حذر السفير المغربي عمر هلال من أن بوليساريو تفتح لإيران وحزب الله طريق التوغل في شمال أفريقيا، ما يدعم تصريحات مغربية سابقة وتقارير إعلامية تفيد بأن إيران وجدت في دعم الجبهة الانفصالية نقطة ارتكاز للانتشار في شمال أفريقيا وكسْب موقع نفوذ في منطقة بعيدة عنها جغرافيا ولا توجد فيها مجموعات شيعية موالية لها.
وأعاد هلال تأكيد معلومة حصول بوليساريو على مسيّرات إيرانية، وهي الفرضية التي أثارت التساؤلات فور الكشف عنها منذ أسابيع: هل تقدر بوليساريو على توفير الأموال الكافية لشراء المسيرات؟ وهل حصلت عليها عبر الجزائر وبتمويل جزائري؟ وكيف ستتعامل أوروبا والولايات المتحدة مع هذا التطور الخطير في الصراع؟
وأوضح سفير المغرب لدى الأمم المتحدة خلال مؤتمر صُحفي في نيويورك، بعد جلسة لمجلس الأمن الدولي حول قضية الصحراء، أن “إيران وحزب الله لديهما وجود في منطقة تيندوف (جنوب الجزائر) وشمال أفريقيا”.
وقال الدبلوماسي إنهما بصدد الانتقال من تدريب مقاتلي بوليساريو إلى تسليحهم، وهذه المرة عبر شحنة من الطائرات المسيرة. واعتبر أن ذلك “تطور خطير للغاية”، راجيًا أن يدرك العالم كله أن “إيران، بعد أن قوضت استقرار سوريا واليمن والعراق ولبنان، بصدد زعزعة استقرار منطقتنا.. ليس المغرب وحده المعني بهذا بل كل دول المنطقة”.
وكشف عن أن المسيرات التي وصلت إلى مخيمات بوليساريو إيرانية الصنع، وتتراوح كلفة الواحدة منها بين عشرين واثنين وعشرين ألف دولار أميركي.
وقال مراقبون إن امتلاك بوليساريو للمسيرات سيثير جدلا ليس فقط بين المغرب والجزائر، وإنما سيتّخذ بعدا أوسع لدى أوروبا والولايات المتحدة طالما أن إيران تقف وراءه وسط نقاش واسع حول دور مسيراتها في حرب أوكرانيا ورهان روسيا عليها في عملياتها لضرب مواقع داخل كييف ومناطق أوكرانية أخرى.
ويشير المراقبون إلى أن الخطر يكمن كذلك في أنه ليس هناك ما يمنع الجبهة الانفصالية من التفويت في هذا السلاح مثلما اتهمت سابقا بالتفويت في أسلحتها لحركات جهادية شمال مالي، وهو ما قد يوفر للتيارات المتشددة في منطقة الساحل والصحراء ورقة ضغط هامة.
وامتد القلق من وقوع المسيرات في يد بوليساريو إلى البرلمان الأوروبي، حيث وجه أنطونيو لوبيز إستوريز وايت، عضو لجنة الشؤون الخارجية، سؤالا كتابيّا إلى مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، بشأن ما أتيح للمفوضية الأوروبية من معلومات عن حصول الجبهة الانفصالية على طائرات إيرانية دون طيار.
وسبق لما يُعرف باسم وزير داخلية جبهة بوليساريو عمر منصور أن صرح في نواكشوط بأن “الجيش الصحراوي سيستخدم قريبا طائرات دون طيار في حرب الاستنزاف في الصحراء”.
واتهم وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة أول هذا الشهر مباشرةً إيران بتسليح الجماعات المتطرفة والكيانات الانفصالية داخل المنطقة العربية، بما في ذلك تسليمها الطائرات المسيرة.
واعتبر وزير الخارجية المغربي أن جبهة بوليساريو بميليشياتها هي إحدى المجموعات التي تستغلها إيران لتقويض الأمن والسلم في المنطقة.
وقال بوريطة إن “مسألة الفاعلين غير الحكوميين المسلحين (الميليشيات والجماعات المسلحة)، منهم بوليساريو، أصبحت ظاهرة تشكل خطرا على الأمن والسلم الإقليميين والدوليين”، معتبرا أن “حصول هؤلاء الفاعلين على أسلحة وعلى تقنيات متطورة، خطير جدا. ويجب على الدول التي تمكنهم من هذه الأسلحة أن تتحمل مسؤوليتها الكاملة، بما في ذلك حصولهم على الطائرات المسيرة عن بعد الذي يشكل خطرا كبيرا على الأمن والسلم”.
وكان المغرب قد اتخذ قرار قطع علاقته مع إيران بعد تحقيقات أفضت إلى اكتشاف انخراط حزب الله في تمويل وتدريب عناصر من بوليساريو، حيث زار مسؤول من الحزب الشيعي اللبناني مخيمات تندوف.
ويقول محللون إن وجود إيران في شمال أفريقيا يتخذ أبعادا متعددة، بعضها ظاهر وبعضها الآخر ناعم، خاصة في الدول التي لا تظهر أي حساسية تجاه الأنشطة الإيرانية مثل الجزائر وتونس.
وسبق لشيخ الأزهر أحمد الطيب أن أشار في 2015 إلى وجود أنشطة استقطاب مذهبية إيرانية حين قال “إننا لاحظنا أن هناك أموالا تضخ (لم يحدد حجمها)، لتحويل شباب أهل السنة إلى المذهب الشيعي، وهذا الذي نعترض عليه، لأن هذا الأمر سوف يؤدي بالضرورة إلى فتنة وإراقة دماء في بلاد أهل السنة، وهو ما يرفضه الأزهر”.
وتعمل إيران، بشكل متزامن، على اختراق مذهبي لأكثر من مجتمع في المنطقة؛ ففي الجزائر تعمل خلايا ومجموعات شيعية سرية في عدد من المدن الكبرى، كالعاصمة الجزائر ووهران وسطيف وباتنة، على استقطاب المزيد من الأتباع للمذهب الشيعي، مستعملة في ذلك مختلف الوسائل والمغريات، كالمال والهدايا وزواج المتعة.
وتتحرك السفارة الإيرانية، التي ما فتئت تطالب السلطات الجزائرية بتسهيل فتح مراكز ثقافية في المدن الكبرى، على أكثر من واجهة؛ وذلك من خلال إجراء لقاءات مع فنانين ومثقفين. كما أنها ترعى في السر نشاط المجموعات الشيعية، مستفيدة من العلاقة الرسمية مع النظام الجزائري.
وتقيم السفارة الإيرانية في تونس علاقات واسعة مع شبكات المجتمع المدني من محامين وإعلاميين وجامعيين، فضلا عن مكونات الطبقة السياسية، ودأبت على إقامة لقاءات وحوارات، إضافة إلى استدعاء وفود تونسية لزيارة طهران ولقاء المسؤولين الإيرانيين.