أقر المجلس الوزاري المغربي، الذي ترأسه العاهل المغربي الملك محمد السادس، مساء الثلاثاء مشروع قانون المالية لسنة 2023 في وقت يواجه فيه الاقتصاد المغربي تداعيات الحرب الروسية -الأوكرانية المتواصلة، وتحديات مشاريع اجتماعية ذات أولوية تتطلب تعبئة موارد مالية مهمة لتفعيلها.
وقالت وزيرة الاقتصاد والمالية نادية فتاح العلوي، خلال عرض قدمته أمام المجلس الوزاري، إن مشروع الموازنة الجديدة يرتكز على فرضيات تحدد نسبة النمو بـ4 في المئة ونسبة التضخم في حدود 2 في المئة، وعجز الميزانية في حدود 4.5 في المئة من الناتج الداخلي الخام.
وأضافت الوزيرة أن مشروع الموازنة سيواصل تقديم الدعم للفئات المستهدفة من خلال تنفيذ سجل اجتماعي موحد وتعميم شبكات الحماية الاجتماعية، وكذلك “تأهيل منظومة الصحة الوطنية من خلال الرفع من الاعتمادات المخصصة لقطاع الصحة والحماية الاجتماعية”، وكذلك “تسهيل الولوج للسكن”.
ومن المتوقع أن يتباطأ نمو الاقتصاد إلى 0.8 في المئة هذا العام بعد معاناة البلاد من أسوأ موجة جفاف منذ عقود، بينما من المتوقع أن يرتفع التضخم، بسبب عوامل خارجية في الغالب، إلى 6.3 في المئة هذا العام، وفقا لأحدث بيانات للبنك المركزي.
واعتبارا لأهمية تسهيل الولوج للسكن وضمان شروط الحياة الكريمة، تم إقرار دعم مباشر من طرف الدولة في هذا المجال لفائدة الفئات المستهدفة.
أما المحور الثاني من التوجهات الكبرى لمشروع قانون مالية 2023، فيتجلى في إنعاش الاقتصاد الوطني من خلال دعم الاستثمار عبر تنزيل ميثاق الاستثمار الجديد، وتنفيذ الالتزامات المقررة في إطار مشاريع الاستثمار الصناعي.
وأعلن المتحدث باسم القصر الملكي عبدالحق المريني في بيان أنه “تنفيذا للتعليمات الملكية، سيتم تفعيل صندوق محمد السادس للاستثمار، وإضفاء دينامية جديدة على الاستثمار العمومي، بتوجيهه لمشاريع البنيات التحتية والإستراتيجيات القطاعية الطموحة، بما يعزز تنافسية المنتوج الوطني، وتقوية السيادة الوطنية على المستوى الغذائي والصحي والطاقي”.
وبحسب البيان، فقد عيّن الملك محمد السادس خلال جلسة مجلس الوزراء سفير المملكة في فرنسا محمد بنشعبون “مديرا عاما لصندوق محمد السادس للاستثمار”.
وبنشعبون مصرفي سابق، شغل أيضا منصب وزير المالية بين العامين 2018 و2021، قبل أن يعيّن في أكتوبر سفيرا للمغرب في باريس.
وبتعيينه على رأس الصندوق السيادي سيغادر بنشعبون وظيفته الدبلوماسية للانصراف لمهمته الجديدة.
واعتبارا لدور النظام الضريبي في رفع التحديات الاقتصادية الراهنة، وتحقيق الأهداف المنشودة في مجال إنعاش الاقتصاد، سيتم تفعيل مقتضيات القانون – الإطار المتعلق بالإصلاح الضريبي – بما يتيح وضوح الرؤية أمام الفاعلين الاقتصاديين، من خلال إصلاح شامل للضريبة على الشركات، وقطاعي البنوك والتأمينات، بالموازاة مع تخفيف الضغط الضريبي على الموظفين والمتقاعدين من الطبقة المتوسطة، وفق بيان الناطق الرسمي باسم القصر الملكي.
أما في ما يخص المحور الثالث المتعلق بـ”تكريس العدالة المجالية: عبر مواصلة تنزيل الجهوية المتقدمة، وبرنامج تقليص الفوارق المجالية والاجتماعية”، فسيتم “العمل على تسريع إصلاح الإدارة، عبر تبسيط المساطر، وإطلاق إستراتيجية وطنية جديدة للانتقال الرقمي، إضافة إلى مواصلة الجهود في مجال اللاتمركز الإداري، واستعمال اللغة الأمازيغية في مختلف مجالات الحياة الوطنية”.
ويتعلق المحور الرابع باستعادة الهوامش المالية من أجل ضمان استدامة الإصلاحات من خلال تعبئة كل الموارد المالية المتاحة، عبر تحصيل محكم للجبايات واعتماد آليات تمويل مبتكرة، والحرص على عقلنة نفقات تسيير الإدارة، وتفعيل الإصلاح المتعلق بالصفقات العمومية، والقانون التنظيمي لقانون المالية، وإعادة تقييم المحفظة العامة وتحسين أدائها.
وبإقرار المجلس الوزاري لمشروع موازنة 2023 يكون المشروع قد خطا خطوة أولى في المسار الدستوري، على أن تتبعه خلال الساعات القادمة خطوة ثانية بإيداعه من قبل الحكومة ووضع مشروع في مكتب مجلس النواب المغربي (الغرفة الأولى للبرلمان) قبل العشرين من أكتوبر الحالي، من أجل مناقشة بنوده وتقديم مقترحات تعديله والمصادقة عليه قبل بداية السنة المقبلة.
ويأتي مشروع الموازنة الجديدة في ظل تحديات كبرى على الصعيدين الخارجي والداخلي، إذ لا تزال تداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية متواصلة على الاقتصاد العالمي، ما تسبب في موجة تضخم همت كل البلدان، إذ إن البنوك المركزية بالولايات المتحدة الأميركية وأوروبا وعدد من البلدان الأخرى قررت رفع معدلات الفائدة المرجعية لمواجهة التضخم، ولا تتوفر إلى الآن أي رؤية حول مآل هذا الصراع وانعكاساته على التجارة الدولية.
وعلى المستوى الداخلي تنتظر الحكومة مشاريع اجتماعية ذات أولوية، على رأسها ورش تعميم الحماية الاجتماعية، ما يتطلب تعبئة موارد مالية مهمة لتفعيله.
ويستهدف الصندوق، الذي خصص له مبلغ أولي بقيمة تصل إلى 15 مليار درهم من الموازنة العامة للدولة، قطاعات عدة، من بينها السياحة والفلاحة والبنيات التحتية والصناعة والأنشطة ذات المؤهلات القوية، والابتكار، وغيرها. ويعتبر تنويع مجالات التدخل جوهر صندوق محمد السادس للاستثمار.