نظرت العديد من المحاكم الجزائرية بشكل متزامن في العديد من قضايا ما يعرف بسجناء الحراك الشعبي، وتمت إدانة العشرات منهم بأحكام متفاوتة، الأمر الذي يكرس سياسة القبضة الأمنية، ويبدد فرص التهدئة التي طرحت بقوة مع طرح مشروع لمّ الشمل من طرف السلطة.
وأجلت محكمة بالعاصمة الجزائرية النطق بالحكم الابتدائي في حق الأكاديمي والناشط السياسي المعارض فضيل بومالة إلى الأسبوع القادم، في حين طالبت النيابة العامة بتسليط عقوبة ثلاث سنوات سجن نافذة، لتكون بذلك ثاني قضية يتابع فيها الرجل منذ انطلاق احتجاجات الحراك الشعبي في 2019.
وسبق لبومالة أن حكم عليه بالسجن النافذ على خلفية التهم التي وجهت إلى غالبية النشطاء السياسيين المحسوبين على الحراك الشعبي، حيث أنه يعتبر أحد الأكاديميين الجامعيين الذين انخرطوا في الاحتجاجات الشعبية المعارضة للسلطة بالجزائر.
وتصاعدت خلال الأيام الأخيرة وتيرة المحاكمات التي تطال العديد من النشطاء والمعارضين السياسيين، خاصة أولئك الموجودين في حالة توقيف مؤقت، والذين تقدرهم تنسيقية الدفاع عن معتقلي الرأي بأكثر من 300 معتقل.
وذكرت مصادر حقوقية أن الأحكام والتهم تتشابه في الغالب، إلا أن القضايا التي كيفت في خانة الجنايات التي تنتظر إصدار عقوبات ثقيلة، بعدما وجهت للمعنيين تهما تتعلق بالانخراط أو التحريض على أعمال إرهابية، وفق البند 87 مكرر الذي استحدثته السلطة من أجل مواجهة الأعمال المتصلة بالتخريب وتبييض الأموال والاتصال بالجهات الخارجية.
مصادر حقوقية جزائرية تؤكد أن الأحكام كيفت في خانة الجنايات التي تنتظر إصدار عقوبات ثقيلة ضد النشطاء
وتتواجد ضمن لائحة الموقوفين خمس مما يعرف بنساء الحراك الشعبي، حيث التمست النيابة العامة عقوبة ثلاث سنوات سجن في حق الناشطة مفيدة خرشي، في انتظار إحالة الأخريات على محاكمات قادمة.
وأوحى تفعيل وتيرة المحاكمات إلى أن السلطة الحاكمة في البلاد تريد التخلص من عبء السجن المؤقت الذي بات مصدر إزعاج ووجهت لها بسببه انتقادات شديدة من قبل العديد من المنظمات الحقوقية الدولية، خاصة وأن العشرات من الموقوفين سبق لهم أن نفذوا إضراب جوع، للتنديد بالتوقيف المؤقت في السجن والتكييف غير الطبيعي للتهم الموجهة لهم.
ويرى المحامي والحقوقي سعيد زاهي، في هذا الشأن، أنه “من غير المعقول أن سلطة تسوق لخطاب الاستقرار والأمن في البلاد والقضاء على الإرهاب، أن تستحدث بندا آخر لمعاجلة الإرهاب، كما أن إنكارها لعدم وجود سجناء رأي في البلاد، وأن المعنيين هم سجناء حق عام بسبب السب والشتم والتحريض، هو أمر يتنافى مع البند نفسه”.
ويذكر متابعون للشأن المحلي بأن “استحداث البند 87 مكرر لمحاربة الإرهاب جاء لاجتثاث الكيانات والأشخاص الذين تم تصنيفهم من طرف السلطة كإرهابيين، على غرار حركتي ‘ماك’ الانفصالية و’رشاد’، وفي الغالب توجه جنايات الإرهاب لعناصر الخلايا التي تم تفكيكها في هذا الإطار”.
ويبدو أن وتيرة المحاكمات المتزامنة ستقطع الطريق أمام الإمكانيات التي طرحها بعض المتابعين حول إجراءات تهدئة قد تباشرها السلطة تجاه سجناء الرأي ومعتقلي الحراك الشعبي، في إطار مشروع لم الشمل الذي أطلقته منذ عدة أشهر، قبل أن يحصره الرئيس تبون في فئة المسلحين الإسلاميين التائبين في إطار قانون المصالحة الوطنية الذين لم تسو وضعيتهم الإدارية والاجتماعية.
ويرى مراقبون أن الرئيس الجزائري قد أفرغ المشروع من الآمال التي حملتها بعض الأطراف، من أجل تهدئة الأوضاع الداخلية والتخفيف من حالة الاحتقان، خاصة في ظل حديث الدوائر الحقوقية عن انتهاكات وخروقات لحقوق الإنسان، حيث سجلت عدة حالات إنسانية منها الوفاة داخل السجون.
ووجهت ممثلة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة باتشيبا نيل كروكر، خلال جلسة المجلس الأممي لحقوق الإنسان الشهر الماضي، انتقادات شديدة إلى الحكومة الجزائرية حول ما وصفته بـ”تدهور وضعية الحقوق والحريات، وإفراط السلطة في تطبيق القوانين القمعية”.
ويواجه الناشط السياسي ورئيس حركة الشباب والتغيير (قيد التأسيس) وأحد الراغبين في الترشح للانتخابات الرئاسية السابقة رشيد نكاز عقوبة ثقيلة قدرت حسب الحكم الأخير بخمس سنوات سجن، لتكون بذلك العقوبة الثانية للرجل في غضون السنوات الأخيرة.