يمضي المغرب نحو تعزيز أدوات النمو الاقتصادي خلال الفترة المقبلة من خلال التركيز بشكل أكبر على زيادة الاستثمارات، وتعزيز سوق العمل بعدما وضعت أزمات الجفاف والحرب في شرق أوروبا البلد في اختبار حقيقي لتخطي هذه العقبات وفق أجندة مدروسة.
طغى موضوع تنمية سوق العمل على الاستفسارات التي حملها البرلمانيون المغاربة للحكومة خلال الجلسة العامة، التي عقدت الأسبوع الماضي، في سياق البحث عن خيط يعبد الطريق أمام تنمية الاقتصاد من بوابة الاستثمار والتوظيف.
وتمحورت أغلب التساؤلات حول التمويل العقاري للشركات الصغيرة، وتحديث قانون العمل، ومآل مدن المهن وطرق مواكبة الشباب الباحث عن العمل، فضلا عن الجهود الحكومية لتتبع حركة اليد العاملة بالسوق الدولية، وظروفها والفرص المتاحة أمامها.
ووجه العاهل المغربي الملك محمد السادس خلال مجلس وزاري انعقد الثلاثاء الماضي، بتفعيل صندوق استثمار سيادي كان قد أُعلن عن تأسيسه في 2020 بغية إضفاء ديناميكية جديدة على استثمار القطاع العام.
ومن المتوقع أن يعزز التوجه إلى مشاريع البنية التحتية والإستراتيجيات القطاعية الطموحة، تنافسية الإنتاج المحلي، وتقوية السيادة الوطنية، على المستوى الغذائي والصحي والطاقة.
وتأتي الخطوة مع إقرار البرلمان مشروع قانون ميثاق الاستثمار، الذي سيشكل انطلاقة جديدة في قطاع الأعمال الذي يعد أحد المحركات الرئيسية للتنمية.
واعتبر إدريس السنتيسي رئيس كتلة حزب الحركة الشعبية بالبرلمان أن الحكومة مطالبة إلى جانب البرلمان بالتفاعل مع خطاب الملك، الذي وضع الإصبع على مكامن ضعف السياسات العمومية ذات الصلة بالاستثمار.
وقال إن “الضعف الكبير والإستراتيجي هو أن يكون دافع الضرائب هو المستثمر الأول في المغرب”.
وأكد الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالاستثمار محسن الجزولي أن الخطوة ستسهم في توفير المزيد من فرص العمل وتقليص الفوارق الاجتماعية.
كما سيمكن الميثاق، وفق الوزير، من دعم الاستثمار في القطاعات ذات الأولوية بالنسبة إلى الاقتصاد المحلي.
وأوضح أنه يهدف أساسا إلى تغيير التوجه الحالي والذي يمثل فيه الاستثمار الخاص نحو ثلث الاستثمار الإجمالي، حيث تسعى الحكومة لرفع حصته لتبلغ ثلثي الاستثمار الإجمالي بحلول 2035.
وأكد إدريس الفينة المحلل الاقتصادي، أن الدولة ستستمر في رفع الاستثمار العمومي ودعم الشركات الجديدة.
وقال إن “مسؤولية الحكومة وضع الأولويات والمشاريع خلال ولايتها، وتعبئة التمويلات الضرورية لذلك، واستكمال الخطط الكبرى للدولة، ومنها إخراج ميثاق جديد للاستثمار”.
وتتمثل الأهداف الرئيسية المحددة في الميثاق في النهوض بسوق العمل بما يسمح بتنمية عادلة بين الجهات مع تحديد القطاعات الواعدة ذات الأولوية بالنسبة إلى الاقتصاد.
ويرى بعض المحللين أن المغرب حقق خلال السنوات العشر الأخيرة قفزة نوعية ونجاحا في مجال تحسين مناخ الأعمال، بعد أن انتقل من المرتبة 120 إلى 53 سنة 2020، وهي الإنجازات التي جعلت من المغرب وجهة استثمارية معترف بها عالميا.
وطالب برلمانيون أثناء مناقشة الميثاق، الحكومة باعتماد أسس حقيقية للاستثمار بتشجيع الرأسمال المحلي المنتج، مع السعي لإيقاف اقتصاد الريع والمضاربة والاحتكار، وتعويض مختلف التراخيص.
وأشاروا إلى أن الحكومة عليها التركيز على نظام دعم الشركات الصغيرة جدا والصغيرة والمتوسطة، والذي يعتبر مهما بالخصوص لتشجيع الاستثمار في المناطق الجبلية والمناطق النائية.
وتبدو الحكومة مقتنعة بأن كل الأقاليم لديها من الإمكانيات والمؤهلات التي سيسهم الميثاق الجديد للاستثمار في إبرازها وفي تطويرها.
وأكد برلمانيون من حزب الحركة الشعبية أن المؤشرات والأرقام التي يتم إعلانها، والمطبوعة بالتفاؤل، يجب أن تنعكس على أرض الواقع ولا على الحياة اليومية للأسر والمواطنين.
وشددوا على ضرورة التحلي بالواقعية حيث أن العلاقة الجدلية بين الاستثمار بشقيه العمومي والخاص برهان التشغيل شكل ولا يزال يشكل المعادلة الصعبة التي واجهت وتواجه مختلف الحكومات المتعاقبة.
وتعتبر البرلمانية عائشة الكوط أن أول المعيقات لتطور ونجاعة الاستثمار هو الفساد، الذي اعتبرت أنه أصبح إشكالا بنيويا ونسقيا، يحتاج لإرادة سياسية إصلاحية قوية، ومنظومة متكاملة، لتعزيز الشفافية والمنافسة الشريفة وضمان تكافؤ الفرص.
وأكد برلمانيو الحزب الاشتراكي أنه من الضروري الانتقال إلى نمط استثماري جديد يتمتع بالتحفيزات اللازمة ويتحمل مسؤوليات واضحة في مقابل المبادرة الحرة، لخلق القيمة المضافة، وتوفير فرص العمل المستدامة، وتطوير المشاريع الصغيرة والمتوسطة.
ودعا لحسن لشكر البرلماني عن الاتحاد إلى القطع مع الاحتكار والريع وممارسات الفساد وغياب المنافسة القانونية والأخلاقية، مع تأسيس قاعدة استثمارية تعي المسؤولية الاجتماعية وتستحضر البعد البيئي للإسهام الفعلي في تحقيق التحول التنموي المنشود.
وتضاعفت اعتمادات الاستثمار في الميزانية العامة ثلاث مرات منذ العام 2007، بمتوسط سنوي قدره 8.5 مليار دولار في الفترة بين 2017 و2021 مقابل 6.34 مليار دولار خلال الفترة بين عامي 2012 و2016.
◙ أول المعيقات لتطور ونجاعة الاستثمار هو الفساد، الذي اعتبرت أنه أصبح إشكالا بنيويا ونسقيا، يحتاج لإرادة سياسية إصلاحية قوية
وستعمل الوكالة المغربية لتنمية الاستثمارات والصادرات على تفعيل الميثاق ومن المرجّح أن تشكل أداة فعالة لترويج الإستراتيجيات المغربية التي تدعم مناخ الأعمال بشكل أكبر.
وارتباطا بالميثاق سيتم إنشاء المرصد المغربي للشركات الصغيرة والمتوسطة والصغيرة جدا، وصندوق الدعم المالي لتلك النوعية من المشاريع.
كما سيتم إنشاء خدمات مخصصة للتجار والشركات تتعلق أساسا بالتحقق من عملية تداول الصكوك البنكية، إلى جانب تفعيل العديد من الإجراءات الأخرى التي تم اتخاذها في السنوات الأخيرة.
وركز برلمانيون على الأولويات الإصلاحية التي ينبغي إرساؤها لتوجيه الاستثمار الخاص لتفعيل أنظمة الدعم بين الجهات بتخصيص منح إقليمية تضاف إلى الحد المقرر لباقي المنح.
ويهدف ذلك لإقامة تمييز إيجابي لفائدة الجهات الهشة في جهات خنيفرة وبني ملال ودرعة تافيلالت وكلميم واد نون، والموجهة نحو توفير فرص العمل في أوساط الفئات الاجتماعية الأكثر تضررا.
وقال الجازولي حول المخطط الحكومي لتوطين الاستثمار في المناطق النائية إن “ميثاق الاستثمار يهدف لتوفير المزيد من فرص العمل مع مراعاة الإنصاف في توزيعها بين أقاليم وعمالات المملكة حسب الخصوصيات المحلية”.
ويطالب البرلمانيون الحكومة بالرفع من نسبة الأفضلية لفائدة الشركات المحلية خاصة الصغيرة والمتوسطة، داعين إلى اعتماد آلية الأفضلية الجهوية دعما لخيار الجهوية المتقدمة، وإلى التعجيل بتفعيل مخطط تمكين مجالس الجهات من ممارسة اختصاصاتها الذاتية.