند، إلى القرارات المتخذة بشأن التدخلات التركية والإيرانية واعتراضات عدد من الدول العربية بينها الجزائر وقطر والعراق ولبنان على محتوى بعض بنودها، وهو ما انعكس على الاجتماعات التحضيرية المقامة في الأسبوع الأخير، والتي برز فيها الخلاف بشكل واضح حول طريقة التعاطي مع إيران وتركيا وعدد من التنظيمات المسلحة الناشطة في بلدان عربية والمدرجة لدى البعض في خانة “المقاومة” ولدى البعض الآخر ضمن قوائم “الإرهاب”.
وأبدت دول منها قطر تحفظها على قرار إدانة التدخلات التركية في الشؤون الداخلية للدول العربية “نظراً لازدواجية المعايير والكيل بمكيالين”، وأعلنت ليبيا هي الأخرى تحفظها على نص القرار، تماما مثلما فعلت جيبوتي والصومال. وتحدثت الجزائر عن إدانة كل التدخلات، في إشارة إلى الانتقائية التي تتعامل بها بعض الدول. ومن الواضح أن الدول الداعمة لحكومة طرابلس في ليبيا، كانت الأكثر تحفظا على قرار مجلس الجامعة.
وبخصوص ملف التدخل الإيراني في القضايا العربية، أكدت قرارات مجلس الجامعة العربية، على أهمية أن تكون علاقات التعاون بين الدول العربية والجمهورية الإسلامية الإيرانية “قائمة على مبدأ حسن الجوار والامتناع عن استخدام القوة أو التهديد بها”، مع “إدانة التدخل الإيراني في الشؤون الداخلية للدول العربية باعتباره انتهاكا لقواعد القانون الدولي ولمبدأ حسن الجوار وسيادة الدول”، و”مطالبة إيران بالكف عن الأعمال الاستفزازية التي من أنها أن تقوض بناء الثقة وتهدد الأمن والاستقرار في المنطقة”.
وعلى هامش هذا القرار المعنون بـ”التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية للدول العربية”، ذكرت الجزائر أنها تدعو دائما في مواجهة مخاطر التنظيمات الإرهابية والانفصالية وتصنيفها، إلى “التقيد بلوائح الأمم المتحدة وقرارات الشرعية الدولية مع احترام سيادة الدول واستقلالها”. وفي اعتراض واضح على تصنيف حزب الله كمنظمة إرهابية، قالت الجزائر إن “التأكيد على أن ما يشار إليه بالعناصر الإرهابية الانفصالية تعني تلك المصنفة من قبل الأمم المتحدة وأن الحدود المشار إليها تلك المعترف بها دولياً”.
من جانبها، تحفظت جمهورية العراق على وصف حزب الله بالإرهابي، وقالت لبنان إنها تعترض كذلك على ذكر حزب الله ووصفه بالإرهابي والإشارة لوجوده في الحكومة حيث لا يمكن الموافقة على الأمر كونه خارج تصنيف الأمم المتحدة وغير متوافق مع المعاهدة العربية لمكافحة الإرهاب، خاصة من حيث التمييز بين المقاومة والإرهاب، كون حزب الله يمثل مكون أساسي في لبنان و شريحة واسعة من اللبنانيين، ولديه كتلة نيابية تمثيلية وازنة في مجلس النواب”.