أمام ما يعتري الموارد الطبيعية بالمغرب من استنزاف وسوء تدبير، يحضر سؤال الثروة بقوة في مجالس وأحاديث المغاربة. فهي ليست شحيحة، والأرقام الرسمية تقول بأن قيمتها تصل إلى أزيد من 12.833 مليار درهم، أي أزيد من تريليون دولار.. فماذا لو وزعت هذه الثروات بالتساوي؟
“فوسفاط و جوج بْحورا.. وعَايْشِينْ عِيشَة مقهورة” (فوسفات وبحران.. ونعيش بقهر)! يتكرر هذا الشعار في كل مناسبة احتجاجية كتعبير على أن نسبة كبيرة من المغاربة لا تحظى بالحد الأدنى من العيش الكريم في بلد لديه ما يكفي من الموارد الطبيعية. فهذه تكاد لا تنضب في بره و بحره، في باطنه و سطحه، و في مياهه وجباله الممتدة. ثروات متنوعة وزاخرة يفترض أن تمكِّن البلاد من امتلاك سيادتها الاقتصادية، بدون تبعية. لكن سوء استغلالها وإدارتها يهددان بنضوبها في مقبل السنوات.
مياه المغرب تنبع من جباله
تنبع مياه الأنهار بالمغرب من جباله الممتدة من الريف إلى سلسلة جبال الأطلس. وهو لا يشترك مع جيرانه في موارده المائية كما في البلدان المتشاطئة على النيل أو الفرات. إلا أن متوسط الحصة السنوية للمواطن المغربي من الموارد المائية المتجددة والقابلة للتجدد متجه نحو التراجع المستمر(1). فقد كانت حصة الفرد تتجاوز في عقد الستينات الفائت ثلاثة آلاف متر مكعب، وبات من المتوقع أن تنخفض حصته إلى أقل من 500 متر مكعب في أفق العام المقبل، وهي حصة تعتبر حَدّ بداية الخصاص المطلق في الماء (أي نقص كمية المياه عن الحد الأدنى لتلبية احتياجات الإنسان بحسب المعايير الدولية)، ما ترى فيه منظمة الغذاء العالمية (الفاو) “عاملاً مزعزعاً للاستقرار”، وقد حذر تقريرها المغرب ودول شمال إفريقيا والشرق الأوسط من أنّ “عدم الاستقرار المقترن بضعف إدارة المياه يمكن أن يتحول إلى حلقة مفرغة تزيد من تفاقم التوترات الاجتماعية بين السكان”، وأوصى بـ “الانتقال من السياسات التي تُركز على زيادة الإمدادات إلى الإدارة طويلة الأجل للموارد المائية، عوض السياسات غير الفعالة التي تجعل السكان عرضة لآثار ندرة المياه التي تفاقمت بسبب تزايد الطلب وتغيّر المناخ”.
لم يكن توزيع المياه في العقود الفائتة شاملاً لكل الأفراد، إذ كانت الفئات غير المستفيدة من الربط بالماء الصالح للشرب تضطر للتزود به عبر ما يسمى محلياً بـ”السقايات”، وهي صنابير عمومية توضع في الأحياء والأزقة الهامشية والفقيرة. وهذه لم تعد توجد أو تكاد، بعد أن زادت نسبة الربط الفردي بالمياه (2) وصار جل المغاربة يستفيدون من حقهم في ثروة المياه للاستهلاك الفردي والمنزلي على الأقل. لكن جودة المياه أمر آخر، وهو جلي في عدة أماكن علاوة على النقص الحاد في صبيب المياه وانقطاعها بين الفينة والأخرى. أما توزيع الموارد المائية فليس متساوياً في معظم مناطق البلد (3).
ولمواجهة قلق الماء واستنزافه، تؤكد السلطات أنها بصدد تنفيذ مشاريع “المخطط الوطني للماء” الذي يهدف إلى تشييد ثلاثة سدود سنوياً، وتحلية مياه البحر بسعة يتوقع أن تصل إلى 510 مليون متر مكعب، وإعادة استخدام مياه الصرف الصحي، علاوة على تحويل المياه من أحواض مناطق تواجد الأنهار الرئيسية في الشمال الغربي إلى أحواض الوسط الغربي، بما يناهز 800 مليون متر مكعب.
المياه المعدنية ثروة تغتني منها الشركات
تنص المادة الأولى من قانون الماء أن “المياه ملك عمومي، ولا يمكن أن تكون موضوع تملك خاص”. غير أنه لا يُمانِع في التخلي عن إدارة منابع هذه المياه للشركات الخاصة، التي تحقق أرباحاً تتجاوز ملياري درهم (حوالي200 مليون دولار) في السنة، بإنتاج سنوي يصل إلى 430 مليون لتراً من الماء.
وليست إيرادات الشركات نابعة من ضخامة حجم الاستهلاك الفردي للمياه المعبأة، وإنما من ثمن بيع اللتر الواحد، وهو مثلاَ حال عبوات مياه “سيدي علي” التي تباع بستة دراهم لقنينة سعتها ليتر ونصف، وهذا أعلى من سعر عبوات سائر المياه المعدنية العالمية الموجودة في السوق المحلية.
لم يستسغ المغاربة الثمن المفروض من قبل شركة المياه المعدنية “أولماس” على منتجها “سيدي علي”، فلجأوا إلى مقاطعة منتوجها، في خطوة غير مسبوقة طالت أيضاً ثلات شركات كبرى.
الشركة المعنية المملوكة لعائلة “بنصالح” التابعة لهولدينغ “أولماركوم” لم تعترف في البداية بفعل المقاطعة الممارس ضدها، وظلت لشهور طويلة تتغاضى عن الأمر، إلى أن أفرجت عن أرقام تؤشر إلى خسارة بلغت حوالي 17 مليون دولار (173.8 مليون درهم) (4). قبل المقاطعة، لم يكن قطاع المياه المعدنية المعبأة يعرف منافسة خارجية، بسبب الرسوم الجمركية العالية التي يفرضها المغرب على المياه المستوردة، بنسبة تصل إلى 25 في المئة من سعرها، وأيضاً لصعوبة الوصول إلى السوق المحلية في ظل غياب شبكة توزيع ناجعة. لكن المغاربة بدأوا يقبلون على القناني الإسبانية وتلك المستوردة عموماً، ويستعرضون منتجاتها على صفحاتهم بمواقع التواصل الاجتماعي، كدعوة لفعل المقاطعة، وقد ارتفع حجم استيراد المياه المعدنية من الخارج بنسبة 45 في المئة .
وتأتي مياه الشركة المُقاطَعَة من قرية “تارميلات”، ويتهمها السكان ونشطاء حقوقيون باستغلال الموارد المائية الجوفية بشكل غير قانوني. وتفيد تقارير صحافية بأن المؤسسة متورطة باستنزاف فرشات مياه آبار بالكامل (5)، وهو ما اضطرها إلى حفر 11 بئراً إضافياً تنقل مياهها إلى المنبع الأصلي، بينما يعاني سكان القرية من انقطاعات متكررة في المياه الصالحة للشرب، خلال مواسم الصيف خصوصاً، حيث لا تصلهم المياه لأكثر من ساعتين يومياً، ما أجج من غضبهم فشاركوا في احتجاجات ضد أعمال الشركة مطالبين إياها بـ”إمدادهم بالماء الصالح للشرب، وتوفير المياه المعدنية، ووضع حد لاستنزاف الثروة المائية للمنطقة”.
الفوسفات: هبة المغرب المسكوت عن مصير أرباحها
الفوسفات هبة المغرب (6)، ثروة باطنية لا حياد عنها لزيادة الإنتاج الزراعي في العالم كله، فلا تربة خصبة بدون سماد، ولا سماد بدون الفوسفور المستخرج من الفوسفات الخام،. تُدَار موارد الفوسفات من طرف “المجمع الشريف للفوسفاط OCP” التابع للدولة، وهو يعتبر مؤسسة سيادية، وبمثابة “بقرة حلوب” للنظام القائم (على حد تعبير صحيفة لوموند)، الذي يستثمر عائداتها لاحتواء الأزمات السياسية التي عرفها البلد منذ سبعينات القرن الفائت، كما كانت عاملاً مهماً في تهدئة نيران الغضب في الشوارع المغربية إبّان الاحتجاجات خلال الثمانينات الفائتة.
مسارب توظيف أرباح الفوسفات مجهولة، ولا توجد تفاصيل دقيقة حول حجم الأموال المختلسة، باستثناء ما صرحت به الجمعية المغربية لحماية المال خلال عام 2011، إذ أفادت بأن المؤسسة تعرضت لاختلاس وصل لـ10 مليار درهم (حوالي مليار دولار) ببينما قدرت أرباحها بنحو 540 مليون دولار ( 5.4 مليار درهم)! ما دفع مجلة “نورتيرن مينر” إلى اعتبار أنّ تلك الأرقام “مشكوك فيها وغير دقيقة”، وهي تؤكد بأن المؤسسة “غارقة في المال”، ولكن “السرية” تحيط بمواردها، بل هي لا تدرج معاملاتها المالية في البورصة، ما يحول دون الاطلاع بشفافية على الأرقام الحقيقية الخاصة بتجارة الفوسفات في البلد. . كما لم تكن المؤسسة تمتلك أرشيفاً محاسباتياً، ولم تكن صفقاتها التجارية تخضع للتدقيق المحاسبي، علاوة على أن أرقام الإنتاج قد تم تضخيمها بطرق غير قانونية.
مسارب توظيف أرباح الفوسفات مجهولة، كما لا توجد تفاصيل دقيقة حول حجم الأموال المختلسة، باستثناء ما صرحت به “الجمعية المغربية لحماية المال” خلال عام 2011، إذ أفادت بأن مؤسسة “المجمع الشريف للفوسفاط” تعرضت لاختلاس وصل لـ 10 مليار درهم (حوالي مليار دولار)..
وخلال شهر أيار /مايو الماضي، لم يتجرأ المجلس الأعلى للحسابات على عرض كل التفاصيل، واكتفى بسرد المشاكل والعراقيل التقنية والفنية وإعطاء الحلول والتوصيات التي تهم تحسين القطاع. وبرر التقرير تستره على تلك المعطيات بكونها “تضر بمصالح” المؤسسة الفوسفاتية.
في بلد السمك: المواطن لا يأكل سوى القليل منه
بحران بالطول و بالعرض (7)، وغلة سمكية تتجاوز المليار طن سنوياً، وهو الأول عربياً في الإنتاج، والأول إفريقياً في التصدير. وعلى الرغم من ذلك، فمعدل ما يستهلكه المغربي من الأسماك يتراوح ما بين 12 إلى 14 كيلوغراماً في السنة، جلها يتركز في منتوج السردين، وهي كمية قليلة قياساً بالمعدل العالمي الموصى به من طرف منظمة “الفاو” (في حدود 17 كيلوغراماً)، وأيضاً مقارنة بمعدل استهلاك بلدان مستورِدة من المغرب، كإسبانيا (تمتلك واجهة بحرية واحدة) التي يصل معدل الاستهلاك الفردي فيها – في أسوأ الحالات – إلى 23 كيلوغراماً.
بين المغرب والاتحاد الأوروبي شراكة ممتدة بدأت منذ اتفاق الشراكة في ميادين شتى خلال التسعينات الفائتة، ومنها اتفاق الصيد البحري بينهما. المدافعون عن الاتفاقية يرون بأنها مجزية، تغدق على خزينة الدولة الملايين من العملات الصعبة، وتمنح البلد فرصاً للاستفادة من خبرات الشريك الأوروبي، إضافة إلى أنها تعزز “التعاون السياسي والدبلوماسي” والدفاع عن القضايا التي تهم الطرفين في المحافل الدولية (خصوصاً قضية “الصحراء”). لكن المعترضين يرون بأن الاتفاقية ظلت لسنوات “غير منصفة” للمغرب بالنظر إلى المقابل المالي “الهزيل” المقدم من طرف دول الاتحاد الأوروبي لاستغلال الثروات البحرية للمغرب، وهي تعتبر بمثابة “خضوع” لاشتراطات الأوروبيين وبيع لثروة حيوية بأبخس الأثمنة.
كثرة السماسرة أو ما يسمى محلياً “الشناقة”، مشكل يضاف إلى لائحة العراقيل التي تحرم المستهلك المحلي من الاستفادة من سعر مناسب ومن سمك جيد النوعية. فهؤلاء يتدخلون في تفاصيل مراحل بيع وشراء الأسماك، بدءاً من المرافئ ووصولاً إلى مرحلة البيع بالمفرق لدى الباعة المتجولين والأسواق والدكاكين المتخصصة. والشاهد على ذلك ما وقع خلال العام الماضي، إذ عرفت الأسعار هُوَّةً كبيرة بين سعري الجملة (3,5 درهماً للكيلوغرام ) والمفرق (25 إلى 40 درهماً).
ليس الوسطاء وحدهم من يتحمل مسؤولية ارتفاع أسعار الأسماك، فلكبار المستثمرين في القطاع نصيب من ذلك، إذ يُكوِّنون تحالفاً متيناً فيما بينهم بغية التحكم في ثمن منتجات الأسماك في الأسواق المحلية. أفسحت السلطة المجال للبيع في السوق الحرة، بلا اهتمام بحاجات المستهلك المغربي المحدود الدخل. ولذا يجد منطق الربح طريقه بشكل عملي وسلس في التصدير أكثر من التسويق على المستوى المحلي. وهناك أيضاً عوامل أخرى تتسبب في غلاء سعر الأسماك من قبيل تكلفة الصيد من ألفه إلى يائه، فالمهنيون يشيرون إلى أنها مرتفعة سواء تعلق الأمر بمصاريف الوقود أو بالوسائل اللوجستية واليد العاملة، علاوة على استقطاع نسبة 16 في المئة من حصة البيع لصندوق التأمين على المخاطر، والضمان الاجتماعي والضرائب المحلية.
الصيد البحري بين التقليدي وفي أعالي البحار
حال معظم الصيادين الصغار (أو “البَحّارة”)لا يَسُر، فما زال عنوان مهنتهم المجازفة والمخاطرة مع الأمواج، وهم يكسبون قوت يومهم من قوارب الصيد الصغيرة (الفلائك، جمع فلوكة)، ومدخولهم مرتبط بما يجود به البحر من أسماك سهلة الصيد، بينما لا تشملهم تغطية التأمين على المخاطر، وهم – على العموم – لا يستفيدون من التعويضات عن فترات “الراحة البيولوجية” (منع الصيد لاستكثار الأسماك).
تؤكد السلطة من ناحيتها بأنها لم تتخلَ عن هذه الفئة، إذ تدعمها عبر برنامج “إبحار” الذي تبنته منذ عام 2008، لكنه يواجه عراقيلاً كثيرة في تطبيقه، منها ما هو إداري وبيروقراطي، أو يرتبط بمنح القروض. وتبقى القرى النموذجية للصيد التقليدي هي الوضعية المستقرة لهذه الفئة، وهي تتواجد في بعض القرى الساحلية، وتوفر للصيادين الصغار ظروفاً أنسب للصيد وبنية تحتية لاستقبال وتسويق المنتوجات البحرية، من سوق منظم لبيع المنتوج بالقرب من نقاط التفريغ، ووحدات لإنتاج الثلج وتخزين الأسماك. كما تحمي وضعيتهم القانونية، إذ تمنحهم امتيازات اجتماعية كالانخراط في الضمان الاجتماعي والاستفادة من خدماته. لكن كل “البَحّارة” لا ينعمون بهذه الامتيازات، إذ ما زال الكثير منهم يعيش على وقع الترحال من بحر إلى آخر، ومن بطالة مقنعة إلى تغيير مؤقت للحرفة بأخرى كالأعمال الحرفية المرتبطة بمهن البحر، أو أخرى ترميقية لا علاقة لها بهذا المجال.
تقول أرقام وزارة الفلاحة والصيد البحري بأن أرباح قطاع الصيد الساحلي والتقليدي بلغت أزيد من 6.7 مليار درهم (حوالي 670 مليون دولار) بحجم إنتاجي وصل لأزيد من مليون و300 ألف طن، وهو رقم كبير مقارنة بأرقام الصيد في أعالي البحار. لكن لو تمعنا في التفاصيل سنرى بأن غلة وأرباح هذا القطاع المزدوج (تقليدي – ساحلي) تُجمع وتُوضع في سلة واحدة. قد يكون الأمر متعمداً بغرض الإيهام بأن أرباح الصيد التقليدي ومعه الساحلي أكبر بكثير من أرباح الصيد في أعالي البحار، على الرغم من كفاءة هذا الأخير وقدراته العالية. والخلط بين الصيد التقليدي وذاك الساحلي مربك، فالأول له خصوصياته وعراقيله، وهو لا يمكنه تجاوز مسافات وأعماق بحرية ضئيلة وحمولة إنتاجية لا تتجاوز الطنين، بينما يمكن أن تصل حمولة الصيد الساحلي إلى 150 طناً، وسفنه ليست “فلائك” الصيد التقليدي البسيطة.
وتتضح أرباح وخصوصية الصيد في أعالي البحارمن نوعية غلته السمكية، إذ يستهدف بشكل مفرط أنواعاً نادرة باعتبارها مرتفعة الأثمان ومطلوبة في الأسواق الدولية، مثل الرخويات والقشريات (8)، وأرباح هذه النوعية من الثمار البحرية أكبر بكثير، إذ وصلت الإيرادات من الرخويات خلال عام 2016 إلى نحو 3.5 مليار درهم (حوالي 350 مليون دولار). بينما بلغت إيرادات الصيد التقليدي والساحلي نحو 2.2 مليار درهم (حوالي 220 مليون دولار). كما أن القطاع يستنزف الثروة السمكية، ويخرق الكوتا (الحصة) المخصصة لبعض الأنواع السمكية مثل الإخطبوط (من الرخويات) الذي بات من الكائنات البحرية المهددة بالانقراض بسبب الصيد الجائر له بمخالفة للقوانين والمذكرات التي تحدد الحصة المسموحة في كل موسم وفترة الصيد.
اعلان اسماء الفاسدين في غاية الحساسية ولا يجرؤ أحد عليه. وحين نشرت إحدى الصحف المغربية اسماؤهم تبين أنهم ينتمون إلى عالم السياسة وإلى المجال العسكري والأمني، وأنهم شخصيات لها ثقلها بفعل قربها من رأس السلطة. واستفادتها من هذا الريع ليست مجانية بل هي مقابل الولاء والخدمات المقدمة في إطار مصالح متشابكة ومتشعبة وممتدة لعقود طويلة.
ويتورط هذا القطاع البحري أيضاً في خروقات بيئية كاستخدام أساليب تقليدية وغير مستدامة للصيد، و إفراغ كميات غير صالحة من الأسماك في البحر، وعدم احترام الراحة البيولوجية للكائنات البحرية. أما أمواله فتذهب سدىً، إذ”لا يستفيد منها المغرب نهائياً”،كما شدد على ذلك محمد المسكاوي، رئيس الشبكة المغربية لحماية المال العام، الذي أكد في تصريح لأحد المواقع المغربية بأن “المستفيدين من الرخص يلجؤون إلى حيل، منها تأسيس شركات تتعاقد مع شركات أجنبية لديها الوسائل والتكنولوجيا اللازمة للصيد، مقابل تعويضات خيالية تذهب إلى بنوك أجنبية كذلك”.
خلال تظاهرات العام 2011، تعالت أصوات المغاربة داعية إلى محاربة الفساد في هذا القطاع، ومحاسبة المتورطين فيه والكشف عن لوائح المستفيدين من أرباحه معتبرين أنه يندرج في “اقتصاد الريع”. لم تَفِ حكومة عبد الإله بنكيران بوعدها بكشف المستور، وقد رد رئيسها على المطالبين بتطبيق هذا المبدأ بـ”عفا الله عما سلف”. كما يتهرب من أي محاسبة المسؤولون عن قطاع الفلاحة والصيد البحري. ويبدو الموضوع في غاية الحساسية فلا يجرؤ أحد على فضح المتورطين، بينما انتهى الأمر إلى الكشف عن أسمائهم في إحدى الصحف المغربية (9)، وتبين أنهم ينتمون – على العموم – إلى عالم السياسة وإلى المجال العسكري والأمني، وأنهم شخصيات لها ثقلها بفعل قربها من رأس السلطة، واستفادتها من هذا الريع ليس مجانياً بل هو مقابل الولاء والخدمات المقدمة في إطار مصالح متشابكة ومتشعبة وممتدة لعقود طويلة.
بالمجمل، وأمام ما يعتري الموارد الطبيعية بالمغرب من استنزاف وسوء تدبير، يظل سؤال الثروة حاضراً بقوة في مجالس وأحاديث المغاربة. فهي ليست شحيحة، والأرقام الرسمية تؤكد ذلك، وتقول بأن قيمتها وصلت إلى 12.833 مليار درهم أي أزيد من تريليون دولار (10)، فماذا لو وزعت هذه الثروات بالتساوي؟ أكيد أنه ساعتها لن تصدح حناجر المغاربة في الشوارع والساحات بشعار”عايشين عيشة مقهورة”.. بينما “الفوسفاط وجوج بحورا” وما يدور في فلكهما من موارد طبيعية هي اليوم أمام محك الندرة والنضوب من أمام الأجيال القادمة.