قدم العاهل المغربي الملك محمد السادس بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثانية من الولاية الحادية عشرة رؤيته الإستراتيجية لمواجهة تحديات المرحلة الجديدة المرتبطة بإشكالية الماء التي يواجهها المغرب مع ضرورة النهوض بالاستثمار كقاعدة ارتكاز للتنمية.
وقال الملك محمد السادس، الجمعة، إنه “لا ينبغي أن تكون مشكلة الماء موضوع مزايدات سياسية أو مطية لتأجيج الأوضاع الاجتماعية، مشددا على أن التجهيزات المبرمجة لا تكفي، إذ لا بد من القطع مع كل أشكال التبذير والاستغلال العشوائي”.
وأضاف أن المطلوب هو إحداث “تغيير حقيقي لسلوكنا تجاه الماء وعلى الإدارات أن تكون قدوة في هذا المجال”، لافتا إلى أنه على المدى المتوسط يجب “تعزيز سياستنا في مجال الماء وتدارك التأخر، مع التركيز على اختيارات متكاملة والتحلي بروح التضامن في إطار المخطط الجديد للماء”.
هشام معتضد: تركيز الخطاب الملكي على الماء يترجم مواكبة للتحديات في المغرب
وشدد العاهل المغربي في خطابه على طبيعة المرحلة الجديدة التي يمر بها المغرب في خصوص المياه، قائلا إن “ندرة الماء والجفاف ظاهرة كونية تزداد حدة بفعل الظروف المناخية”، مشيرا إلى أن الحالة الراهنة “تقتضي التحلي بالمسؤولة لمعالجة الإجهاد المائي، وأنه لا يمكن حل جميع المشاكل بتشييد التجهيزات المائية رغم أهميتها”.
وأكد هشام معتضد الأكاديمي والمحلل السياسي المغربي أن تركيز الخطاب الملكي على حسن استخدام الماء والنهوض بقطاع الاستثمار يترجم المواكبة الملكية للتحديات التي يواجهها المغرب خصوصا في ظل التراجع الحاد الذي تعرفه المملكة فيما يخص خزانات السدود والرغبة الكبيرة في تأهيل آليات الاستثمار لمواكبة انتظارات المستثمرين وتطوير قطاع الاستثمار التجاري والصناعي في البلاد.
ويذكر أن هذه المرة الأولى التي يلقي فيها العاهل المغربي خطاب افتتاح الدورة البرلمانية التشريعية من داخل قبة البرلمان، منذ سنتين، حيث كان يلقي الخطاب عن بعد، بسبب الإجراءات الاحترازية لمواجهة كورونا، وقد شدد الملك محمد السادس بالمناسبة على أن “افتتاح البرلمان ليس مجرد مناسبة دستورية لتجديد اللقاء بممثلي الأمة ولكنه موعد سنوي لطرح القضايا المهمة للأمة”.
وأكد العاهل المغربي على مجموعة من الركائز من بينها ضرورة إطلاق برامج ومبادرات أكثر طموحا واستثمار الابتكارات والتكنولوجيات الحديثة في مجال اقتصاد الماء وإعادة استخدام المياه العادمة، كما دعا إلى إعطاء عناية خاصة لاستغلال المياه الجوفية من خلال التصدي لظاهرة الضخ غير القانوني والآبار العشوائية.
وشدد الملك محمد السادس على أن سياسة الماء ليست مجرد سياسة قطاعية، وإنما هي شأن مشترك يهم العديد من القطاعات، وهو ما يقتضي التحيين المستمر للإستراتيجية القطاعية على ضوء الضغط على الموارد المائية وتطورها المستقبلي، مؤكدا على ضرورة الأخذ بعين الاعتبار التكلفة الحقيقية للموارد المائية في كل مرحلة من مراحل تعبئتها، وما يقتضيه ذلك من شفافية وتوعية بكل جوانب هذه التكلفة.
نبيل الأندلوسي: قوة الدولة تتجسد من خلال سياسة قطاعية فعالة تعكس الرؤية التنموية
واعتبر معتضد أن الخطاب الملكي يعدّ المرجعية الأساسية لجميع المتدخلين في تسيير القطاع المائي والاستثماري من أجل النهوض بهذين القطاعين إلى مستوى انتظارات الشعب المغربي لمواجهة التحديات الجادة التي تواجه المغرب على مستوى ترشيد استعمال الماء ورفع مستوى التنافسية الإقليمية والقارية فيما يخص قطاع الاستثمار ومناخ الأعمال.
وتعليقا على هذه النقطة من الخطاب الملكي، أكد نبيل الأندلوسي رئيس المركز المغاربي للأبحاث والدراسات الإستراتيجية أن قوة الدولة تتجسد من خلال قوة مؤسساتها، والتي تعني إستراتيجيات قطاعية فعّالة تعكس الرؤية التنموية للدولة وتقديم الخدمات في الآجال القانونية دون تجاوزات.
وربط الخطاب الملكي التعامل الجدي مع مشكلة الماء بضرورته لكل المشاريع والأدوار التي تضطلع بها الاستثمارات في تحقيق التنمية، حيث دعا إلى رفع العراقيل التي لا زالت تحول دون تحقيق الاقتصاد الوطني لإقلاع حقيقي على جميع المستويات.
وقال الملك محمد السادس إن المملكة “تراهن على الاستثمار المنتج كرافعة وطنية لإنعاش الاقتصاد الوطني”، مضيفا “ننتظر أن يعطي الميثاق الوطني الجديد للاستثمار دفعة ملموسة لجاذبية المغرب للاستثمارات الخاصة والأجنبية”، ومشيرا إلى أن “المراكز الجهوية للاستثمار مطالبة بالإشراف الشامل على عملية الاستثمار في كل المراحل والرفع من فعاليته وجودة خدماتها في مواكبة وتأطير حاملي المشاريع حتى إخراجها إلى حيز الوجود”.
ويرى معتضد أن دعوة الملك محمد السادس إلى رفع عراقيل الاستثمارات الوطنية والأجنبية مرادها رهان المغرب على الاستثمار كرافعة أساسية لإنعاش الاقتصاد خصوصا رغبة المملكة في الانخراط الكامل في القطاعات الواعدة لتمكين النسيج السوسيواقتصادي من مقومات صلبة للإقلاع التنموي المواكب للتطورات الإقليمية والدولية.