يسعى الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون لدخول القمة العربية المقررة في نوفمبر القادم بحزمة من المبادرات “الجاهزة” لعرضها على القمة بشكل يجعلها تخرج بقرارات واضحة، خاصة في الملفين الفلسطيني والليبي، واستثمار ذلك لاحقا في الحديث عن قمة غير مسبوقة وقدرة الجزائر على تحقيق اختراقات في ملفات صعبة.
ولأجل هذا الهدف استدعى تبون رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي بهدف “بلورة خارطة طريق لحل الأزمة الليبية”، وبالتزامن مع ذلك احتضنت الجزائر حوارا فلسطينيًّا – فلسطينيّا للخروج بتوافق حول إجراء الانتخابات وتشكيل “حكومة وحدة وطنية”.
وقال مراقبون جزائريون إن تبون ينظر إلى الملفين الليبي والفلسطيني من زاوية حاجة الجزائر إلى ورقة تدخل بها إلى القمة لتقول للزعماء العرب إنها حققت ما عجزوا عن تحقيقه في قمم سابقة، ولأجل ذلك استقبل شخصية ليبية غير مؤثرة في الواقع، مشيرين إلى أن رئيس المجلس الرئاسي يلعب دورا ثانويا قياسا برئيس البرلمان ورئيسيْ الحكومتين المتنافرتين، والتشاور معه لن يكون له أي تأثير على الأرض.
ولفتوا إلى أن الجزائر ليست طرفا محايدا في الأزمة الليبية، ما يجعل أي أفكار تقدمها تصنف آليا في صالح الفريق الذي تدعمه، وهو فريق رئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها عبدالحميد الدبيبة، وأن الجزائر لا تتحرك ضمن مقاربة خاصة بها، وإنما ضمن مقاربة تركيا التي عادت لتثير الجدل مجددا في ليبيا بعد اتفاقيات جديدة للتنقيب عن النفط والغاز في شرق المتوسط مع حكومة الدبيبة شبيهة باتفاقيات 2019 مع حكومة فايز السراج.
ولا شك أن مبادرة الجزائر لدعم حل سياسي في ليبيا لن تجد تفاعلا إيجابيا من القوى الرافضة للتأثير التركي والساعية لمواجهته، كما ستتم مواجهتها من قبل مصالح دول مثل مصر تدعم قوى الشرق الليبي وتعارض بشكل جلي الاتفاقية الجديدة التي تمنح تركيا مزايا كبيرة من حكومة منتهية الصلاحية ولا تحوز ثقة الفرقاء، وهي نقطة خلافية ستؤثر على مسعى الجزائر لـ”لمّ الشمل العربي” .
◙ إذا كان من الصعب أن تفضي مبادرة فضفاضة عن الانتخابات إلى حل في ليبيا، فإن المبادرة في الموضوع الفلسطيني أكثر استحالة
وذكر الرئيس الجزائري، في المؤتمر الصُّحفي الذي عقده بحضور رئيس المجلس الرئاسي الليبي، أن الجزائر ” تدعم كل جهود الاستقرار السياسي والمؤسساتي في ليبيا، وأنها ترى أن الانتخابات هي السبيل الوحيد للتعبير عن إرادة الشعب الليبي في اختيار مسؤوليه ومؤسساته بعيدا عن أي ضغط أو تدخل”.
وإذا كان من الصعب أن تفضي مبادرة فضفاضة عن الانتخابات إلى حل في الملف الليبي، فإن المبادرة الجزائرية في الموضوع الفلسطيني أكثر استحالة لكونها تتطرق إلى مصالحة فشلت فيها دول أخرى لديها خبرة في الملف وأوراق ضغط على الأطراف المشاركة، فيما لا تمتلك الجزائر سوى شعارات قديمة عن الالتزام بالقضية الفلسطينية، وليس لها ما تضغط به لإجبار الفرقاء على تنفيذ اتفاق قد يتم التخلي عنه مباشرة بعد مغادرة الجزائر.
وقال المراقبون إن ما يهم الجزائر هو التوقيع على الوثيقة، وهي تعرف أن الفلسطينيين لن يتفقوا، وما يهمها هو دخول القمة بوثيقة تقول إنها تعبّر عن نجاحات الدبلوماسية الجزائرية.
والخميس وقعت الفصائل الفلسطينية الأربعة عشر الحاضرة على ما سمي بـ”إعلان الجزائر”، الذي تضمن “خارطة طريق سياسية تنهي حالة الانقسام الداخلي”.
◙ تبون رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي استدعى بهدف “بلورة خارطة طريق لحل الأزمة الليبية”
كما تضمن إعلان الجزائر عددا من التوافقات بين الفصائل الفلسطينية، كـ”انتخاب المجلس الوطني الفلسطيني في الداخل والخارج حيث ما أمكن، بنظام التمثيل النسبي الكامل وفق الصيغة المتفق عليها والقوانين المعتمدة بمشاركة جميع القوى الفلسطينية خلال مدة أقصاها عام واحد من تاريخ التوقيع على هذا الإعلان، والإسراع بإجراء انتخابات عامة رئاسية وتشريعية في قطاع غزة والضفة الغربية بما فيها مدينة القدس عاصمة الدولة الفلسطينية وفق القوانين المعتمدة في مدة أقصاها عام من تاريخ التوقيع”.
هذا إلى جانب بنود أخرى بشأن “الوحدة والحوار والإعمار ومنظمة التحرير، وتفعيل آلية للأمناء العامين للفصائل الفلسطينية، ومتابعة إنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة الوطنية والشراكة السياسية الوطنية، وذلك برعاية جزائرية لمتابعة تنفيذ بنود الإعلان”.
وبحسب مصادر من الحوار الفلسطيني، استغرقت مسألة حكومة الوحدة الوطنية الكثير من الوقت وتطلبت عدة نقاشات، وظهر خلاف بشأنها بين حركتي فتح وحماس، ولذلك تمت إعادة صياغتها بشكل يرضي الطرفين، بعدما كانت في مسودتها الأولى تتضمن تشكيل حكومة وحدة وطنية في إطار الشرعية الدولية، وهو ما اعترضت عليه حماس بدعوى الاعتراف بإسرائيل.
ويبدو أن الحضور الشخصي للرئيس الجزائري في جلسات الحوار يهدف إلى الرمي بثقله في محاولة إنهاء الخلاف بين فتح وحماس بشأن حكومة الوحدة الوطنية، وهو ما يكون قد تحقق بعدما توج المؤتمر بالتوقيع على إعلان الجزائر إثر تجاوز القضية الخلافية، بشكل أنقذه من الفشل وحفظ ماء وجه الجزائر، بحسب تعبير مدير المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الفلسطينية (مسارات) هاني المصري.
وكتب المصري في منشور له على حسابه الشخصي في فيسبوك أن المؤتمر شهد “تقدما كبيرا ومفاجئا حول بند الحكومة، وأن ما يجري من ثورة في الضفة ألقى بظلاله على المجتمعين، وفاجأ الرئيس الجزائري الحضور بالقدوم وبارك الاتفاق”.
وأضاف “بعد ذلك جاء اتصال من رام الله (في إشارة إلى السلطة الفلسطينية وحركة فتح) وتغير كل شيء، وحاول الحاضرون لعدة ساعات الاتفاق ولم يتمكنوا، واتفقوا على حذف البند المختلف عليه كله”.
وأعلن أمين عام حركة “المبادرة الفلسطينية ” مصطفى البرغوثي أن “الفصائل الفلسطينية اتفقت على وثيقة الوفاق الوطني الجزائرية، وأن الفصائل الفلسطينية أنهت حواراتها في الجزائر بنجاح، واتفقت على وثيقة الوفاق الوطني الجزائرية”.