الحكومة المغربية تحتكم لشرعية الإنجاز

ماموني

يجب أن نتفق على أن العام الأول من تنصيب الحكومة المغربية كان صعبا وغير عادي على كافة المستويات، في ظل تغيرات وتحديات داخلية وخارجية، من الجفاف وأزمة إمدادات الطاقة والمواد الأولية، إلى تحدي الحفاظ على النمو الاقتصادي ومحاربة آفة البطالة واستقطاب الاستثمار.

تحدث رئيس الحكومة عزيز أخنوش قبل يومين عن قناعة بتحويل الأزمة إلى فرصة، إنه رهان صعب يحتاج الكثير من العزم والإصرار، خصوصا مع مطالب المغاربة بوضوح أن تتحمل الحكومة مسؤولية مكافحة التهديدات الخارجية والداخلية في نفس الآن. المواطن لا يصم أذنيه أو يغمض عينيه عن التحديات المرتبطة بارتفاع مهول للأسعار والمحروقات والتي عانى من تداعياتها، ويطالب الحكومة بسرعة التعامل مع هذه الأوضاع.

من أولويات العمل الحكومي تحقيق الفعالية والشفافية وتعزيز الثقة بين الإدارة والمواطن، والبحث عن كافة السبل لمحاربة الفساد وتسهيل الولوج إلى مرفق العدالة، وكلها مهام تدخل ضمن البصيرة السياسية لاحتواء تداعيات الأزمة.

◙ الحكومة ترفض انتقادات المعارضة وتقوم بدحضها وتعتبرها مجرد مزاعم، حيث تقول إنها اعتمدت سياسة تنظيم الإنفاق العمومي، وترشيد الهوامش المالية، والانحياز الصريح للأسرة المغربية

الفساد والبيروقراطية الإدارية تحديدا من بين الأولويات التي يتم تكريس الجهد والوقت لها، وهي مسألة مرتبطة بتأهيل العنصر البشري للتعامل بكفاءة مع المستجدات والتحديات. فالتقليص من الفساد وتعزيز ثقة المواطنين والمستثمرين في الإدارة المغربية، يجب أن يكونا ضمن برنامج العمل اليومي للحكومة المغربية.

هناك جهات نقابية تمارس عملها وتقيم عمل الحكومة، وهو ما اعتادت على القيام به أيضا مع الحكومات السابقة. ولكن هناك نقابات كل ما تهتم به هو المزايدة السياسية لأهداف انتخابية، وتسجيل النقاط السياسية في مرمى الحكومة، واستغلال الظروف الاجتماعية والاقتصادية واستدعاء خطاب الشعبوية لتوظيفه من أجل التشويش على عمل الحكومة. إنها وسيلة لتحقيق غايات مختلفة، وليس الغرض الحقيقي منها تسليط الضوء على الأخطاء وإصلاحها مع مراعاة الظروف المحيطة.

وجدت المعارضة بعض النقاط للارتكاز عليها في مهاجمة الحكومة، حيث تقول إن السياسة الاجتماعية للحكومة الحالية لا تتناسب والوعود التي قطعتها للناخب المغربي، وأن الإجراءات التي اتخذتها لمواجهة الأزمة المزدوجة المتمثلة بالجفاف الذي شهده المغرب والحرب الروسية – الأوكرانية ليست في المستوى المطلوب.

نشاط المعارضة والنقابات نهج دستوري راسخ لا غبار عليه، ولكن يجب ألا يغيب عليها أن هذه الحكومة أكملت بالكاد سنتها الأولى، وهي سنة جاءت مليئة بالمفاجآت غير السارة ومرتبطة بظروف غير متوقعة. ومع ذلك هناك نقاط مضيئة في سجل الحكومة لا يمكن إنكارها. نعم، هناك اتفاق أن أي حكومة قوية تبرز في اللحظات الاستثنائية والصعبة، من خلال قدرتها على ابتكار حلول وعدم الاكتفاء بالتبرير. وهذا ينطبق أكثر على الأصوات المنتقدة لأنها لا تتعامل مع إكراهات الملفات وتعقيداتها بشكل مباشر.

 

◘ الملك محمد السادس دعا الجميع لتحمل مسؤولياته في هذه الفترة الصعبة التي تستدعي التكاتف وابتكار أفكار خلاقة لمواجهة كل التحديات
الملك محمد السادس دعا الجميع لتحمل مسؤولياته في هذه الفترة الصعبة التي تستدعي التكاتف وابتكار أفكار خلاقة لمواجهة كل التحديات

 

المعارضة التي تنظر إلى الخطاب السياسي الواقعي والموضوعي على أنه شريان الحياة للمجتمعات الديمقراطية، يمكن الاعتماد عليها لتحقيق توازن بين العمل الحكومي والرقابة المؤسساتية للمعارضة، والدفاع النقابي عن حقوق العمال وحمايتهم من أي قرارات أو إجراءات تعسفية قد تتخذها الحكومة. فالحكومة غير منزهة عن الأخطاء، ومطالبة أيضا بالإنجاز.

في الواقع، الحكومتان السابقتان اللتان تزعمهما حزب العدالة والتنمية، نهجتا سياسة أضرت كثيرا بالقدرة الشرائية للمواطن، وآثار تلك السياسة لازالت مستمرة إلى اليوم، وسيكون من الإجحاف رد الخسائر كلها الى الائتلاف الحكومي الحالي الذي يدير مرحلة غاية في الصعوبة والتعقيد. ويبدو أن الهم الوحيد للحكومة حاليا هو الحفاظ على الاقتصاد الوطني في توازن دون الالتفات إلى خطاب الشعبوية.

اللجوء إلى الاقتراض الخارجي الذي اعتمدته الحكومة السابقة تسبب في خلل مالي نتجت عنه صعوبات في تسديد تلك الديون التي تتطلب عقدين من الزمن لتصفيتها. والهم الوحيد للحكومة حاليا هو الحفاظ على الاقتصاد الوطني وتوازنات المالية العمومية، وليس تبني خطاب شعبوي.

ومن المنطقي في مثل هذه الظرفية الصعبة أن يكون عمل الحكومة منصبا على التركيز على المشاريع الاجتماعية، وتوفير التمويل اللازم لإنجاح مشروع الدعم المباشر للفئات الهشة بالمجتمع، إضافة إلى فتح الباب أمام المستثمر الأجنبي ودعم المستثمر المغربي لضخ رؤوس أموال تحقق عوائد مالية للدولة، وفسح المجال أمام عوامل النمو الاقتصادي وتفادي كل ما من شأنه زعزعة الاستقرار.

مهاجمة أحزاب المعارضة للحكومة وطريقة تعاملها مع الاقتصاد والمخاوف بشأن فقدان الوظائف، والمطالبة بإجراءات تصحيحية لتعزيز التوظيف، واكبتها حملة انتقادات على وسائل التواصل الاجتماعي وبعض الصحف، تنادي بتخفيض سعر المحروقات، ووصلت الحملة إلى حدّ رفع شعار ارحل لرئيسها أخنوش وبعض وزرائه. لمواجهة هذه الاحتجاجات واستيعاب مطالب المواطنين، ارتكزت جهود أحزاب الائتلاف الحكومي على ملف الحماية الاجتماعية، وهي تراهن حاليا على النجاح فيه.

◘ من أولويات العمل الحكومي تحقيق الفعالية والشفافية وتعزيز الثقة بين الإدارة والمواطن، والبحث عن كافة السبل لمحاربة الفساد وتسهيل الولوج إلى مرفق العدالة

المزاج الشعبي وتوجهات الناخبين مرتبطان بسوية وشرعية الإنجاز الحكومي. ما سيتذكره المواطن مستقبلا هو أن توجه الحكومة الحالية انصب على استقرار أسعار المواد الأساسية، كالقمح والسكر والغاز والماء والكهرباء، وتعميم التغطية الصحية والرفع من قيمة التعويضات العائلية، والحد الأدنى للأجور.

الصعوبات والتحديات الراهنة التي تواجه الأسرة المغربية على المستوى الاقتصادي والاجتماعي كبيرة جدا ومرهقة، وفي ظروف مثل هذه يجب ألا يكون الدور الاجتماعي للحكومة مجرد شعار انتخابي، بل التزام سياسي وأخلاقي لا رجعة فيه.

ترفض الحكومة انتقادات المعارضة وتقوم بدحضها وتعتبرها مجرد مزاعم، حيث تقول إنها اعتمدت سياسة تنظيم الإنفاق العمومي، وترشيد الهوامش المالية، والانحياز الصريح للأسرة المغربية، طبقة وسطى كانت أو هشة، عبر فرض ضرائب تضامنية على الشركات الأكثر ربحا، وخفض ضريبة دخل لشرائح واسعة من المجتمع.

الخوف أن تبقى أحزاب الحكومة في مربع الرد على المنتقدين، دون المرور للمرحلة التالية وهي العمل، خصوصا وأن الملك محمد السادس في خطابه دعا الجميع لتحمل مسؤولياته في هذه الفترة الصعبة التي تستدعي التكاتف وابتكار أفكار خلاقة لمواجهة كل التحديات.

وكل ما نخشاه أن تسقط أحزاب الائتلاف الحكومي في فخ تآكل داخلي بسبب عدم تجديد الطاقم السياسي وتحيين البرامج والأفكار.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: