لم تقف مشكلة الجزائر في القمة العربية عند غياب زعماء وقادة من دول عربية مؤثرة ما أسقط فكرة “لمّ الشمل” التي رفعتها كشعار للقمة، بل واجهتها مشكلة أخرى تتعلق بمطالبات بإدانة التدخل التركي والإيراني في المنطقة، وإدانة إثيوبيا بسبب سياسة الأمر الواقع في ملء سد النهضة، ما حوّل وجهة القمة إلى إدانة أصدقاء الجزائر بدلا من خدمة أجندتها بالتركيز على الملفين الفلسطيني والسوري.
يضاف إلى ذلك قرار إبعاد الطيب البكوش الأمين العام لاتحاد المغرب العربي المنتهية ولايته من حضور القمة وهو قرار يظهر انزعاج الجزائر من الاتحاد خاصة بعد أن فشلت في احتوائه.
◘ شروط مصر الخاصة بإدانة تركيا تضع الجزائر في حرج، فهي صديقة لتركيا وتريد تطوير العلاقات معها إلى تحالف إستراتيجي
وقالت مصادر جزائرية مقرّبة من أعمال القمة إن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، الذي شارك في القمة بعد أن تخوف الجزائريون من غيابه، حمل معه شروطا منها أن تقر القمة في بيانها الختامي بندا يدين التدخلات التركية في المنطقة، وخاصة في ليبيا، وتعلن بشكل واضح معارضتها للاتفاقيات التي أبرمتها أنقرة مع حكومة الوحدة المنتهية ولايتها في طرابلس والتي تتعلق بالتنقيب عن النفط والغاز، أو الاتفاقيات ذات البعد الأمني والعسكري.
وذكر مصدر دبلوماسي عربي مشارك في القمة في تصريح له أن السيسي يريد موقفا عربيا جماعيا داعما لبلاده في قضية سد النهضة، وأن تتم إدانة إستراتيجية إثيوبيا في التعامل مع السد من خلال الاستمرار في الملء دون أيّ حوار مع مصر وعدم الالتفات إلى الوساطات.
ومن شأن الشروط المصرية أن تضع الجزائر في حرج، فهي من ناحية صديقة لتركيا وتريد أن تطور العلاقات معها إلى مرحلة التحالف الإستراتيجي، بالإضافة إلى أنها لا تمانع في أن تفتح الباب أمام أنقرة لدخول شمال أفريقيا ولو من بوابة تحالف يخدم سيطرة الإسلاميين، وتتفق معها على دعم حكومة عبدالحميد الدبيبة في طرابلس، الأمر الذي يتعارض مع موقف مصر المنزعجة من النفوذ التركي المتزايد في جارتها الغربية.
ولا تقدر الجزائر على تمرير موقف ضد إثيوبيا لحسابات خاصة بها تتعلق بالسعي لاستعادة تأثيرها في الاتحاد الأفريقي بكسب ود دولة المقرّ، وهو تأثير تراجع بشكل كبير في مقابل صعود التأثير المغربي الذي اتّخذ أبعادا متعددة اقتصادية ودبلوماسية وإنسانية ودينية، ما مكنه من الحصول على اعتراف واسع بمقاربته لحل قضية الصحراء من خلال الحكم الذاتي الموسع، فيما خسر الجزائريون الكثير من الحلفاء التقليديين في أفريقيا وباتت جبهة بوليساريو في عزلة.
ومنذ أشهر أعلنت الجزائر عن تشكل تكتل يضم إلى جانبها نيجيريا وإثيوبيا وجنوب أفريقيا بهدف “التشاور والتنسيق من أجل حلول عملية وفعالة لمختلف القضايا التي تواجه القارة الأفريقية”، ما اعتبره مراقبون محاولة جزائرية يائسة لكسر عزلتها وعرقلة نجاحات المغرب.
ويقول المتابعون إن الجزائر وجدت نفسها في موقف صعب خلال القمة، فهي لا تريد إغضاب الرئيس المصري، الذي يبدو أن قراره بالمشاركة في آخر لحظة كان بهدف الترويج الإعلامي والدبلوماسي لقمة المناخ وضمان مشاركة عربية فيها. كما أن مصر لا تريد أن تمسّ شبكة علاقاتها، وأن تقدم أيّ تنازل يظهرها في حالة ضعف أو تراجع خاصة في كل ما له علاقة بالمغرب وقضية بوليساريو.
ويشير المتابعون إلى أن نجاح المغرب في إرباك الجزائر بعد نقل صورة ما يجري من استفزاز وتضييق على وفده الدبلوماسي والإعلامي، وإظهار أن عدم مشاركة العاهل المغربي الملك محمد السادس سببه رفض الجزائريين فتح صفحة جديدة ومصالح تحيي الآمال في تنشيط اتحاد المغرب العربي، يفسر ردة الفعل غير المبررة لمنع الأمين العام لاتحاد المغرب العربي من حضور القمة.
◘ السيسي يريد موقفا عربيا جماعيا داعما لبلاده في قضية سد النهضة، وأن تتم إدانة إستراتيجية إثيوبيا في التعامل مع السد
وتقول تقارير إن الجزائر لم تستدع البكوش للقمة بالرغم من استمراره في تسيير أعمال الاتحاد بانتظار الاتفاق على خلف له، وتعزو الموقف الجزائري إلى سعي الدبلوماسي التونسي السابق للحفاظ على حياد اتحاد المغرب العربي خلال السنوات التي أشرف فيها على المنظمة، وأنه قاوم ضغوطا جزائرية لدفعه إلى إطلاق تصريحات داعمة لموقفها بشأن الصحراء، وهو انحياز يتعارض مع طبيعة الاتحاد ودور أمينه العام، فضلا عن تقاليد الدبلوماسية التونسية التي سبق أن أشرف عليها البكوش، حيث شغل منصب وزير للخارجية في عهد الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي.
وشهدت القمة العربية في الجزائر غيابا بارزا يتعلق خاصة بالملك محمد السادس، ورئيس الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
ويقول مراقبون إنّ ما تريده الجزائر من القمة خاصة ما تعلق بدعم “إعلان الجزائر” بشأن المصالحة الفلسطينية – الفلسطينية قد لا يتحقق في ظل معرفة مسبقة من القادة أن هذا الإعلان يهدف إلى الاستثمار السياسي أكثر منه مبادرة حقيقية، وأن الجزائر تعرف أن المصالحة بين الفلسطينيين أمر صعب مع فشل مصالحات سابقة ولقاءات في أكثر من عاصمة.