أدان المغرب قيام إيران بتزويد جماعة بوليساريو بطائرات مسيرة لما يشكله هذا العمل “من خطر على الأمن والسلم في المنطقة”، بحسب وصف وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة. ولكن، ما بقي خارج السجال بين وزارتي خارجية المغرب وإيران هو أن الجزائر هي التي قامت بتمويل الصفقة.
بوريطة اكتفى بالتلميح عندما قال الاثنين الماضي في مؤتمر صحافي على هامش لقاء مشترك مع نظيره اليمني أحمد عوض بن مبارك إن “الدول التي تُمكِّنها طهران من هذا النوع من الأسلحة عليها أن تتحمل مسؤوليتها لما تشكله من خطورة على سلامة وأمن عدد من الدول”، معتبرا أن “حصول هؤلاء الفاعلين غير الحكوميين على أسلحة وعلى تقنيات متطورة خطير جدا”.
وما من شيء جديد في حقيقة أن الجزائر هي مصدر دعم وتمويل أولئك “الفاعلين غير الحكوميين”. فالجزائر هي التي تمول كل صفقات الأسلحة لجبهة بوليساريو، وهي التي تتوسط فيها، وهي التي تقوم بإيصالها إلى مواقع الجبهة العسكرية، كما تتكفل بتدريب عناصر الجبهة على استخدامها، ما يؤكد حقيقة أن بوليساريو ليست سوى كتيبة من كتائب الجيش الجزائري.
وليس خافيا على أحد أن بوليساريو ليس لديها موارد. وإنها تعتمد كليا على الدعم العسكري والمادي، بما في ذلك التموين والملابس والأحذية، التي تأتيها من الجيش الجزائري.
على أساس هذه الحقائق المعلنة والمعروفة، لا تحتاج الجزائر إلى أن تتخفى وراء إيران لتزويد هذه الجماعة الانفصالية بأي صفقة أسلحة. وكل ما تحتاجه هو أن تتعاقد عليها وتدفع ثمنها وتقوم بتسليمها إلى بوليساريو، كما تفعل مع أي كتيبة من كتائب جيشها الوطني.
لجوء الجزائر إلى تزويد جماعة بوليساريو بطائرات مسيرة إيرانية، هو محاولة لرفع معنويات عناصر الجماعة بعد أن تعرضت خطوطهم الأمامية لعدة ضربات من جانب المغرب
التخفي وراء طرف آخر، يُظهر الجزائر كما لو أنها تحاول أن تتخفى خلف إصبع من أصابعها، بينما يمكنها أن تخرج إلى العلن لتقول إنها هي التي تزود هذه الجماعة بالسلاح والمال لدوافع “تحررية” و”نضالية” في “مواجهة بقايا الاستعمار والإمبريالية”، وغير ذلك من الشعارات المتداولة.
دعم جماعة مسلحة من جانب بلد جار ضد بلد جار آخر، هو نوع من أنواع الحرب المباشرة، والجزائر ليست في حاجة إلى أن تبدو شريكا في حرب “غير مباشرة” في ما يبدو وكأنه “صراع إقليمي”.
وفي النهاية فإن المغرب ما يزال بوسعه أن يقضي على تلك الكتيبة ويردها على أعقابها إلى معسكراتها الخاصة بالجيش الجزائري، ليضع الجزائر أمام ساعة الحقيقة، وهي أن تخوض الحرب بنفسها ضد المغرب، بدلا من أن تخوضها عن طريق وكلاء. وبالتالي أن تشتري الأسلحة لنفسها، بدلا من أن تشتريها للآخرين ليقاتلوا نيابة عنها.
لجوء الجزائر إلى تزويد جماعة بوليساريو بطائرات مسيرة إيرانية، هو محاولة لرفع معنويات عناصر الجماعة بعد أن تعرضت خطوطهم الأمامية لعدة ضربات من جانب المغرب بطائرات مسيرة، ما أجبر مسلحي الجماعة على التنقل بأعداد أقل وعلى نحو متفرق على متن مركبات “تويوتا” تزودهم بها الجزائر.
وكان أحد القادة العسكريين للجبهة يدعى محمد فاضل قد شكا في حديث لصحيفة “بوبليكو” الإسبانية، بأن الحرب الحالية مع المغرب تختلف عن السابق، وأن استخدام المغرب لطائرات الدرون أصبح أسوأ الكوابيس بالنسبة إلى عناصر الجبهة.
ويبدو أن هذه الشكوى هي التي شجعت الجزائر على أن تهب لنجدة الجماعة بترتيب صفقة طائرات درون من إيران.
وكان المغرب قطع علاقاته مع إيران في العام 2018 عندما تأكد من أن مدربين تابعين لحزب الله في لبنان تولوا تدريب عناصر بوليساريو. وهو عمل آخر ما كانت الجزائر في حاجة إليه، تحاشيا للتورط مع جماعة مصنفة كمنظمة إرهابية. فالتدريبات التي يقدمها الجيش الجزائري يمكن أن تكون كافية. إلا إذا كان الغرض هو أن تزيد الدوافع الأيديولوجية لدى بوليساريو فتضيف إليها “تشيعا” مذهبيا.
رد الخارجية الإيرانية على بوريطة لم يأت على ذكر جبهة بوليساريو، لأن الصفقة تمت مع الجزائر. وطهران ربما لم تكن على علم بأن طائراتها سوف تذهب إلى بوليساريو، وذلك على الرغم من أنها لم تكن لتمانع ذلك من الأساس، بالنظر إلى الروابط التي نشأت بين بوليساريو وحزب الله.
وكانت صحيفة “لاراثون” الإسبانية نقلت عن مسؤولين أميركيين قولهم إن الولايات المتحدة قدّرت أن المغرب يوجد في منطقة يهددها التوغل الشيعي الإيراني، وبالتالي وجب تزويده بمنظومات دفاعية تمكنه من صد الصواريخ والمسيرات إيرانية الصنع.
دعم جماعة مسلحة من جانب بلد جار ضد بلد جار آخر، هو نوع من أنواع الحرب المباشرة، والجزائر ليست في حاجة إلى أن تبدو شريكا في حرب “غير مباشرة” في ما يبدو وكأنه “صراع إقليمي”
وذكرت الصحيفة أنه سيكون بإمكان القوات المسلحة الملكية المغربية، وفقا لهذا القرار، الحصول على أنظمة رادار جد متطورة قادرة على رصد أصغر الأجسام الطائرة، بالإضافة إلى منظومة صواريخ أرض جو سيتم نصبها شرق وجنوب المملكة، لتحييد أي استهداف صاروخي للتراب الوطني.
المعلومات عن حصول بوليساريو على طائرات درون انتحارية من إيران صدرت عن أحد القيادات البارزة في التنظيم خلال زيارة إلى موريتانيا مؤخرا.
ولدى بوليساريو نحو 20 ألف مقاتل موزعين على سبع مناطق عسكرية، ثلاث في الشمال وثلاث في الجنوب، وواحدة في تندوف تسمى “المنطقة العسكرية السادسة” وتضم القيادة العامة للجبهة ومركزا للخدمات اللوجستية ومجموعة ثكنات، ويتولى ضباط جزائريون تنسيق عمل المناطق العسكرية وتلبية احتياجاتها من الأسلحة، بالإضافة إلى التخطيط المشترك للعمليات ضد القوات المسلحة المغربية.
وتشكل ثكنات تندوف مركز التمويل الرئيسي بالأسلحة من بينها “ثكنة الحنفي”، التي تعتبر أكبر مخزن للأسلحة التي يقوم الجيش الجزائري بتزويد بوليساريو بها.
وبينما يحدد الضباط الجزائريون كيفية استخدامها وأهدافها، فإنهم يحددون مواعيد تحركاتها أيضا.
وكانت هذه الثكنة قبل تجديدها قد تعرضت لحريق واسع في التسعينات فقدت بوليساريو فيه نحو 90 في المئة من مخزوناتها التي شملت دبابات “تي 54″، وعربات “بي.إم.بي” للنقل بمدافع 73 ملم، ومدافع سوفياتية الصنع “بي 11″ من عيار 107 ملم، و”بي 10” من عيار 80 ملم، وبنادق “دوشوكا” 12 ملم، و45 ملم و23 ملم، ومدافع “هوستر” 122 ملم للمدى البعيد، و”بازوكا” المضادة للدبابات، والعديد من الموديلات من الكاتيوشا والكلاشنيكوف. وكل هذه الأسلحة هي من مخزونات الجيش الجزائري.
الجزائر يجب أن تتحلى بالشجاعة لكي تخرج إلى العلن فتقول إنها هي مصدر تسليح وتمويل بوليساريو، وإنها هي التي تتعاقد على صفقات الأسلحة لصالح الجبهة، وإن أسبابها “التحررية” و”النضالية” هي التي تدفعها إلى خوض حرب مباشرة مع الجار المغربي لإنقاذ “الشعب الصحراوي الشقيق” من الإمبريالية المغربية. فهذا أفضل من التخفي وراء إيران ومنظماتها الإرهابية، على الأقل لكي لا يؤدي المزيد من التدخل الإيراني إلى أن يزرع بذرة تطرف طائفي زائد عن الحاجة بالنسبة إلى المغرب العربي.