كيف يمكن أن يؤتر الغياب التام للديبلوماسية المغربية في تعبئة مغاربة العالم للدفاع عن القضية الوطنية ؟
بوشعيب البازي
يحمل صراع المغاربة مع حكام الجزائر حول الصحراء، عدة مسميات: الصحراء المغربية، استكمال الوحدة الترابية،استرجاع الأقاليم الجنوبية، الوحدة الترابية، لكن أدقها وأعمقها: القضية الوطنية، تسمية بالغة الدلالة تفيد أن جميع المغاربة بالداخل والخارج معنيون بالدفاع عن وحدة الوطن وسيادته.
على صعيد آخر حرص الملك محمد السادس، في العديد من خطبه، على استحضار الجالية المغربية المقيمة بالخارج والإشادة بدورها فيما تبذله من جهود بروح وطنية صادقة وعفوية دفاعا عن قضية وحدتنا الترابية. غير أن تعدد الدوائر الرسمية والمؤسسات والمجالس التي تدبر شؤون الجالية يؤدي إلى تضارب المصالح وصراع المناصب واختلاف الرؤى والسياسات، ممالا يساعد على التدبير الأمثل لهذه الطاقة البشرية بالمهجر.
ذاك هو الفارق بين المغرب والجزائر. فإذا كانت الصحراء عند حكام الجزائر مسألة حياة أو موت مرتبطة بدوام نظام حكمهم،فإنها ترقى عند المغاربة، ملكا وشعبا، إلى درجة التراب المقدس.
هذا و يصطدم المغرب بجزائر عليلة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وإنسانيا، رغم ما تجنيه من ثروة هائلة من العائدات النفطية. فحكامها يتجاهلون مشروع التنمية الملح في البلاد، ويركزون على الإنفاق العسكري والجهد المالي الموجه للمعارك الدبلوماسية وصفقات المناورات ضد المغرب.
حالة شاذة تدعو إلى التساؤل عن غاياتها، هل يبحثون عن مغامرة عسكرية؟ أم وجدوا ضالتهم في وضعية لا حرب وعرقلة؟ السلم، كمفتاح لبقاء نظام عسكري على قيد الحياة في قلب عاصفة من التناقضات.
كلها مؤشرات تفيد أن المغرب لازالت أمامه متاعب جمة تتطلب تعبئة سياسية شاملة في إطار دبلوماسية متعددة الأبعاد. وهي مسؤولية غير منوطة فقط بالدبلوماسية الملكية واختصاصات وزارة الشؤون الخارجية. فالباب أصبح مفتوحا، بعدما غير الملك محمد السادس من نهج الدفاع عن الصحراء المغربية، ومنح الفرصة لكافة المغاربة بالداخل والخارج للانخراط في عمليةالدفاع عن الوحدة الترابية، بدلا من الوضعية السابقة، التي كانت تعتبر قضية الصحراء ضمن المجال المحفوظ لدوائر القرارالعليا بالبلاد، حيث بات من حق كل مغربي أن يعبر عن مواقفه وتخوفاته بشأن تطورات القضية الوطنية.
لا يخفى على أحد ما حققه المغرب من انتصارات في السنوات الأخيرة، على الساحة الإفريقية والأمريكية والأوروبية، بدل فيها الملك محمد السادس جهدا كبيرا بما يمكن تسميته بثورة الدبلوماسية الملكية أربكت حسابات الجزائر وعززت موقف المغرب دوليا، لاسيما بعد رفع الأعلام الوطنية لعدة دول عربية وافريقية ومن أمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبي بسماء مدينتي العيون والداخلة، والتنويه بمبادرة الحكم الذاتي كحل فريد لهذا النزاع ، هذا العمل الذي ينسب للمؤسسة الملكية و ليس كمايفهمه البعض كنجاح لوزير الشؤون الخارجية السيد ناصر بوريطة الذي لا يعدو المطرقة التي تدق بها يد المؤسسة الملكية المسمار في نعش البوليساريو .
كما لا يمكن تجاهل أيضا الدور الفعال لرجل الثقة، الممثل الدائم للمغرب بالامم المتحدة السيد عمر هلال الذي ضيق الخناق على الديبلوماسية الجزائرية ، الذي تستاء منه الجزائر كثيرا، لكونه غير من نمطية تدبير وتسيير ملف الصحراء، وفتح أوراش عمل جديدة ساهمت في توسيع شبكة علاقات المغرب الخارجية، بمختلف المحافل الدولية،
ومع ذلك، هناك مؤاخذات على الدبلوماسية الرسمية تستوجب الوقوف عندها، وفي مقدمتها موضوع تعيينات السفراء والقناصلة البعيدين كل البعد عن العمل الديبلوماسي ،التي أصبحت تثير الكثير من الالتباس والاستفهام لدى الرأي العام الوطني، حول أسماء بعينها من حيث خلفياتهم ومواقعهم ومدى أهليتهم لتقلد هذا المنصب الدبلوماسي السامي، الذي لايحتمل المحسوبية والوساطات، وهو ما يدخلنا في تنازع بين المصلحة الشخصية وتلك المرتبطة بالمصالح الوطنية. وقد سجلت في هذا الجانب بعض المواقف والتجاوزات التي أساء أصحابها لسمعة ومصالح المغرب.
و خير دليل على ذلك الفضائح المتتالية كفضيحة سرقة موميسات للديبلوماسيين المغاربة بعد تخديرهم و كذلك فضيحة سرقة اموال من طرف موظفين القنصلية المغربية ببرشلونة .
ويجب أن لا تفوتنا ملاحظة في غاية الأهمية لها علاقة بالأداء الدبلوماسي وجب تداركها، تتمثل في الغياب الشبه التام للسيد ناصر بوريطة عن واجهة التواصل مع مغاربة العالم، وهي حالة تنطبق على باقي مكونات وزارة الخارجية وفي مقدمتها السفراء و القناصلة الا بعضهم لكي لا نعمم ، المختفين داخل مكاتبهم مقتصرين فقط على مهمتهم في العمل الاداري ليظل جلالة الملك وحده في معترك الدفاع عن قضية وحدتنا الترابية.
وجب التذكير هنا، بالدور الدبلوماسي المتميز الذي يلعبه سفير المملكة المغربية ببروكسيل السيد محمد عامر ، الذي نجح في العديد من الملفات بفضل شخصيته السياسية الوازنة ونشاطه الدبلوماسي الفعال والمكثف، وعلاقاته الواسعة بالسياسيين ببلجيكا.
و بمنطق تحصين الذات وتقوية جبهة الدفاع الوطنية، على الدبلوماسية المغربية و خصوصا السفراء و القناصلة أن تفعل جناحها الثاني وتدفع به بقوة إلى المعترك، ويتمثل في الدبلوماسية الموازية لما يمكن أن تلعبه من أدوار حيوية هامة. وهنا تبرزالمسؤولية الكبرى الملقاة على القناصلة لتعبئة مغاربة العالم . فالبلاد باتت بأمس الحاجة إلى الجالية المغربية من كفاءة سياسية وتجربة واطلاع واسع،لاسيما أن هذه الجالية المغربية أصبحت في الواجهة، فلها مسؤولية تمثيل المغرب في المنتديات القارية والإقليمية والدولية،وهي فضاءات للصراع والتنافس في دول الاقامة مع الخصوم لكسب المواقف الداعمة للمغرب.
وهذا الأمر يحيلنا، على ضرورة إعطاء بالغ الأهمية لتشكيلة الوفد الرسمي لبلادنا في مفاوضات الموائد المستديرة حول الصحراء المغربية التي تشرف عليها الأمم المتحدة. والتي ينبغي أن تضمن لمغاربة العالم مشاركة فعالة في هذه المفاوضات.
كما أن هناك قصور أيضا يعتري الدبلوماسية المغربية، يتجسد في افتقاد المغرب لتلك الثروة البشرية المتميزة، التي كانت تضمها في السنوات الاخيرة ، فغاب رجل الديبلوماسية وحل المحسوب على الديبلوماسية . لذلك يظل الرهان قائما على، ملجأ النفور السياسي المتمثل، في مؤسسات المجتمع المدني والإعلام ومراكز الدراسات والباحثين، الذي يضم خزانا من الطاقات والكفاءات الجديرة باقتحام مجالات ومنابر الدفاع عن الوحدة الوطنية.
لكن المنافس الجزائري يلاحق المغرب أينما حل، لذلك وجب الانتباه للتحركات الجزائرية منذ أكثر من عام بكل من بلجيكا وألمانيا و فرنسا وغيرها لاستدراج المعارضين و النشطاء بحراك الريف ومحاولة تعبأتهم ضد المصالح المغربية و ضد بلدهم.
هذه المعركة بدورها تتطلب جهدا مضاعفا ومزيدا من التأطير والحضور في معاقل المؤسسات المغربية، ليس بالأموال بالضرورة بل بأساليب أكثر حكمة ومصداقية في إطار سياسة متقدمة، تعيد تقييم ما أنجز وتحضر لخطة بديلة وبنفس جديد، وذلك بالإنصات والتشاور مع طاقات من مغاربة العالم المطلعين و العارفين بأوضاع القضية الوطنية .
و كان بإمكان خالق الازمات السيد ناصر بوريطة أن يشكل مع مغاربة العالم قوة اقتراحية ومنبر رأي واستشارة في القضية الوطنية وغيرها من الملفات، كما كان عليه الوضع مع وزارة الجالية في عهد بنعتيق حين تم التوقيع على اتفاقية شراكة بين مجلس الجالية المغربية بالخارج والوزارة المنتدبة المكلفة بالمغاربة المقيمين بالخارج وشؤون الهجرة بمدينة إفران يوم 22 دجنبر2017، من أجل تكوين شباب مغاربة العالم بخصوص الترافع حول القضية الوطنية انطلاقا من المجتمعات التي يقيمون بها،وذلك من خلال دورات تكوينية لأطر مختصة بتنسيق مع الوزارة، تتضمن معارف في التاريخ والعلوم الساسية والمجالات الجيوستراتيجية، لكن خالق الازمات ظل نقطة ضوء خافتة على خارطة الدبلوماسية الموازية، انحصر مجاله في فتح القنصليات و متابعة ملف الصحراءالمغربية و تنفيذ ما يملى عليه من المؤسسة الملكية و رسائل وبلاغات تصفيق وإشادة.
فلا تختلف مهمة الدبلوماسي عن العسكري المرابط على الحدود، فكلاهما منوطة به مهمة دفاعية عن الوطن، لكن الاختلاف يكمن فقط في الوسائل بين الناري والناعم. وهنا وجب التنويه بالدور الفعال والمشرف لأفراد القوات المسلحة الملكية و رجال المنصوري للدفاع عن وحدة الوطن، والحفاظ على أمنه واستقراره ، وهذا المجهود الحربي يتكامل مع الدور السياسي للدبلوماسية الرسمية والموازية،من أجل مناصرة قضية الصحراء التي هي جوهر الوحدة الوطنية للمملكة.
و بالتالي يجب العمل إقامة علاقة هيكلية دائمة مع الكفاءات المغربية بالخارج بما في ذلك المغاربة اليهود كما دعى جلالة الملك لإحداث آلية خاصة مهمتها مواكبة الكفاءات والمواهب المغربية بالخارج مع دعم مبادراتها ومشاريعها ،مستحضرين في الوقت ذاته الدلالات العميقة والمعاني النبيلة لثورة الملك والشعب باعتبارها محطة بارزة في سجل الوطنية المغربية ،ومناسبة تؤكد للأجيال الحالية والقادمة أنه في وحدة الأمة والعرش العلوي المجيد ،والالتفاف حول الثوابت الجامعة والمقدسات الراسخة والرفع من منسوب اليقظة والجاهزية لدى المواطنين والفاعلين السياسيين وكل القوى الحية لتعزيز الجبهة الداخلية وتكثيف الدبلوماسية الموازية لتقوية موقف البلاد وكدا التصدي للمتربصين بالوحدة الترابية للمملكة.