هل أضاعت الجزائر فرصة القمة لتسوية تاريخية مع المغرب

حنان الفاتحي

أرجع مراقبون قرار العاهل المغربي الملك محمد السادس عدم المشاركة في القمة العربية إلى موقف الجزائر التي حرصت على استفزاز الوفد المغربي برئاسة وزير الخارجية ناصر بوريطة وما حمله ذلك من رسالة رمزية مفادها أن الجزائر غير مستعدة لاستقبال العاهل المغربي.

واعتبر المراقبون أن الجزائر كانت تخشى من حضور الملك محمد السادس إلى القمة، وأن تضطر لعقد اجتماع مصالحة بشكل علني بينه وبين الرئيس عبدالمجيد تبون، وأنها غير مستعدة لهذه الخطوة لاعتبارات مختلفة، فهي تخاف من حديث العاهل المغربي في أن يقدم خطابا يحث على المصالحة الحينية وإعادة السفراء وفتح الحدود وتشجيع الجزائريين على الذهاب إلى المغرب، وهذا لا تريده الجزائر التي تسعى لقمة استعراضية وبلا إحراجات.

 

◘ غياب الملك محمد السادس سيؤثر على مسار القمة
غياب الملك محمد السادس سيؤثر على مسار القمة

 

وقال مراقب عربي في الجزائر قبل انطلاق القمة، إنه “من الواضح قصر نظر السياسة في الجزائر. سيحتفل الزعماء الجزائريون بمصالحة حقيقية أو استعراضية بين فصائل فلسطينية متناحرة، بينما أضاعوا الفرصة لتسوية تاريخية لملف العلاقة مع أهم بلد بالنسبة إليهم وهو المغرب”.

وأشار هذا المراقب إلى أن الجزائر تراهن على القمة للإيحاء بأن نظامها متين ومتماسك وتبديد ما علق بأذهان الجزائريين من مخاوف بشأن العزلة التي تشهدها بلادهم بسبب تمسكها ببوليساريو، معتبرا أن عرض المصالحة من جانب المغرب سيضعها في وضع صعب، فهي ستبدو أمام الجزائريين غير راغبة في التخلص من عبء الجبهة الانفصالية والأموال الكثيرة التي تنفق عليها بدلا من إنفاقها على التنمية وتحويل الجزائر إلى دولة قوية قياسا بمثيلاتها من دول الغاز والنفط.

وأعلن بوريطة الاثنين تعذر حضور الملك محمد السادس أعمال القمة العربية التي تنطلق في الجزائر عشية اليوم الثلاثاء.

جاء ذلك في تصريح أدلى به بوريطة لقناة “العربية”، غداة إعلان مجلة “جون أفريك” الفرنسية نقلا عن مصادر مطلعة أن ملك المغرب سيشارك في قمة الجزائر “إذا توفرت شروط المشاركة”.

ولا تقف مخاوف المسؤولين الجزائريين عند عرض للمصالحة كان سيقدمه العاهل المغربي لو حضر ما يضعهم في مواجهة مع الشارع الجزائري، فهناك قضية أخرى قد توتر علاقتهم بدول عربية مشاركة في القمة، وهي دور الجزائر في تمكين بوليساريو من الحصول على مسيّرات إيرانية، وهذه الخطوة لديها نتائج خطيرة على المنطقة ككل.

◘ الجزائر كانت تخشى من حضور الملك محمد السادس إلى القمة، ومن مصالحة علنية بينه وبين الرئيس تبون

ويعتقد محللون أن فتح المجال للتمدد العسكري الإيراني في شمال أفريقيا سيزعج دول شمال أفريقيا الأخرى مثل موريتانيا وتونس ومصر، فضلا عن دول الخليج وخاصة السعودية التي سترى في ذلك اختراقا للأمن القومي العربي، لافتين إلى أن الغضب من هذه الخطوة سيطال دولا غربية بينها الولايات المتحدة، وسط دعوات لمعاقبة الجزائر بسبب علاقتها مع روسيا، وإذا أضيف إليها عنصر تسهيل التمدد الإيراني فإن التلويح بالعقوبات قد يجد الطريق إلى تنفيذه بشكل سريع ودون أيّ عوائق أو اعتراضات من البيت الأبيض.

ويرى المتابعون أن المسؤولين الجزائريين لم يحسبوا حسابات لتأثيرات هذه الخطوة، التي ستعمل على زرع كيان جديد موال لإيران في شمال أفريقيا، وتوجه ضربة لمساعي مكافحة الإرهاب جنوب الصحراء خاصة أن بوليساريو التي ستحصل على هذه المسيّرات ستفوّت فيها إلى حركات متشددة في دول الساحل مثلما سبق أن فوّتت في أسلحة أخرى خلال الموجة الأولى لأنشطة تلك الجماعات.

ونقلت تقارير إعلامية مغربية عن مصادر دبلوماسية أن بوريطة طالب في الجلسة المغلقة لاجتماع وزراء الخارجية العرب بإدراج نقطة تسليح إيران لجبهة بوليساريو الانفصالية بالمسيّرات واستهدافها للأراضي العربية سواء في الخليج أو المغرب ضمن جدول أعمال الاجتماع، بيد أن وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة رفض ذلك.

وكان الوفد المغربي، الذي يشارك في اجتماع وزراء الخارجية التحضيري لمجلس جامعة الدول العربية، قد احتج على نشر وسيلة إعلام جزائرية خريطة المملكة من دون منطقة الصحراء المغربية، ما اعتبر رسالة استفزاز للمغرب، قبل أن تتراجع عن ذلك بعد احتجاج دوائر من الجامعة العربية رأت في نشر الخريطة مسعى لإرباك القمة وخلق أجواء غير مريحة.

 

محمد الطيار: الجزائر ضيعت مرة أخرى فرصة لفتح صفحة جديدة مع المغرب
محمد الطيار: الجزائر ضيعت مرة أخرى فرصة لفتح صفحة جديدة مع المغرب

 

يضاف إلى قضية الخريطة، تعمّد الجزائريين استفزاز الوفد الدبلوماسي المغربي لدى وصوله لحضور الاجتماع التحضيري للقمة، واستفزاز الوفد الإعلامي المغربي، حيث قال بوريطة إن “ثلثي الوفد الإعلامي وصل الجزائر وعاد من المطار لسبب غير واضح”، وهي كلها خطوات تظهر عدم جدية الجزائر في التعامل مع أيّ مبادرة للمصالحة مع المغرب.

واعتبر محمد الطيار، الباحث المغربي في الدراسات الإستراتيجية والأمنية، أن الملك محمد السادس كان من المنتظر أن يشارك في القمة المنعقدة بالجزائر، تماشيا مع رغبته وحرصه على فتح صفحة جديدة مع الأشقاء في الجزائر، تقوم على التعاون والأخوّة وتوطيد الروابط التاريخية التي تجمع الشعبين الشقيقين أو “التوأمين” كما قال في أحد خطبه التي حرص فيها على مد يد الحوار.

وأضاف الطيار في تصريح له أن طريقة استقبال وزير الخارجية المغربي، البعيدة كل البعد عن قيم الإخاء والاحترام المتبادل وعن منطق الدولة التي تحترم تعهداتها والتزاماتها، إضافة إلى حرص الإعلام الجزائري على التلاعب بالخريطة المعتمدة من الجامعة العربية، كلها عوامل كشفت مقدار عدم الاحترام في التعامل مع الوفد المغربي.

وشدد الطيار على أن الجزائر ضيعت مرة أخرى فرصة لفتح صفحة جديدة مع المغرب، وأنه كان من شأن مشاركة العاهل المغربي أن تعطي أهمية كبيرة للقمة المنعقدة خاصة مع غياب أغلب قادة الدول العربية المؤثرة، مما يجعل الجزائر تحصد مرة أخرى نتائج سوء اختياراتها السياسية.

وأكد سمير بنيس، الخبير المغربي في الشؤون الإستراتيجية والعلاقات الدولية المقيم بواشنطن، في تصريح لـه أن حضور الملك محمد السادس للقمة كان سيختبر ما تدعيه الجزائر من وحدة الصف العربي، معتبرا أن الجزائريين تخوفوا من حديث الصراحة الذي كان سيلقيه العاهل المغربي مباشرة أمام الرأي العام الجزائري والعربي ويذكّر بالنوايا الحسنة للمغرب تجاه الجزائر وبعزمه على تجاوز كل الخلافات من أجل بناء تكتل مغاربي بإمكانه مقارعة باقي التكتلات الإقليمية.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: