الحكومة المغربية تتفاعل مع مطالب النقابات بطرح خطة لإصلاح أنظمة التقاعد
كشفت الحكومة المغربية عن خطتها وتصورها لإصلاح أنظمة التقاعد المهددة بالإفلاس، والتي تتمثل أساسا في الرفع من سن الحصول على المعاشات إلى 65 سنة، بالإضافة إلى زيادة في نسبة الاقتطاعات لم يتم بعد الحسم في مقدارها، وتخفيض نسبة المعاشات لأصحاب الرواتب العليا، وذلك في مواجهة مطالب العديد من النقابات لتسوية هذا الملف الحارق.
وترأست نادية فتاح، وزيرة الاقتصاد والمالية الأربعاء، الاجتماع الأول للجنة إصلاح أنظمة التقاعد التي تندرج في إطار تنفيذ مخرجات الاتفاق الاجتماعي والميثاق الوطني للحوار الاجتماعي، الموقعين في الثلاثين من أبريل الماضي ما بين الحكومة والمركزيات النقابية والمنظمات والجمعيات المهنية للمشغلين.
وأطلعت المسؤولة الحكومية النقابات على السيناريوهات المرتقبة للمضي في إصلاح أنظمة التقاعد، بعد الاتفاق على المنهجية مع الشركاء الاجتماعيين، موضحة أن لجنة إصلاح أنظمة التقاعد تعد آلية مثلى لاستئناف الحوار حول هذا المشروع الإستراتيجي وفرصة لمناقشة تطلعات الشركاء الاجتماعيين، لأجل استكمال مسلسل الإصلاح بهدف وضع منظومة تقاعد بقطبين، عمومي وخاص، قادرة على ضمان حقوق المنخرطين الحاليين والمستقبليين.
وفي المقابل أكدت المركزيات النقابية أنها تنتظر عرضا حكوميا واضحا حول الإصلاح الشامل لأنظمة التقاعد، يراعي ضرورة الحفاظ على المكتسبات والحرص على استدامة الصناديق، وذلك ضمن أول اجتماع تقعده اللجنة العليا للحوار الاجتماعي المكلفة بإصلاح التقاعد.
الكونفدرالية الديمقراطية للشغل تطالب بتحسين قيمة المعاشات وضمان استمرارية الأنظمة، لكن دون أن يمتد ذلك ليمس بحقوق المأجورين والموظفين
ويعد الاجتماع أول لقاء تعقده اللجنة المكلفة بإصلاح أنظمة التقاعد تحت رئاسة وزارة الاقتصاد والمالية، لأجل الاتفاق على المنهجية والجدولة الزمنية والمبادئ العامة للشروع في إصلاح أنظمة التقاعد، انطلاقا من مرحلة التشخيص مرورا بوضع تصور واضح لعملية الإصلاح.
وشارك في هذا الاجتماع ممثلو المركزيات النقابية الأكثر تمثيلية، الاتحاد المغربي للشغل والاتحاد العام للشغالين بالمغرب والكونفدرالية الديمقراطية للشغل، ومنظمات وجمعيات مهنية للمشغلين، الاتحاد العام لمقاولات المغرب والكونفدرالية المغربية للفلاحة والتنمية القروية، كما حضر هذا الاجتماع ممثلو القطاعات الوزارية المعنية وهيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي والصندوق المغربي للتقاعد والنظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.
وتستمد المقاربة التي يتبناها الاتحاد المغربي للشغل من مقاربة الحكومة، حيث تعتبر النقابة أن الملف ذو بعد اجتماعي وسياسي يهم المواطنين بصفة عامة، سواء الخاضعين منهم لأنظمة التقاعد أو حوالي 54 في المئة ممن لا يشملهم النظام، وإصلاح أنظمة التقاعد ليس ملفا تقنيا يمكن معالجته بإجراءات مالية.
وطالب الاتحاد المغربي للشغل من الحكومة أن تمنح النقابات الوقت الكافي في إطار الحوار الاجتماعي، من أجل الوصول إلى إصلاح شمولي، يتجاوز دور تسوية الوضعية القائمة، إلى مقاربة شمولية لحماية صناديق التقاعد ببعد اجتماعي، من أجل إنقاذها.
وأكد علي لطفي، الكاتب العام للمنظمة الديمقراطية للشغل، أن أنظمة التقاعد بالمغرب ستواجه مستقبلا تحديات مالية كبرى باعتبارها أنظمة مختلفة وغير متجانسة، وغير عادلة أيضا بحكم التفاوتات الكبيرة في معاشات التقاعد بين القطاعين العام والخاص، وغياب نظام تكميلي لدى الأغلبية الساحقة من موظفي الدولة والبلديات، كما ستشهد صناديق التقاعد المختلفة صعوبات على مستوى التوازنات المالية.
وطالب علي لطفي، في تصريح لـه، بإحداث إصلاح جذري لمنظومة التقاعد بالمغرب، من خلال توحيد صناديق التقاعد في نظام من قطبين عام وخاص، تمهيدا لتوحيدهما في صندوق واحد ونظام واحد وموحد على مستوى قيمة المعاش، وجعل الرفع من سن التقاعد اختياريا وليس إجباريا في 63 أو 65 سنة، والتقليص من مدة 8 سنوات التي يحتسب عليها التقاعد في الوظيفة العمومية إلى آخر راتب.
الاتحاد المغربي للشغل طالب من الحكومة أن تمنح النقابات الوقت الكافي في إطار الحوار الاجتماعي، من أجل الوصول إلى إصلاح شمولي
وأوضح مدير الصندوق المغربي للتقاعد لطفي بوجندار أن إشكالية إصلاح التقاعد تشكل موضوع نقاش على المستوى الدولي، خاصة وأن العديد من الدول بصدد مراجعة أنظمة التقاعد الخاصة بها قصد تكييفها مع التحولات الاجتماعية والاقتصادية والديموغرافية التي يشهدها العالم.
وكان المجلس الأعلى للحسابات حذر في تقريره السنوي المرفوع إلى العاهل المغربي الملك محمد السادس من إفلاس صناديق التقاعد بالمغرب، وأوصى بالشروع في أقرب الآجال في عملية الإصلاح البنيوي عن طريق تسريع وتيرة الإصلاحات المعيارية، وإجراء دراسة مستعجلة للإشكالية المتعلقة بخطر السيولة التي سيواجهها نظام المعاشات المدنية على المدى القصير، من خلال استهداف آلية تمويل مبتكرة تحد من التأثير المرتقب على ميزانية الدولة.
كما أكد التقرير السنوي التاسع حول الاستقرار المالي، الصادر عن بنك المغرب (البنك المركزي)، والهيئة المغربية لسوق الرساميل وهيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي، تفاقم العجز التقني لصناديق التقاعد، ما يهددها بالإفلاس في السنوات المقبلة.
وقالت نقابة الاتحاد العام للشغالين بالمغرب إنها تنتظر أن تقدم الحكومة تصورا واضحا لا يعتمد على الحلول السهلة، بل يستند إلى حلول ابتكارية لا تستهدف فقط الحل الذي يذهب رأسا إلى الزيادة في السن وفي نسبة الاقتطاع، مع الحفاظ على استدامة الصناديق، لاسيما في سياق رهانات دعم الدولة الاجتماعية وتعميم التغطية الصحية.
وتطالب الكونفدرالية الديمقراطية للشغل بتحسين قيمة المعاشات وضمان استمرارية الأنظمة، لكن دون أن يمتد ذلك ليمس بحقوق المأجورين والموظفين.