أظهرت الجزائر نواياها في تعميق تعاونها في مجال الطاقة مع دول الاتحاد الأوروبي، بشكل يتجاوز مصدر التموين الموثوق، إلى البحث عن شراكات أوروبية للاستثمار في الاستكشاف والاستغلال مما يسمح للطرفين بتطوير القطاع وترقيته، بشكل يعود بالفائدة على الجانبين، وفي المقابل لا زالت تتمسك بأداء دور المكمل وليس كبديل الغاز الروسي، حيث تبدي استعدادها للتعاون في هذا المجال مع موسكو.
وشارك وفد هام من قطاع الطاقة الجزائري في المنتدى الدولي الخامس “أسبوع الطاقة الروسي” المنعقد بموسكو، يترأسه الوزير محمد عرقاب ومدير شركة سوناطرك توفيق حكار، إلى جانب خبراء ومسؤولين كبار، الأمر الذي يكرس نوايا الجزائر في توسيع تعاونها في مجال الطاقة مع روسيا، في خضم الظروف المأزومة التي يعيشها العالم في هذا المجال، وظهور صراع قوي بين الغرب وروسيا على خلفية الأزمة الأوكرانية.
وجاء المنتدى المذكور في أعقاب منتدى آخر عقد في الجزائر بينها وبين الاتحاد الأوروبي، أين بحث الطرفان إمكانيات توسيع التعاون وتطويره، ومساهمة الجزائر في تحرير دول الاتحاد من التبعية في قطاع الطاقة للروس بضخ المزيد من الشحنات في المدى القريب، وهو ما يضعها في موقف حرج بين تلبية طلبات شركائها الغربيين، وبين عدم الإضرار بمصالح شريكها التاريخي روسيا.
ويبدو أن الجزائر تناور بإمكانياتها في النفط والغاز من أجل الاستفادة من تطورات الأزمة العالمية، رغم المخاطر المحيطة بالعملية، فبقدر ما يمكن تحويلها إلى فرصة لتحقيق طفرة جديدة لتغذية مداخيلها من العملة الصعبة، بقدر ما يمكن أن تلعب مخارج الأزمة الأوكرانية دورا سلبيا على حساباتها ورهن مقدراتها.
وأفاد بيان لشركة سوناطراك الجزائرية بأن “المنتدى الذي نظم هذه السنة تحت شعار ‘الطاقة العالمية في عالم متعدد الأقطاب’ يأتي في ظرف اقتصادي عالمي متميز لمناقشة التحديات الراهنة لقطاع الطاقة وصناعة الغاز، والبحث عن الحلول الجديدة في الطاقات المتجددة، كما أن هذا الموعد فرصة للبحث عن فرص التعاون في مجالات الطاقة”.
وكان وزير الطاقة محمد عرقاب قد دعا دول الاتحاد الأوروبي، في المنتدى الثاني من نوعه المنعقد في بلاده، إلى ضرورة تجاوز البحث عن الشريك الممون الموثوق، وبذل استثمارات في مجال الاستكشاف والاستغلال، من أجل النهوض بالقطاع وترقيته وتحقيق الفائدة للجانبين.
وتريد الجزائر من تزامن منتديات الطاقة في المعسكرين، إلى استغلال موقعها في سوق الطاقة، لفرض مقاربة اقتصادية لا تخضع للتجاذبات السياسية والدبلوماسية، فهي إذ تبدي استعدادها لتموين دول الاتحاد الأوروبي بالمزيد من التدفقات، لا تريد الخضوع لضغوطها وتعمل على الحفاظ على علاقاتها التاريخية مع الروس في المقابل، وتبحث حتى عن فرص التعاون معه في هذا المجال.
وكانت مفوضة الطاقة بالاتحاد الأوروبي كادري سيمسون قد صرحت بأن “تعويض إمدادات الغاز الروسي التي كانت تقدر بـ 155 مليار متر مكعب سنويا إلى أوروبا، تمثل فرصة تاريخية للجزائر، وأن تبعية دول الاتحاد للغاز الروسي كانت تتجاوز 41 في المئة وتراجعت الآن إلى 7.5 في المئة فقط، وهذه تعتبر فرصة تاريخية للجزائر الشريك الموثوق لأوروبا في مجال الغاز”.
الجزائر تناور بإمكانياتها في النفط والغاز من أجل الاستفادة من تطورات الأزمة العالمية رغم المخاطر المحيطة بالعملية
وأما وزير الطاقة الجزائري محمد عرقاب فقد ذكر في المنتدى بأن “بلاده تريد شراكة مع أوروبا تتجاوز كونها موردا تاريخيا للغاز الطبيعي، وتريد توسيع شراكة الطاقة مع أوروبا لتمتد إلى الربط الكهربائي والطاقات المتجددة وتطوير الهيدروجين ونقل التكنولوجيا والمعرفة”.
وأبدت سيمسون نوايا الاتحاد الأوروبي في فك الارتباط مع روسيا في مجال الطاقة، كرد فعل منه على الوضع القائم في أوكرانيا منذ اجتياحها من طرف الروس مطلع العام الجاري، وعبّرت عن ذلك بالقول “أوروبا تريد شراكة إستراتيجية طويلة الأمد مع الجزائر، كمورد موثوق به للغاز إلى أوروبا منذ توقف الإمدادات الروسية بعد غزو أوكرانيا”.
وأضافت “الجزائر مورد مهم وموثوق به للغاز نحو أوروبا. ونظرا لأن العلاقة مع روسيا، أكبر مورد للغاز للاتحاد الأوروبي حتى الآن، قد انقطعت بشكل لا رجعة فيه، فإننا نتجه إلى موردي الاتحاد الأوروبي الموثوق بهم لسد الفجوة”.
ولفتت سيمسون في الندوة الصحافية التي عقدتها بمعية وزير الطاقة الجزائري محمد عرقاب إلى أن “للجزائر شراكة إستراتيجية طويلة الأمد، لكن الشراكة الإستراتيجية مع الجزائر لا ينبغي أن تقتصر على الغاز الطبيعي فقط، هناك الكثير الذي يمكننا التعاون فيه معا”.