شهدت الجلسة التشريعية المخصصة للمصادقة على مشروع قانون ميثاق الاستثمار غياب عدد كبير من النواب، حيث حضر 161 نائبا، فيما تغيب عنها 234، وهو ما كان مثار انتقاد لرئيس المجلس رشيد الطالبي العلمي، الذي فوجئ بمسلك النواب المتغيبين، بالنظر لما يكتسيه مشروع القانون من أهمية بالغة.
وأعرب رئيس مجلس النواب عن استغرابه لغياب ثلثي أعضاء مجلس النواب عن الجلسة التي عقدت الثلاثاء، متسائلا “هل نحتاج إلى مجلس للنواب يضم 395 عضوا يحضر منهم فقط الثلث؟”.
واعتبرت شريفة لموير الباحثة في العلوم السياسية بجامعة الرباط، أن ظاهرة غياب النواب عن جلسات التشريع تعكس استهتارا بالمسؤولية.
ولفتت لموير، في تصريحات لـها، إلى أنه لم يعد مقبولا كل هذا الاستهتار خاصة بعد الخطاب الواضح للعاهل المغربي ملك محمد السادس عقب افتتاح الدورة التشريعية الحالية، موضحة أن آليات الردع التي اعتمدها المجلس في حق النواب المتغيبين أظهرت قصورها في مواجهة هذه الظاهرة التي تكاد تصبح الوضع العادي للجلسات.
وكان الملك محمد السادس قد توجه في خطابه بمناسبة افتتاح البرلمان الأسبوع الماضي، إلى النواب بالقول “كونوا، رعاكم الله، في مستوى المسؤولية الوطنية الجسيمة التي تتحملونها، لاسيما في الظروف الوطنية الراهنة”.
وأثارت الغيابات المتكررة وغير المبررة لعدد من النواب انتقادات واسعة من قبل نشطاء على شبكات التواصل الاجتماعي بالمغرب، وأجمع النشطاء على أن هؤلاء النواب لا يستحقون الثقة التي منحهم إياها الناخبون، ودعوا لاقتطاع أجور المتغيبين أو تنحيتهم من منصبهم كي يكونوا عبرة لكل من استهتر بالمسؤولية الملقاة على عاتقه.
وكنوع من الإحراج للبرلمانيين المتغيبين، درج مجلس النواب خلال الولاية البرلمانية السابقة على تلاوة أسماء المتغيبين في جلسة الأسئلة الشفهية، إلا أن الإجراءات الاحترازية التي تم اتخاذها ضد فايروس كورونا المستجد فتحت الباب أمام البرلمانيين للتغيب دون تلاوة أسمائهم.
ومع بداية الدخول البرلماني للعام 2017، شرع مجلس النواب بتطبيق قانون على النواب الذين يتغيبون عن حضور الجلسات العامة، يقضي باقتطاع أيام الغياب من أجورهم خلال الدورة البرلمانية الماضية، وهي المرة الأولى التي يشرع فيها في تطبيق الاقتطاعات، بعدما نص النظام الداخلي للمجلس على توجيه إنذارات إلى النواب المتغيبين، وحدد حالات قبول أعذار الغياب.
ويرى عدد من الأحزاب الممثلة داخل البرلمان أن تفعيل مسطرة زجر التغيبات غير المبررة كما هو منصوص عليها في النظام الداخلي للمجلس، لم يعد يكفي ويجب ابتكار إجراءات تعبر عن الالتزام بمقتضيات التمثيلية النيابية وأسس التعاقد السياسي والقانوني والأخلاقي لنواب الأمة، والتي يشكل الحضور المنتظم والفاعل في أشغال الجلسات العامة واللجان الدائمة على رأس أولوياتها.
أحزاب ممثلة داخل البرلمان يرون أن تفعيل مسطرة زجر التغيبات غير المبررة لم يعد يكفي ويجب ابتكار إجراءات تعبر عن الالتزام بمقتضيات التمثيلية النيابية
وطالبت كتل برلمانية بمجلس المستشارين، في مبادرة لازالت لم تتوسع، بتجريد البرلمانيين الذين تجاوزت فترة غيابهم السنة، دون مبرر، من العضوية، إذ في حالة عدم حضور المعني بواقعة الغياب داخل أجل أقصاه 15 يوما، أو حضر وتعذر عليه تقديم حجج مقنعة تبرر واقعة الغياب، يحيل رئيس المجلس، بعد مداولة المكتب، الواقعة إلى المحكمة الدستورية للبت في وضعيته طبقا لأحكام الفصل 61 من الدستور.
وتعتقد لموير الباحثة في العلوم السياسية أنه بات من الضروري اليوم النظر في فصول النظام الداخلي للمجلس من أجل الحد من ظاهرة الغياب، واعتماد مقاربة حازمة تصل إلى التجريد من صفة نائب برلماني في حالات الغياب داخل الجلسات واللجان صونا للأدوار المحورية التي يؤديها المجلس وفي مقدمتها التشريع.
وأكد راشيد الطالبي العلمي، خلال اجتماع لمكتب المجلس الأسبوع الماضي، على أهمية ورش مراجعة النظام الداخلي، مشيرا إلى أنه قطع أشواطا مهمة.
وتنص المادة 147 من النظام الداخلي لمجلس النواب على أنه “يجب على النواب حضور جميع الجلسات العامة، وعلى من أراد الاعتذار أن يوجه رسالة لرئيس المجلس مع بيان العذر، قبل انعقاد الجلسة العامة”، كما أنه “يضبط حضور النواب بأي وسيلة يعتمدها المكتب بما في ذلك المناداة عليهم بأسمائهم”.
فيما تنص المادة 106 من النظام نفسه على أنه “في حال تغيب عضو عن جلسة عامة دون عذر، لمرتين في ذات الدورة فإن الرئيس يوجه له تنبيهين كتابيين ويأمر بتلاوة اسمه في افتتاح الجلسة العامة الموالية، وفي حال تغيبه دون عذر للمرة الثالثة أو أكثر يتم الاقتطاع من التعويضات الشهرية الممنوحة له مبلغا ماليا بحسب الأيام التي وقع خلالها التغيب دون عذر مقبول”.