في الوقت الذي يستدين فيه المغرب 67 مليار دولار بين ديون خارجية وقروض داخلية، وتعاني فيه ميزانية الدولة من تقشف حاد في النفقات العمومية، يستمر اقتصاد الريع في التغول على موارد البلاد، وتتواصل سياسة هدر الثروات المنجمية والسمكية الوفيرة التي تزخر بها المملكة.
الفوسفات، هو إحدى هذه الثروات الوطنية التي تطرح جدلاً دائمًا وسط الرأي العام المغربي، حيث يعتبر المغرب من بين المصدرين الثلاثة الأوائل عالميًا للفوسفات، لكن دون أن تنعكس العائدات المالية الضخمة لهذه المادة المنجمية على ساكنة القرى والمدن المغربية بشكل منصف، ما يثير السؤال لدى المغاربة بشكل ملح حول “أين الثروة؟”.
يتوفر المغرب على أكثر من ثلثي الفوسفاط الموجود في العالم بنسبة تقدر بين 75 و85 في المئة، ويحتل الرتبة الثانية بعد الصين دوليا في الإنتاج بحوالي 29.5 مليون طن سنويا، حسب معطيات المكتب الشريف للفوسفاط، وهو مؤسسة تابعة للدولة تتكفل باستغلال كافة مناجم الفوسفاط بالمغرب.
قنوات العائدات
حسب آخر الأرقام الواردة في التقرير المالي السنوي للمكتب الشريف للفوسفاط، فقد تضاعفت صادرات الفوسفاط ومشتقاته تقريبا إلى أكثر من 36.14 مليار درهم برسم الأشهر الأربعة الأولى من السنة الجارية مقابل 18,19 مليار درهم متم أبريل 2021.
هذا الأداء يعزى بالأساس إلى زيادة مبيعات الأسمدة الطبيعية والكيماوية بقيمة 13.74 مليار درهم. هذه المبيعات التي استفادت بدورها من تأثير السعر الذي تضاعف ليصل إلى 7.541 درهم / طن متم أبريل 2022.
ماذا عن الإنتاج؟
مع هذا المعدل المتزايد لنمو الصادرات، من المرجح أن يتجه إنتاج الفوسفاط، على الرغم من انخفاضه بنسبة 11 بالمائة في الفصل الأول من عام 2022، نحو الصعود من أجل الرفع من الأرباح وزيادة المكاسب في السوق العالمية.
ويتعلق الأمر بفرصة حقيقية يجب اغتنامها، خاصة مع العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا؛ أحد أكبر مصدري الأسمدة.
وللقيام بذلك، فإن المكتب الشريف للفوسفاط، انطلاقا من أدائه القوي مع زيادة رقم معاملاته بنسبة 77 في المائة بأكثر من 25.3 مليار درهم في الفصل الأول من عام 2022، يعتزم زيادة حجم إنتاجه بنحو 10 بالمائة في سنة 2022.
والهدف هو تلبية الطلب في الأسواق عالية النمو حيث تواصل المجموعة تعزيز مكانتها كرائدة على مستوى العالم.
بالنسبة لخبراء اقتصاديون، فإن هناك جانبين اثنين لمساهمة المكتب الشريف للفوسفاط بإيراداته، “الأول يخص التهيئة المجالية والمشاريع التنموية المحلية، خاصة في المناطق التي توجد بها مناجم مثل خريبكة واليوسفية وبنجرير، ومعطياتها متوفرة لدى السلطات المحلية والمنتخبين والرأي العام، أما المستوى الثاني فيتعلق بالإيرادات التي توزع للمالك الذي هو الدولة المغربية”.
و يعتبر نفس المصدر، أن هاتين القناتين للعائدات واضحتين لدى الجميع وقابلتين للمحاسبة، خاصة عندما يتعلق الأمر بالبنية التحتية في المناطق التي يوجد بها المكتب عن طريق المناجم والمصانع، وبشكل غير مباشر في ميزانية الدولة عندما يوزع المكتب الأرباح على مالكيه”.
من جهة أخرى، يؤكد نفس المصدر، أن إيرادات المكتب الشريف للفوسفاط تذهب لخزينة الدولة، “جزء منها على شكل ضرائب، وجزء آخر يعود للدولة لأن هذه الأخيرة هي المالكة للشركة”، يقول نهامي.
ويستطرد المتحدث ” في الوقت نفسه هناك إيرادات تُصرف في المواد الأولية الوسيطة المستعملة وأخرى لدفع أجور المستخدمين”.
من يراقب؟
هل المكتب الشريف للفوسفاط يجب أن يراقب عن طريق المحاسبين المحلفين مثل جميع الشركات الأخرى؟ وبما أنه شركة تمتلكها الدولة، فهل المراقبة أولى أن تكون عن طريق البرلمان بغرفتيه أو عبر المجلس الأعلى للحسابات؟ هل هناك مردودية مضبوطة لإنتاج وتصدير الفوسفاط المغربي؟
يجيب المتحدث على هذه الأسئلة”، قائلا إن “مجهودا إضافيا يجب أن يُبذل في هذا الصدد”.
“لا توجد هناك رؤية واضحة لوزارة المالية حول تدبير محفظة الشركات التي تمتلكها الدولة، على اعتبار أن هذه الوزارة هي المسؤولة عن التتبع عن طريق المديرية المكلفة بشركات الدولة والمؤسسات العمومية”.
ويضيف: “اعتمادات هذه الشركات في غالب الأحيان لا تكون مرفوقة بمصدر تمويل، مما يؤدي إلى تفاقم الديون على مثل هذه الشركات، وبشكل غير مباشر على الدولة المغربية، وعندما تعجز المؤسسة عن أدائها للأبناك المحلية أو الأجنبية، يضطر المواطن المغربي إلى تأدية هذا الدين”.
مسألة المراقبة إذن مهمة، حسب المتحدثة نفسها، ومن الضروري، وفقها، أن تعطي وزارة المالية تقريرا مفصلا عن مردودية الاستثمارات في مجال الفوسفاط للبرلمان بغرفتيه، لأن “هذا سيشعر الرأي العام المغربي بأن هناك نوعا من الشفافية في التعاطي مع مثل هذه المؤسسات”.
منافسة متحدمة
رغم أن المغرب هو ثالث دولة مصدرة للفوسفاط في العالم، إلا أنه يبقى عرضة للمنافسة مع البلدان المنتجة والمصدرة للفوسفاط.
وفي هذا السياق، يؤكد نفي المصدر المختص في مجال الاقتصاد، أن المنافسة موجودة من طرف بعض الدول كتونس مثلا، “إلا أن المغرب ينهج سياسة تحويل الفوسفاط الخام لرفع قيمته في الصادرات، أي أنه لم يعد يعتمد فقط على تصدير الفوسفاط الخام، وهو ما جعله في مصاف الدول الأولى في العالم في تصدير الفوسفاط”، يزيد موضحا.
و يسترسل قائلا، إذ يرى أن “المغرب غير مهدد بالمنافسة في هذا القطاع، رغم أن هناك لاعبين آخرين في سوق الفوسفاط على الصعيد الدولي، فعالميا هناك منتجون آخرون للفوسفاط مثل بعض البلدان الأفريقية، إلا أن المغرب يبقى اللاعب الذي يحتل المركز الأول، يتعلق الأمر بالفوسفاط المحول إلى أسمدة أو حامض فوسفوري”.
ولمواجهة هذه المنافسة على الدولة، أن “تنهج سياسة استباقية”، حسبه، “أي أن تعلم ماذا يريد المنافسون فعله في القطاعات التي يريد المغرب التقدم فيها”، يزيد موضحا.
من جهته يرى نفس المصدر أن “هناك منافسة كبيرة، خاصة من طرف الدول التي تمتلك مناجم كبرى للفوسفاط في آسيا، والاختلاف الوحيد بينها وبين المغرب هي أن هذه البلدان لا تعتمد على الصادرات، بل تستهلك إنتاجيتها محليا”.