سعى المشاركون في منتدى أصيلة إلى تحديد طبيعة العلاقة بين جبهة بوليساريو الانفصالية والجماعات الإرهابية في منطقة الساحل والصحراء، حيث تم التأكيد على أن الطرفين لهما نقاط تلاق عديدة أبرزها العمل على تفكيك الدول وزرع الفوضى واستغلال الأمية والفقر للتجنيد.
ناقشت إحدى ندوات منتدى أصيلة الذي تستمر فعالياته حتى الخامس من نوفمبر في المغرب ارتباطات الحركات الانفصالية بالجماعات الإرهابية في أفريقيا وأوجه التعاون بينهما، وركزت كلمات من تحدثوا في ندوة أقيمت الأحد حملت عنوان “الحركات الانفصالية والمنظمات الإقليمية في أفريقيا” على العلاقة التي تربط جبهة بوليساريو بالجماعات الإرهابية في منطقة الساحل الأفريقي بالنظر إلى التداخل وتشابك المصالح بين مقاتلي الطرفين.
وقال عبدالله ولد محمدي الكاتب المتخصص في الشؤون الأفريقية إن جبهة بوليساريو مثلت لسنوات عديدة قاعدة خلفية لإمارة الصحراء في شمال مالي الموالية لتنظيم داعش، وزودتها بالوقود والسلاح والمقاتلين عبر الحدود مع الجزائر.
وتحولت بوليساريو وغيرها من الحركات الانفصالية في النهاية إلى بؤر تسيطر عليها شبكات تهريب السلاح والمخدرات والبشر، ووثقت الجبهة الانفصالية علاقاتها بالجماعات التكفيرية المسلحة، سواء تنظيم القاعدة أو داعش، نظرًا إلى تمركزهما في مناطق خارج سيطرة الدولة وإطلاق كلاهما الكثير من الوعود الوردية بتأسيس دولة، وهو وهم يخفي كوارث ومآسي عديدة لشعوب القارة.
واتخذت بوليساريو من منطقة مهجورة بين المغرب والجزائر وموريتانيا بؤرة لتربية وهم الدولة الموازية لممارسة الكثير من الأنشطة الإجرامية. وهو السياق ذاته الذي تبدأ فيه وتنتهي الجماعات المتطرفة، حيث تطلق في البداية الوعود بشأن الحكم الإلهي الذي يحقق العدالة والمساواة، ثم سرعان ما يتلاشى عبر انخراطها في شبكة إجرام دولية وإقليمية واسعة.
وسلطت كلمات بعض المتحدثين في الندوة الضوء على المشتركات بين التنظيمات الإرهابية والحركات الانفصالية في أفريقيا ويناقضان فكرة الدولة القائمة على الجمع والتماسك والوحدة وتجاوز الخلاف الإثني والعرقي، بينما تهدف الجماعات والحركات إلى التفريق والانفصال عن جسد الدولة، والعزف على وتر الصراعات العرقية والإثنية.
وتقتات الجماعات الإرهابية والحركات الانفصالية على المتناقضات مستغلة المناطق الرخوة والهشة بهدف تحقيق النمو والتوسع، ويستغل الطرفان ما تعاني منه بعض المناطق في أفريقيا، خاصة في الساحل الأفريقي وجنوب الصحراء، من أمية وبطالة وفقر وهشاشة أمنية وأوضاع سياسية غير مستقرة للسيطرة على عموم بلدان القارة من خلال استقطاب الشباب وتجنيد الباحثين عن مساحة من الاستقرار المالي والأمني.
ويتوهم الانفصاليون والجهاديون معًا أنه بمجرد إلقاء خطاب أو كتابة بيان حماسي وتوزيع قطع السلاح على حفنة من المقاتلين أو المرتزقة سوف يؤسسون دولة، وهم يؤسسون لخيال في صورة كيان انفصالي متمرد.
وفي إطار الربط بين الجانبين، شدد محمد بن عيسى أمين عام منتدى أصيلة ووزير خارجية المغرب سابقا، على ما يسهم به هذا التحالف في تفتيت القدرات الأفريقية الطبيعية والبشرية، فضلا عن بلقنة الكيانات الوطنية وإضعافها وإغراقها في حروب أهلية مدمرة.
ووجد ناصر بوريطة وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج أن نقاط التلاقي بين الحركات والجماعات بلغت حد التجانس وذوبان الخلايا من الجانبين في بعضهما البعض.
ورأى بوريطة ضمن كلمته في الندوة أن التماهي بينهما وصل إلى درجة استخدام أساليب واحدة في التعبئة والتجنيد وجلب التمويل والدعم المالي والعسكري وفي طريقة تنفيذ التكتيكات العملياتية، والتشارك في الأهداف؛ حيث يسعيان نحو هدم أسس الدول وتقويض سيادتها.
واعتبر خبراء أمنيون أن تنظيم داعش الذي يشكل خطرًا على دول منطقة الساحل الأفريقي وأوروبا وغيرهما، يشكل خطرًا مضاعفًا على دولة المغرب لارتباطه بالمشروع الانفصالي في الأقاليم الجنوبية المغربية.
ولم يخفِ أبوالوليد عدنان الصحراوي مؤسس وقائد داعش في الصحراء الكبرى الذي قُتل في سبتمبر من العام الماضي هذا الارتباط، حيث كان يُعد بحكم الشراكة والتحالف أحد قادة حركة بوليساريو، وسبق له أن أصدر بيانًا تضمن دعوات صريحة لاستهداف مصالح المغرب وأراضيه، كذلك عناصر بعثة المينورسو العاملة بالصحراء.
وأكد تواطؤ بوليساريو مع الجماعات الإرهابية وما يؤدي إليه من مخاطر على السلم والأمن في المنطقة، تقلد البعض من مقاتلي الجبهة لمناصب قيادية في تنظيم القاعدة الذي سيطر على شمال مالي في العام 2012، وتوطد الارتباط لاحقًا بين بوليساريو وداعش لأن مهندس دخول التنظيم منطقة الساحل أبوالوليد الصحراوي هو أحد مقاتلي الجبهة الانفصالية.
وقبل التعاون مع داعش تعاونت حركة بوليساريو مع القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي المرتبطة بأفرع التنظيم في دول الساحل الأفريقي، ولذلك حذرت دوائر ومراكز استخباراتية من تقارب بوليساريو والقاعدة.
وانتقلت بوليساريو من كونها الذراع اللوجيستي لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي إلى القيام بمهام تزويد مقاتلي داعش بالصحراء الأفريقية وليبيا وسوريا بالأسلحة.
وتنظر الجبهة إلى علاقاتها بالجماعات الإرهابية على أنها إحدى أهم وسائل مدها بالقوة والقدرة على تنفيذ عمليات عنف داخل المدن المغربية.
الجماعات الإرهابية والحركات الانفصالية تقتات على المتناقضات مستغلة المناطق الرخوة والهشة بهدف تحقيق النمو والتوسع
وأشارت بعض التقارير إلى تزايد وتيرة تواجد تنظيم القاعدة والجماعات المتطرفة التابعة له في المنطقة مستغلة الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والأمنية الكارثية لتجنيد جزء من شباب بوليساريو في مخيمات تندوف.
واتهم معارضون صحراويون قادة جبهة بوليساريو الانفصالية بالتورط في قضايا إرهاب تشمل التعذيب والقتل والاختطاف، ومد فرع كلا من تنظيم داعش والقاعدة في الساحل والصحراء بمقاتلين ومجندين على خلفية الأوضاع المزرية في مخيمات تندوف.
وغادر العديد من الشباب المخيمات على وقع الشعور بخيبة أمل من جبهة بوليساريو التي تروج لدولة وهمية انفصالية لن ترى النور بحثًا عن نشاط أكثر عنفًا لكسر حالة الإحباط واليأس.
ويواجه المغرب هذا الخطر المزدوج من خلال التعامل المتطور على أصعدة مختلفة من الأنشطة الإرهابية المسلحة، والجهود المبذولة لمواجهة تهديدات المطالب الانفصالية لبوليساريو التي تطالب بانفصال الصحراء عن سيادة المغرب.
ونجحت المملكة المغربية في تفكيك خلايا تابعة لداعش لقطع الطريق أمام التهديدات الوافدة من منطقة الساحل الأفريقي ومنع المجموعات الحركية النائمة من النشاط بالداخل أو الالتحاق بمعسكرات التنظيم في دول الساحل أو توطيد الروابط والعلاقات بالحركات الانفصالية.
وانضم المغرب الذي يحظى بموقع جغرافي حيوي إلى التحالف الدولي لمكافحة داعش، وشارك في تدريبات “الأسد الأفريقي” وأسهم عبر التعاون مع القوى الدولية وتبادل المعلومات الاستخباراتية في إحباط هجمات في دول أوروبية وأفريقية والقبض على قادة تنظيمات متطرفة.
مواجهة الإرهاب الذي يُخطط له ويجري التحريض عليه في مدن الصحراء تتطلب تفكيك الروابط بين انفصاليي بوليساريو بمخيمات تندوف ومقاتلي داعش في الساحل والصحراء
ويدين تواطؤ بوليساريو مع الجماعات الإرهابية، وفي مقدمتها داعش، الدول الداعمة للجبهة، حيث تتحمل مسؤولية كل ما ترتكبه الجبهة من جرائم بداية من تدعيم نفوذ التنظيمات المسلحة، خاصة تنظيم داعش، وصولًا إلى تجنيد الأطفال قسريًا.
وكان عمر هلال الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة قد عرض في لقاء ببوسطن صورًا لأطفال يرتدون زيًا عسكريًا ويحملون أسلحة خلال استعراضات، وهم يخضعون لتدريبات عسكرية في مخيمات تندوف.
وتهدف تقوية بوليساريو لارتباطها بالتنظيمات الإرهابية إلى تهديد المغرب وإلحاق الضرر به عبر تنفيذ عمليات بمدن في الجنوب، ما يمثل تغطية على فشل الجبهة في إقناع المجتمع الدولي بمشروعها الانفصالي.
ويعبر توطيد التحالف والعلاقات مع الكيانات الإرهابية في المنطقة عن حالة إحباط يعاني منها قادة بوليساريو أمام النجاح الذي يحققه المغرب في سياق مشاريع التنمية التي ينفذها في الأقاليم الجنوبية.
وتتطلب مواجهة الإرهاب الذي يُخطط له ويجري التحريض عليه في مدن الصحراء تفكيك الروابط بين انفصاليي بوليساريو بمخيمات تندوف ومقاتلي وقادة داعش في الساحل والصحراء.
ولن يتحقق تقدم في مسار مكافحة داعش داخل أفريقيا إلا بتقويض الجماعات الانفصالية المتحالفة معه؛ إذ يعملان على تهديد استقرار المنطقة والعالم باستغلال المناطق الهشة اقتصاديا والمنهكة أمنيًا.