غياب تونس عن اجتماع “5+5 دفاع” قرار منفرد أم بتنسيق مع الجزائر

أثار غياب تونس عن اجتماع مبادرة “5+5 دفاع” في المغرب نقاط استفهام حول ما إذا كان هذا الغياب نتيجة تفاعلات أزمة استقبال تونس لزعيم بوليساريو في وقت سابق من العام الجاري، وعمّا إذا كان القرار التونسي جرى بتنسيق مسبق مع الجزائر التي قاطعت بدورها الاجتماع.

لفت عدم مشاركة تونس في الاجتماع الرابع عشر لرؤساء أركان القوات المسلحة للبلدان الأعضاء في مبادرة “5+5 دفاع” الذي عقد في العاصمة المغربية الرباط أنظار المتابعين للشأن المغاربي، لاسيما وأنها المرة الأولى التي تغيب فيها تونس عن هكذا لقاء مهم يهدف إلى تعزيز التنسيق بين أعضاء المبادرة في مواجهة التحديات الأمنية المشتركة.

وجاء عقد الاجتماع بتعليمات من العاهل المغربي الملك محمد السادس القائد الأعلى ورئيس أركان الحرب العامة للقوات المسلحة الملكية.

وعزا المتابعون غياب تونس عن هذا الاجتماع إلى التوتر الذي استجد على العلاقات مع المغرب على خلفية استقبال الرئيس التونسي قيس سعيد لزعيم جبهة بوليساريو الانفصالية إبراهيم غالي في أغسطس الماضي، والذي لا تزال مخلفاته قائمة إلى حد الآن بين البلدين.

مبادرة “5+5 دفاع” تضم فرنسا، إيطاليا، مالطا، البرتغال، إسبانيا، المغرب، تونس، الجزائر، موريتانيا وليبيا

ويقول المتابعون إنه لا يُعرف بعد ما إذا كانت تونس قد قررت بشكل فردي مقاطعة هذا الاجتماع الذي يضم دولا من ضفتي غرب المتوسط، أم أن الأمر جرى بتنسيق مع الجزائر التي غابت هي الأخرى عن الاجتماع، مشيرين إلى أنه في حال كان السيناريو الثاني، فإن ذلك مؤشر إضافي عن تغير في المقاربة التونسية نحو الانحياز للجزائر، متخلية بذلك عن مبدأ الحياد والبقاء على مسافة واحدة من الطرفين.

وأثار استقبال الرئيس التونسي لزعيم جبهة بوليساريو التي تطالب بانفصال الصحراء المغربية بمناسبة انعقاد ندوة “تيكاد” اليابانية – الأفريقية غضب المغرب، الذي اعتبر هذه الخطوة “عملا خطيرا وغير مسبوق، يسيء بشكل عميق إلى مشاعر الشعب المغربي”.

واستدعى المغرب سفيره في تونس للتشاور، كما ردت تونس على الخطوة بالمثل، ولم يعد أي من السفيرين إلى مهامهما منذ ذلك الحين، في مؤشر على استمرار التوتر بين البلدين، وعدم وجود رغبة حقيقية لاسيما من قبل تونس في احتواء الموقف.

وظلت تونس لعقود تسير على الحياد في قضية الصحراء المغربية، وهي تعرف حساسية هذا الملف لدى المغرب، ولم تختر في أي مرحلة سابقة، سواء في عهد الزعيم المؤسس الحبيب بورقيبة أو الرئيسين الراحلين زين العابدين بن علي والباجي قائد السبسي، أن تقف إلى جانب هذا الطرف أو ذاك، وهو ما مكنها من لعب دور نشيط وفعال في التأسيس لاتحاد المغرب العربي عام 1989، وكانت حلقة الوصل بين مختلف الدول المغاربية.

لكن مع وصول الرئيس سعيد إلى السلطة بدا أنه يميل إلى توثيق الروابط أكثر مع الجارة الجزائر، في ظل حاجته إلى حليف قوي يدعم موقفه، لاسيما بعد إطلاقه لمسار الخامس والعشرين من يوليو 2021 والذي مكنه من تثيبت كل السلطات بيده.

ويقول مراقبون إن هذا الاندفاع التونسي صوب الجزائر استغله النظام الجزائري لدفع تونس إلى تبني مواقف وخيارات “غير سليمة”، من ذلك استقبال الرئيس التونسي لغالي، وتعمد الخارجية التونسية تصعيد الموقف بدل العمل على احتوائه.

ويلفت المراقبون إلى أنه من غير المرجح عودة العلاقات التونسية – المغربية في ظل الوضع القائم، وهذا طبعا ستكون له تداعيات كبيرة وسيؤثر على التعاون الثنائي، وأيضا على التعاون بينهما ضمن مبادرات جماعية كما هو واقع الحال بالنسبة إلى مبادرة “5+5 دفاع”.

وترأّس المغرب الخميس الاجتماع الرابع عشر لرؤساء أركان القوات المسلحة للبلدان الأعضاء في المبادرة، وذلك بمشاركة رؤساء أركان القوات المسلحة لثمانية بلدان أعضاء في المبادرة، وهي فرنسا وإيطاليا وليبيا ومالطا وموريتانيا والمغرب والبرتغال وإسبانيا.

 

غياب بارز
غياب بارز

وأشاد الجنرال دوكور دارمي المفتش العام للقوات المسلحة الملكية قائد المنطقة الجنوبية في كلمته الافتتاحية بالجهود التي تبذلها كافة البلدان الأعضاء لجعل هذه المبادرة فضاء مميزا لتقاسم التجارب وللتفكير في مجال الأمن والدفاع من أجل تعزيز التنسيق بين القوات المسلحة في ضفتي المتوسط.

ووفق بلاغ صدر عن القيادة العامة للقوات المسلحة الملكية المغربية، جدد الجنرال دارمي التأكيد على تشبث المملكة بالتعاون العسكري متعدد الأطراف للتصدي لمختلف التحديات التي تواجهها المنطقة.

وأجمع رؤساء أركان القوات المسلحة للبلدان المشاركة في الاجتماع على أهمية المبادرة في مجال تبادل الممارسات الجيدة بين القوات المسلحة للبلدان الأعضاء فيها، وكذلك على مستوى تعزيز التفاهم والثقة المتبادلين.

وذكر بيان القيادة العامة المغربية أنه تم خلال الاجتماع عرض الحصيلة المرحلية لمخطط العمل 2022، قبل فتح النقاش حول أهم الأنشطة التي ينبغي إدراجها في مخطط العمل 2023.

وصادق رؤساء أركان القوات المسلحة للبلدان الثمانية على مخطط العمل 2023، وأصدروا التوصيات والخلاصات التي سيتم تضمينها في الإعلان المشترك الذي سيتوج أشغال الاجتماع الثامن عشر لوزراء دفاع البلدان الأعضاء المقرر في السادس عشر من ديسمبر المقبل في الرباط.

 

وتتركز هذه التوصيات على تشجيع استمرار هذه المبادرة، والنهوض بتكافؤ الفرص بين الجنسين، ومواصلة التعاون متعدد الأطراف، وخاصة في مجالات السلامة البحرية، والأمن الجوي، ومساهمة القوات المسلحة في تدبير الكوارث الكبرى وكذلك البحث الأكاديمي والتكوين.

والتزم رؤساء أركان القوات المسلحة المشاركين بتعزيز تعاونهم أكثر من أجل النهوض بالأمن والاستقرار في المنطقة، ومواجهة التحديات المشتركة في هذا الفضاء الحيوي، وخاصة محاربة الاتجار غير المشروع، والهجرة غير الشرعية، والإرهاب، والتلوث البحري.

وأشادوا بقيادة التمارين العملية وبالجهود المبذولة في إطار مشاريع وبنيات هذه المبادرة، وخاصة تجمع “5+5 دفاع” والمركز الأورو – مغاربي للأبحاث والدراسات الإستراتيجية، ومركز “5+5 للتكوين في مجال إزالة الألغام لدواع إنسانية”.

وتم إطلاق مبادرة “5+5 دفاع” في العام 2004، وهي منتدى للتشاور والتعاون متعدد الأطراف بين ضفتي غرب المتوسط. وتضم خمس دول من الضفة الجنوبية للمتوسط (الجزائر، ليبيا، موريتانيا، المغرب وتونس)، وخمس دول من الضفة الشمالية (فرنسا، إيطاليا، مالطا، البرتغال وإسبانيا).

ويعتبر هذا المنتدى إطارا مهما لتعزيز التبادل المعرفي حول التحديات الأمنية المشتركة، وتتم رئاسته بالتناوب.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: