دخلت تركيا على خط الغاز في أفريقيا، وهي تستفيد من العناد الجزائري تجاه المغرب وتسعى لجعل خط الأنبوب النيجيري يمر عبر ليبيا بدل الجزائر أو المغرب، ما يمكّنها من أن تكون وسيطا ينقل الغاز من نيجيريا إلى أوروبا مثلما تسعى لأن تكون حلقة وسطى في غاز المتوسط وكذلك غاز آسيا الوسطى.
وقال مراقبون ليبيون إن تركيا، التي أرسلت إلى ليبيا وفدا وزاريا رفيع المستوى من أجل تحصيل المزيد من المكاسب والاتفاقيات ذات البعد الإستراتيجي، تعرف أن الليبيين ليسوا في وضع أمني أو سياسي أو اقتصادي يمكّنهم من الدخول لجلب خط الغاز النيجيري وجعْله يمر عبر بلادهم إلى أوروبا.
ولأجل ذلك تحوّل الوفد الوزاري التركي إلى طرابلس لتشجيع حكومة عبدالحميد الدبيبة على طلب جعل أنبوب الغاز النيجيري يمر عبر ليبيا، الأمر الذي يعني استلامه نيابةً عن تركيا وتسخيره لصالح شركاتها.
◙ العلاقات المتطورة مع الجزائر لا تعني أن تركيا ستترك لها أمر أنبوب الغاز إذا تمكنت من إنجاح فرصة عبوره عبر ليبيا
ووصل الاثنين إلى طرابلس وفد تركي يضم وزراء الخارجية مولود جاويش أوغلو، والطاقة والموارد الطبيعية فاتح دونماز، والدفاع خلوصي أكار، والتجارة محمد موش، وكذلك رئيس دائرة الاتصال في الرئاسة فخرالدين ألطون، ومتحدث الرئاسة إبراهيم قالن.
ويرى المراقبون أن سعي تركيا لتأمين مرور أنبوب الغاز النيجيري عبر ليبيا لن ترتاح له الجزائر وسيحبط خططها لجلب هذا الأنبوب وجعله يمر عبر أراضيها في سياق منافستها للمغرب، خاصة أن الخط سيكون الأقصر والأسهل نحو المتوسط، وهو ما قد يغري الأوروبيين بالتشجيع على إنشائه، ما يظهر خطورة الخطوة التركية على الحليف الأول لها في شمال أفريقيا، أي الجزائر التي فاتها الانتباه إلى ما تريده أنقرة في المنطقة.
ويعزو هؤلاء المراقبون موقف الجزائر الداعم لحكومة الدبيبة، ومن قبلها سيطرة الإسلاميين على غرب طرابلس، إلى مجاراتها للموقف التركي خاصة بعد زيارة الرئيس عبدالمجيد تبون وحصوله من تركيا على وعد بالاستثمار في الجزائر، مشيرين إلى أن سعي تركيا لإقامة خط الغاز النيجيري يظهر أن أنقرة لا تقرأ حسابا لأصدقائها وحلفائها وأنها تعمل على توظيف الجميع لتحقيق أجندتها.
وفي خطوة مفاجئة قررت حكومة الدبيبة الدخول في معترك المنافسة لنقل غاز نيجيريا إلى أوروبا عبر أراضيها، وهو ما يدعم فرضية وجود تركيا وراء المقترح، خاصة أن الحكومة المسيطرة على طرابلس تكافح لإثبات ذاتها أمنيا وسياسيا، وهو ما يجعل تفكيرها في القيام بمشاريع خارجية كبرى أمرا مستغربا ولا يتماشى مع وضعها.
ويمكن أن تستفيد تركيا من الدعم الأمني والعسكري الذي تقدمه إلى الدبيبة لتجبره على تمرير هذا المشروع وتعقد معه اتفاقية طويلة المدى تعطي الأفضلية لشركاتها في إدارته، تماما مثلما فعلت مع الحكومة التي كان يقودها فايز السراج حيث انتزعت منه في 2019 اتفاقية بشأن الحدود البحرية تتيح لها الدخول على خط غاز المتوسط.
ووقعت حكومة الدبيبة الاثنين سلسلة من الاتفاقيات الاقتصادية الأولية مع تركيا تشمل التنقيب المحتمل عن الطاقة في المناطق البحرية بالمتوسط.
ولم يتضح على الفور ما إذا كانت ستظهر أي اتفاقيات في الواقع تشمل التنقيب في “المنطقة الاقتصادية الخالصة” التي اتفقت عليها تركيا وحكومة السراج، مما أثار غضب دول شرق البحر المتوسط الأخرى.
ومن منظور تلك المنطقة الاقتصادية الخالصة فإن البلدين يتشاركان في حدود بحرية، لكن هذا رفضته اليونان وقبرص وانتقدته مصر وإسرائيل.
وردا على سؤال عن إمكانية أن تعترض الدول الأخرى على مذكرة التفاهم الجديدة، قال جاويش أوغلو “لا يهمنا ما تفكّر فيه (هذه الدول)”. وأضاف أن “الدول الأخرى ليس لها الحق في التدخل”.
وتظهر فكرة خط الغاز النيجيري العابر لليبيا حجم التخطيط التركي لدخول أفريقيا بقوة، وذلك عبر بدائل متعددة منها ما هو أمني وعسكري ومنها ما هو اقتصادي وإنساني.
ويقول وزير النفط في حكومة الدبيبة محمد عون إن المسافة بين آبار الغاز في نيجيريا والأسواق الأوروبية تقل بألف كيلومتر على الأقل، مقارنة بمشروعيْ أنبوبي الغاز الماريْن عبر الأراضي الجزائرية أو المغربية.
ويبلغ طول الخط المار عبر الجزائر 4 آلاف و181 كيلومترا، بينما يبلغ طول الخط المار عبر المغرب 5 آلاف و660 كيلومترا.
وقِصر المسافة بألف كيلومتر على الأقل يقلل كُلفة المشروع ومدة الإنجاز وسعر الغاز النهائي، ويجعل الخط الذي يمر عبر ليبيا أكثر جدوى.
وكان أول إعلان عن بداية التفكير في إنشاء مشروع لأنبوب نقل غاز نيجيريا عبر ليبيا في 16 يونيو الماضي. حينها كشف المتحدث باسم حكومة الدبيبة محمد حمودة، في مؤتمر صُحفي، أن الحكومة “منحت الإذن لوزارة النفط والغاز، لإجراء الدراسات الفنية والاقتصادية لجدوى إنشاء مشروع أنبوب غاز من نيجيريا عبر النيجر أو تشاد إلى أوروبا عبر ليبيا”.
وفي 25 سبتمبر أعلن وزير النفط، في مؤتمر صحفي بطرابلس، عن أن وزارته قدمت دراسة لحكومة الوحدة المنتهية ولايتها بشأن خط الغاز النيجيري المقترح إلى أوروبا.
وحُسمت الدراسة الأولية لصالح عبور الأنبوب من النيجر بدل تشاد، وأوضح الوزير الليبي في تصريح صحفي أنه ستُجرى دراسة معمقة في غضون ستة أشهر.
وبدأت بين مسؤولين في حكومة الدبيبة ونيجيريين مباحثات استكشافية حول جدوى هذا المشروع، على هامش اجتماع “منظمة منتجي البترول الأفارقة” في سبتمبر، والتي تضم 16 دولة، من إجمالي 55 عضوا في الاتحاد الأفريقي.
ومن الناحية النظرية يمكن ربط خط أنابيب “أجاوكوتا – كادونا كانو” في نيجيريا، بعد إنجازه، بخط “غرين ستريم” انطلاقا من حقل الوفاء (500 كيلومتر جنوب غرب طرابلس) على الحدود مع الجزائر.
لكن مشروع الخط العابر عبر ليبيا يواجه معضلة رئيسية، تتمثل في تمركز مجموعة فاغنر الروسية بالجنوب على الطريق التي يفترض أن يمر عبرها الأنبوب، ما يمنح موسكو ورقة لرفض إنجازه، خاصة أنه يدخل ضمن البدائل التي تبحث عنها أوروبا لتعويض إمدادات الغاز الروسي.
وليس من المستبعد أن تحاول روسيا بسط نفوذها على الأنبوب الليبي – النيجيري، سواء بالمشاركة في إنجازه أو من خلال عرقلته وتعطيله أو على الأقل وضعه تحت أعينها، واستخدامه كورقة ضغط ضد أوروبا.