أبورقراق في المغرب لم يعد رقراقا بين الرباط وسلا
يطال الجفاف معظم أنهار وأودية المغرب، حتى نهر أبورقراق الذي كان رابطا اقتصاديا بين الرباط وسلا وكان مصدر رزق للصيادين ومسبح تسلية للمغاربة في المدينتين، بدأت القوارب تتعطل فيه بعد أن قل الماء فيه بسبب قلة الأمطار.
يعود عبدالحميد آيت بقاو بذاكرته إلى سنوات الستينات والسبعينات عندما كان يذهب في رحلات استجمام مع عائلته، أو لصيد السمك مع والده على ضفة نهر “أبورقراق” الذي يمر بين مدينتي الرباط وسلا بالمغرب راسما حدودا طبيعية لهما.
ويقول بقاو (66 عاما) “كنت أذهب مع والدي للصيد على ضفتي النهر، فنعود بسمك وفير ومتنوع، أما في أيام الخريف والشتاء لم نكن لنجرؤ بسبب وفرة المياه وعمق النهر والخوف من الانجراف”.
ويضيف وهو يجمع سلطعونات صغيرة لاستعمالها كطعم في الصنارة “للأسف أصبحت كمية الماء في النهر قليلة إلى متوسطة، وبالكاد تمر قوارب تقليدية لنقل السكان، أما القوارب المتطورة المزودة بمحرك فتجد صعوبة في المرور بسبب نقص المياه وكثرة الرمال المترسبة في القاع”. ويمضي بالقول “لاحظت تأثير الجفاف بشكل واضح هذا العام”.
وحال نهر أبورقراق ربما يكون أفضل من غيره من الأنهار والأودية المغربية التي تبلغ نحو عشرين، والتي تأثرت بظاهرة الجفاف ونقص الأمطار بشكل كبير في السنوات الأخيرة.
فنهر ملوية في شرق المغرب مثلا، لأول مرة يعجز عن الوصول إلى مصبه في البحر المتوسط، كما أن هناك أنهارا تضررت بشكل كبير من الجفاف كنهر درعة في الجنوب، وهو أطول نهر في المغرب إذا يبلغ طوله 1100 كيلومتر.
ويعاني المغرب من أسوأ موجة جفاف منذ 30 عاما فالأمطار هذه السنة أقل بنسبة 64 في المئة من المتوسط، الأمر الذي أدى إلى تفريغ أكثر لخزانات المياه التي تقلصت بالفعل بعد سنوات من تغير المناخ.
ويقول خبراء إن الأحوال في أنهار مغربية مثل ملوية (الذي يمتد بطول 520 كيلومترا) وأم الربيع (بطول 555 كيلومترا) ووادي درعة كارثية بينما أنهار أبورقراق (بطول 240 كيلومترا) ولوكوس (100 كيلومتر) وسبو (495 كيلومترا) أوضاعها أفضل نسبيا.
وكان العاهل المغربي الملك محمد السادس حذر في خطاب ألقاه أمام البرلمان الأسبوع الماضي من أن المغرب “يعيش في وضعية إجهاد مائي هيكلي ويمر بمرحلة جفاف صعبة هي الأكثر حدة منذ ثلاثة عقود”. ودعا إلى أخذ “إشكالية الماء في كل أبعادها بالجدية اللازمة”.
ودعا أيضا “الإدارات والمصالح العمومية إلى أن تكون قدوة في هذا المجال، والمغاربة إلى مضاعفة الجهود لتغيير حقيقي في السلوك تجاه الماء.. وتدارك التأخر الذي يعرفه هذا القطاع”. وفي فبراير الماضي قال الديوان الملكي إن المملكة ستنفق عشرة مليارات درهم (1.07 مليار دولار) على خطة وطنية لتخفيف آثار الجفاف على المزارعين والاقتصاد.
ويقول الخبير في التنوع البيولوجي وتغير المناخ حداد إبراهيم “منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط هي في الأصل جافة أو شبه جافة، ومعرضة أكثر من غيرها لشح المياه وارتفاع الحرارة، والمغرب ينتمي لهذه المنطقة، وقد تضرر كثيرا من قلة تساقط الأمطار، بحيث انعكس ذلك بشكل سلبي على الموارد المائية”.
وأشار الخبير المغربي الذي هو أيضا منسق الائتلاف المغربي من أجل المناخ والتنمية ورئيس الجمعية المغربية لحماية البيئة والمناخ إلى أن “الجفاف كان يتمظهر كل ثلاث أو خمس سنوات، لكن الآن أصبح يتجدد بصفة مستمرة، وهو ما أثر على حوض أبورقراق”. ويشير حداد أيضا إلى تقلص مساحة الغابات المحيطة بحوض أبورقراق المائي، بسبب الجفاف وفرط الاستغلال البشري.
وقال إن “المساحة الغابوية تقلصت بنحو 70 في المئة منذ السبعينات، بسبب الجفاف والاستغلال وهذا أثر على الأحواض المائية بحيث هناك انجراف كبير جدا للتربة، خاصة عندما تكون الأمطار قوية، مما يحمل هذه الأوحال إلى السدود، وبالتالي تتراكم في قاع السدود، مما يؤثر على مخزون المياه”.
وقرب سد “سيدي محمد بن عبدالله” في ضواحي الرباط، الذي يصب في وادي أبورقراق وواد كرو الفاصل بين مدينتي الرباط وسلا، يقف عبد الله دريوش وهو في نهاية العقد الرابع على حافة نهر كرو، ويقول “الطبيعة وكل شيء تغير هنا، كنا في أيام فصل الربيع نخرج للنزهة مع العائلة والأصدقاء حيث كانت حافتا الوادي توشكان أن تفيضا على جانبي الطريق، ناهيك عن الغطاء النباتي الكثيف والمتنوع”.
◙ نهر أبورقراق أفضل من غيره من الأنهار والأودية التي تأثرت بالجفاف ونقص الأمطار بشكل كبير في السنوات الأخيرة
ويضيف “المكان أصبح شبه مقفر وكميات المياه في تناقص واضح، منذ بداية 2000″. ويقول حداد “التساقطات المطرية والثلجية في الجبال تقلصت بسبب الجفاف وارتفاع الحرارة، بالنسبة إلى وادي كرو وكريفلة اللذين يغذيان حوض أبورقراق، وهذا أثر على مخزون هذا النهر”. وأشار إلى التلوث وتأثيره على مياه النهر، سواء السائل أو الصلب كالمواد البلاستيكية.
ويقول رجل جاء للصيد قدم نفسه باسم أحمد فقط وهو يرمي صنارته عند مصب نهر أبورقراق في المحيط الأطلسي “أصبحت المياه مالحة بسبب الجفاف وتدفق مياه المحيط”. ويوضح حداد “المصب فيه مياه مالحة وليست عذبة، بسبب الجفاف وبالتالي غلبت مياه البحر على مياه النهر”.
ويرى أن الحل “هو تحلية مياه البحر هذا لا مفر منه لأن عدد السكان في تزايد والطلب على الماء مرتفع، والجفاف يتكرر والحرارة ترتفع”. كما يقترح حداد “إعادة استعمال المياه، 60 في المئة من المياه المستخدمة في المنازل تذهب سدى، فمن الأجدر إعادة استغلالها في سقي المناطق الخضراء مثلا أو غسل السيارات”.
ويرى أنه يجب “إعادة النظر في سقي بعض النباتات والمزروعات التي تتطلب كميات كبيرة من الماء كالأفوكادو والفراولة والبطيخ.. وتوعية المواطن بأهمية ندرة الماء”. ويقول أحمد “الصيد غير وفير أحضر فقط لمجرد ممارسة هوايتي”.