لا يزال عبد اللطيف ميراوي، وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، يتمادى في ممارسة ما أصبح يعرف لدى الجميع ب”شغف السلطة” و”الشطط” في استغلالها، مستمدا قوته، كما يدعي، من قربه من دوائر النفوذ التي تدافع عنه ومن كونه من مؤسسي حزب الأصالة والمعاصرة، من أجل إرهاب رؤساء الجامعات ومسؤولي الوزارة بهدف إخضاعهم لنفوذه وتمرير قراراته مجهولة الغايات.
ومن أوجه هذا الشطط غير المفهوم هو تطاوله على مسؤولي القطاع وبالتالي على كل المنتسبين إلى التعليم العالي بتلفظه بعبارات سب وشتم وقذف، لا تشرف لا مرتبةً حزبية ولا وزارية ولا انتماءً لجامعة وطنية ولا تعكس خصال من دافع عن “الرأسمال البشري” في خرجاته، فسار هذا “خماج” والآخر “ضعيف علميا خصو يسكت ويحشم” وكل من لا يسبح في فلكه “دون المستوى وعديم الكفاءة”.
ولعل مسلسل الإعفاءات التي باشرها ميراوي منذ قدومه في حق كل من تبثت كفاءته واستقلالية رأيه ورفضه “الخنوع للشخص” لدليل على مخطط الوزير “الإصلاحي” الذي كثيرا ما التف به لتبرير سلوك مزاجي وعدواني أصبح حديث كل الرأي العام الوطني وحتى بالخارج حيث رفضت “الكفاءات المغربية بالخارج” حضور لقاء افتراضي معه (تآزرا منهم لما يتعرض له الأستاذ الجامعي المغربي من احتقار من لدن الوزير) ليدافع عن مخطط “تسريع تحول منظومة التعليم العالي والبحث العلمي” الذي أوكل إلى صديقته، حياة أكفلي، الدخيلة على القطاع، تطويره والترويج له عبر “مناظرات” مكلفة ماديا تم تمرير صفقة تنظيمها إليها خارج الضوابط القانونية.
وما تثبيت صديق طفولته، عبد الفتاح ولد النعناع، مفتشا عاما بالنيابة منذ 8 أشهر (مع امتناعه عن فتح المنصب للتباري) لدليل قاطع آخر على النهج الذي أتى به ميراوي انتقاما من أناس أفنوا عمرهم خدمة للجامعة المغربية العمومية، فكان جزاؤهم التشهير وترويج الأكاذيب المختلقة، إرضاءً لنزوات شخصية مشكوك في صحتها النفسية، حتى أصبح “الصديق” يوزع التقييمات والأحكام على كل من لم يتبع خطى الوزير أو لتبرير قرار هذا الأخير (ولو كلف ذلك التظلم والتجني) أو حتى لتبرئة ذمته من مسؤولياته كما جاء في التقرير الذي نسب مسؤولية الحريق الذي شب بالحي الجامعي بوجدة إلى مصالح الوقاية المدنية وفي التقرير الذي أعد للتنكيل برئيس جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس الذي استنكر في وقت سابق الطريقة غير القانونية التي فرض بها ميراوي صديقه على رأس الجامعة المذكورة، فكان السيد الوزير حكما وطرفا في هذه النازلة، في خرق آخر لأخلاقيات العمل السياسي.
ومن جملة الشعارات التي رفعها ميراوي لاستمالة من لا يعرفه وحشد الدعم حوله هو “البحث عن الكفاءات”، فكانت نتيجة هذه السياسة التي لم تعدو أن تكون تمويها آخر منه، عنوانها “التبليص”، نتج عنها تعيين الأصدقاء والأقرباء، من بلدته الأصل ومن بلده الآخر فرنسا، وفي بعض الحالات حتى دون اجتياز مباراة الانتقاء.
وبناءً على نفس النهج “الاستئصالي”، فقد أقر ميراوي توقيف وتعليق كل ما تم تبنيه خلال السنوات الأخيرة، فأعدم القانون-الإطار 51.17، بالرغم من كونه مشروعا أخرج إلى الوجود تنفيذا لتوجيهات ملكية سامية، وأقبر الباشلور، بالرغم من تبنيه من قبل الحكومة التي ينتمي إليها في مشروعها للفترة 2021-2026 ومن قبل الجامعات وبالرغم من تسجيل الطلبة بهذا السلك الذي لا يتوافق مع توجهات الوزير الفرنكوفونية، ونحى عن الوجود الأنوية والمؤسسات الجامعية ال34 بالرغم من رصد ميزانية إنشاءها في قانون مالية السنة الجارية والتي بلغت 600 مليون درهم، ضربا لمفهوم العدالة المجالية والتنمية الجهوية ومقتضيات الجهوية الموسعة التي تعد من أبرز مشاريع العهد الحالي.
السمة البارزة لسنة ميراوي على رأس قطاع التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار هو اضرابات شاملة ومقاطعات واسعة وفشل في تدبير ملفات عدة كتلك المتعلقة بالطلبة المغاربة العائدين من أوكرانيا، بعدما وعدهم بالولوج المباشر إلى الجامعات العمومية قبل أن يتراجع عن كل تصريحاته ووعوده، أو ملف النظام الأساسي للأساتذة الذي أرجعه إلى نقطة ما قبل الصفر، بعدما سحب المسودة المتوافق عليها بين الوزير السابق والنقابة، في ظروف غامضة، فلم يكن بود رئيس الحكومة سوى أن يسحب الملف من تحت بساطه، خشية مقاطعة الدخول الجامعي ومزيد من الاحتقان الاجتماعي الذي لم تعرفه نظيره الجامعة المغربية يوما.