القمة العربية في الجزائر.. تشويش و تضارب في الأخبار

البازي

سعت الدبلوماسية الجزائرية لتفنيد ما وصفته بالشائعات قبيل احتضان أعمال القمة العربية مطلع نوفمبر المقبل وتطمين الوفود العربية المشاركة في ظل مآخذ على المواقف الإقليمية للدبلوماسية الجزائرية، وتأثيرها في أداء العمل العربي المشترك.

 أثارت بعض المواقف الدبلوماسية للجزائر على غرار علاقاتها مع إيران وإثيوبيا وإسهامها في الحوار الفلسطيني مآخذ لدى بعض الدوائر السياسية والإعلامية العربية التي بنت عليها فرص نجاح القمة ومخرجاتها، بينما ترى الجزائر أن المسألة تنطوي على محاولات للتشويش على جهود احتضان وعقد القمة بعد سنوات من شلل العمل العربي المشترك.

وفنّدت الدبلوماسية الجزائرية ما تم تداوله في الآونة الأخيرة حول مشاركة زعيم جبهة بوليساريو إبراهيم غالي في القمة العربية الحادية والثلاثين المقررة في مطلع الشهر الداخل، وحمل تكذيب السفير نذير العرباوي في تصريحه لوسائل الإعلام امتعاض بلاده ممّا باتت تصفه بـ”الحملة المغرضة والمضللة من أجل التشويش على الأعمال التحضيرية للقمة والتأثير على مخرجاتها”.

وأكد المتحدث بأن “زعيم بوليساريو غير معني تماما لا من قريب ولا من بعيد بهذه القمة، وأن الصحراء ليست عضوا في الجامعة العربية، وأن هذه المعلومات المغلوطة تستهدف إفشال الموعد العربي بعدما لاحت بوادر نجاحه من خلال أشغال المندوبين والمجلس الاقتصادي والاجتماعي”.

وجاء تفنيد الجزائر في هذا الشأن لتقديم تطمينات جديدة للمجموعة العربية، ورفع كل المعوقات أمام القمة العربية التي تنعقد لأول مرة منذ جائحة كورونا والأزمة الأوكرانية، ليضاف بذلك إلى الإعلان الصادر منذ أسابيع حول عدم حضور سوريا في القمة، قياسا بما تمثله من مواقف خلافية داخل المجموعة.

 

حكيم بوغرارة: التفاؤل يسود حتى الحكومات التي أعلن قادتها الغياب
حكيم بوغرارة: التفاؤل يسود حتى الحكومات التي أعلن قادتها الغياب

 

ورفعت في الآونة الأخيرة دوائر سياسية وعربية عدة مآخذ على المواقف الجزائرية الإقليمية، وتأثيرها في أداء العمل العربي المشترك، وأشارت إلى علاقاتها الوثيقة مع إثيوبيا وإيران، رغم ما تمثلانه من تهديد للمصالح العربية، لاسيما بالنسبة إلى مصر ودول الخليج العربي، فضلا عن تجاوز دور القوى التقليدية في الملف الفلسطيني.

ويرى الأستاذ في جامعة الجزائر والمحلل السياسي حكيم بوغرارة المسألة من زاوية مغايرة توحي بأن حالة من اللبس أو التأويل المريب أدّت إلى طرح هذه الأفكار في النقاش الذي يسبق القمة العربية، حيث يرى أنه من الأجدر تثمينها لأنها أنهت التأخر في التقاء العرب بعد تحوّلين عالميين مهمّين سجلا مؤخرا، الأول جائحة كورونا التي أربكت العالم، وثانيا الأزمة الأوكرانية التي لا تزال تلقي بظلالها على الجميع بما في ذلك العالم العربي، خاصة في مجال الغذاء والطاقة.

وذكر في تصريح لـه أن “الحديث المبكر عن فشل الجزائر في تنظيم القمة العربية هو حكم يعكس فشل أو يأس أصحاب هذه الأحكام، فالتفاؤل يسود كل الحكومات العربية بما فيها تلك التي أعلن قادتها عن الغياب عنها”.

وبرر المتحدث ذلك بكون “الجزائر لم يحدث أن فشلت في مسارها الدبلوماسي العريق، فهي قامت بالواجب، والتاريخ سيحكم لاحقا، وما حديث الشعوب العربية وآمالهم إلا انعكاس لحالة الترقب لقرارات القمة، ومنذ القمة التي احتضنتها العام 2005 تميز أداؤها بالجرأة، وكان طرحها لملف إصلاح الجامعة العربية وتدوير منصب الأمين العام، وتصحيح عملية التصويت من الإجماع إلى أغلبية الثلثين على كل المسائل، دليلا على نواياها في النهوض وتطوير أكبر التكتلات العربية”.

وأوضح بشأن ما يتردد لدى بعض الدوائر العربية المتشائمة التي تعزو المخرجات المحدودة المنتظرة من القمة بشكل أساسي إلى “مواقف وعلاقات الجزائر الإقليمية، خاصة مع إثيوبيا وإيران، وعدم مراعاتها للمصالح العربية في ذلك”، بأن “أزمة سد النهضة بدأت في 2012 بإيعاز من إسرائيل التي شجعت إثيوبيا على بنائه بغية تضييق الخناق على مصر، خاصة وأن تشييده تزامن مع موجة ما تسمى ثورات الربيع العربي التي كانت آثارها واضحة للعيان في مصر بتصدر قيادة سياسية إخوانية للبلاد”.

الدبلوماسية الجزائرية فنّدت ما تم تداوله في الآونة الأخيرة حول مشاركة زعيم جبهة بوليساريو إبراهيم غالي في قمة الجزائر

وأضاف “المشروع وتّر الوضع بين الأطراف الثلاثة في المنطقة (إثيوبيا والسودان ومصر)، وتم توقيع مذكرة تفاهم العام 2015، ودخلت الجزائر في 2021 بغية التوسط في حل النزاع بعيدا عن أي استغلال سلبي أو مصالح ضيقة في الأزمة، فعلاقاتها مع أديس أبابا ليست وليدة الأزمة وإنما تمتد لعقود كاملة، ولم تعمل أبدا على الابتزاز”.

ومع المخاوف المتنامية في منطقة الخليج العربي من المشروع الإيراني، والهاجس الذي بات يؤرق دول المنطقة من مشروع التوسع السياسي والديني في المنطقة عبر مختلف الأذرع المغروسة فيها، وهو الانطباع الذي يكون قد امتد حتى إلى الدول التي ترتبط بعلاقات معيّنة مع طهران كما هو الشأن بالنسبة إلى الجزائر، تقدم الأخيرة نفسها على أنها الوسيط الموثوق الذي يراعي بشكل خاص المصالح العربية، فهي التي توسطت ورعت واحتضنت الاتفاق التاريخي بين إيران والعراق لوقف القتال خلال سبعينات القرن الماضي.

ويرى بوغرارة أن “العلاقات الجزائرية – الإيرانية عادية ومكشوفة للجميع، وتلك العلاقات كانت وراء إنقاذ الكثير من الدول العربية في 2017 بعد قمة أوبك الاستثنائية في الجزائر من خلال إقناع الدول العربية وإيران بمراعاة المصالح العليا، وتم الاتفاق على تخفيض الإنتاج وعادت أسعار النفط للارتفاع، ولم يحدث أن وظفت علاقاتها مع طهران لضرب استقرار المنطقة، كما أنها لم تتردد في إدانة هجمات الحوثيين على دولتي الإمارات والسعودية، ولو أنها لم تنخرط في الحلف العربي، فذلك موقف سيادي”.

ولفت المتحدث إلى أن المصالحة الفلسطينية المنجزة مؤخرا في الجزائر وشّحت ديباجتها باعتراف صريح بمجهودات مصر وقطر والسعودية في الوصول إلى اتفاقات مصالحة، وهو ما يؤكد أن دورها لم يكن بغرض تجاوز دور القوى التقليدية في الملف، وإنما كان استكمالا لمسار طويل، فهي احتضنت إعلان ميلاد الدولة الفلسطينية بقيادة الرئيس الراحل ياسر عرفات العام 1988.

وفيما هوّن المتحدث من الغيابات المعلنة لبعض القادة العرب، كون القمم السابقة لم تنعقد بتعداد كامل، فقد شدد على أن “القمة العربية التي ستحتضنها الجزائر هي فرصة تستوجب المساهمة الإيجابية من طرف الجميع، لأن التحديات والتطورات المستجدة في العالم تضع المجموعة العربية في مفترق طرق، فكل التكتلات الدولية والإقليمية ترسم معالم مستقبلها، إلا المجموعة العربية فقد تأخرت كثيرا عن الموعد، ولو أن الوصول المتأخر أفضل من عدم المجيء تماما، وهو ما تسعى له الجزائر باحتضان هذه القمة”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: