يعود زعماء العرب ليجتمعوا في قمة الجزائر بعد ثلاث سنوات من الغياب حصلت فيها متغيرات عديدة على الساحة العربية، بداية من تغير مواقف بعض الدول العربية من مسألة التطبيع ليصبح كيان الجامعة العربية يضم خمس دول طبعت مع إسرائيل، ومرورا بعودة علاقات قطر ودول الخليج إلى سابق عهدها العام الماضي، وانتهاء بمعركة سيف القدس ودخول علاقات الجزائر والمغرب مرحلة العداء المطلق وقطع العلاقات.. ويبقى الشيء الثابت الذي لم يتغير هو بقاء مقعد سوريا فارغاً إلى إشعار آخر، بعد أن فشلت الجزائر في وساطتها لعودة بشار الأسد، خاصة في ظل إصرار قطر على عدم طي صفحة الماضي قبل محاسبة الأسد.
وبعد أن تعثرت المساعي لتحقيق شعار لمّ الشمل العربي نتيجة فشل الوصول إلى إجماع عربي من أجل عودة سوريا إلى مقعدها، والذي سارعت بعده دمشق بالاعتذار عن الحضور حفظا لماء الوجه، لم يتبق للجزائر سوى ملف القضية الفلسطينية كمحور أساسي تتركز عليه أشغال القمة لعلها تنجح في استنساخ شعار جديد للقمة تحت مسمى لمّ الشمل الفلسطيني. لهذا دعت الجزائر الفصائل الفلسطينية إلى حضور لقاء مصالحة جديد الأسبوع القادم في العاصمة الجزائر، علّها تنجح في الدخول إلى القمة العربية بملف فلسطيني جاهز لإعلان نهاية حالة الانقسام عبر منبر الجامعة العربية، وكفيل بإعادة القضية الفلسطينية كقضية مركزية لدى العرب.
قمة الجزائر ستتأثر بالمتغيرات التي حصلت على الساحة العربية في السنوات الأخيرة، ولا يمكنها أن تضيف أي شيء ملموس على أرض الواقع
ولكن هل بإمكان الجزائر أن تنجح في إنهاء الانقسام الفلسطيني في ظل استمرار نفس الظروف التي أدت إليه؟ وهل بالإمكان الوصول إلى حلول توافقية مع تقديم تنازلات؟ وهل بإمكان الجزائر إقناع الجميع بضرورة إجراء الانتخابات العامة وقبول النتائج كما هي أيا كانت؟ وكيف السبيل أصلا للضغط على إسرائيل من أجل إجراء انتخابات في القدس
هنا ندرك أن المهمة صعبة وأن إقناع العرب باتخاذ موقف مغاير من حماس والفصائل الفلسطينية المرتبطة بإيران أمر أصعب. وهنا تبرز معضلة جديدة وهي أن الجزائر وإن نجحت في وساطتها بين الفلسطينيين، فإنها لن تستطيع إقناع بعض القيادات العربية بتقبل المشهد الفلسطيني بجميع أطيافه، خاصة وأن إيران تشكل طرفا في المعادلة.
ونحن نتابع ونقرأ ما يكتب في وسائل الإعلام العربية حول موضوع القمة، نجد أن وسائل الإعلام الرسمية والخاصة في الجزائر قد أعطت لقمة العرب حجما مبالغا فيه قبل شهر من انعقادها، ويظهر ذلك عندما يسوق الإعلام الجزائري للحدث على أنه موعد مصيري في تاريخ قمم العرب، ستتمكن من خلاله الجزائر من لمّ الشمل العربي، كما أنه فرصة لإعادة بعث العمل العربي المشترك، وفتح لآفاق اقتصادية تتماشى مع المناخ السياسي العالمي وإعادة تفعيل لاتفاقية التبادل الحر العربية..
مصطلحات وعناوين مقالات تعج بها المواقع الإلكترونية ومحتويات القنوات الإخبارية الجزائرية، غير أن العمل العربي المشترك والتكتل الاقتصادي الذي تتحدث عنه وسائل الإعلام الجزائرية قد بدأ يتشكل بالفعل ولكن لمواجهة ميثاق الجامعة العربية التي تصدر قراراتها بالإجماع: في سنة 2020 كانت هناك قمة ثلاثية بين مصر والعراق والأردن، وقد وضعت حجر الأساس لميلاد شراكة اقتصادية بين هذه البلدان، ثم جاءت قمة خماسية في أغسطس بمدينة العلمين المصرية لتضيف إلى أعضاء التكتل الجديد الإمارات والبحرين، والواضح من خلال المواضيع التي تناولتها القمة، والتي كان فيها الملف الفلسطيني حاضرا، وجود توجه لإنشاء حلف جديد يحل محل الجامعة العربية. ونستطيع القول إنه في حال انضمام السعودية بثقلها الكبير إلى هذا التحالف الجديد مستقبلا فإن هذا الانضمام سيكون بمثابة إعلان وفاة الجامعة العربية وبداية عهد التكتلات في العالم العربي، وستكون مسألة المشاركة في قمم العرب مجرد مسألة شكلية لا تستدعي إرسال وفد رفيع المستوى بل مجرد وزير يقرأ كلمة دولته ثم يعود في ختام القمة إلى بلاده بعد مشاركة هي أقرب إلى رفع العتب.
قمم العرب لم تعد تهم المواطن العربي لا من قريب ولا من بعيد. كيف لا والمواطن العربي يحتاج إلى تأشيرة لدخول دولة عربية
وبالحديث عن لمّ الشمل العربي في قمة العرب القادمة، فالمشهد العربي لا يبعث على التفاؤل، مع عدم وجود أي مؤشرات لتقارب عربي بين البلدان المتخاصمة. حتى الجزائر التي تبنت هذا الشعار تعاني في الأصل من شرخ كبير في علاقاتها مع المغرب، وهي مستعدة لكل الاحتمالات وترفض أي وساطة لحل الخلاف مع الرباط. كما أن علاقات المغرب مع تونس وموريتانيا ليست في أحسن حال. وعلاقات مصر مع حكومة ليبيا قد وصلت إلى مرحلة الجفاء خاصة بعد مغادرة سامح شكري لاجتماع وزراء خارجية العرب ثم توقيع اتفاقية التنقيب على الغاز بين طرابلس وأنقرة. وعلاقات سوريا ولبنان مع السعودية معلقة بسبب تدخل إيران.. نحن هنا نتحدث عن عالم عربي مليء بالخلافات في ما بين أبناء البيت الواحد ومن الصعب الحديث عن أن قمة واحدة بإمكانها لم شمل من اتفقوا على أن يختلفوا.
وعلى الصعيد الشعبي فإن قمم العرب لم تعد تهم المواطن العربي لا من قريب ولا من بعيد. كيف لا والمواطن العربي يحتاج إلى تأشيرة لدخول دولة عربية، بينما يسمح له بالدخول دون تأشيرة إلى نفس تلك الدولة، إذا كان حاملا لجواز سفر من دولة غربية.. ولا يستفيد بأي شكل من الأشكال من اتفاقيات التبادل الحر العربية لأن هذه البلدان في الأساس ليست مصنعة، ولا تمتلك سوقا قادرا على منافسة أسواق الصين.
الشيء الوحيد الذي يذكر المواطن العربي بالقمم هو خطابات الراحل معمر القذافي التي كانت تمزج بين خفة الدم وبساطة الأسلوب. وأكاد أجزم أن الغالبية العظمى من الشعوب العربية لا تهتم لقمم العرب بل ربما لا تعلم شيئا عن ميعاد القمة ولا على مكان انعقادها وجدول أعمالها ولا حتى إن كان حاكمهم أو رئيسهم سيشارك فيها.
وأمام هذا الواقع المرير يؤسفنا القول إن قمة الجزائر ستتأثر بالمتغيرات التي حصلت على الساحة العربية في السنوات الأخيرة، ولا يمكنها أن تضيف أي شيء ملموس على أرض الواقع، وربما سيكون فشل هذه القمة بمثابة رصاصة رحمة تطلق على هيكل الجامعة العربية، بعد أن أصبح هناك توجه واضح للدول المؤسسة لخلق منظومة عمل عربي جديدة تعتمد على التكتلات الإقليمية وتسقط ميثاق الجامعة الذي يشكل عائقا في وجه سياساتها.