يُعرف المغرب بزيت الأرغان الذي تؤكد البحوث الطبية كل مرة فوائده العلاجية والغذائية وحتى التجميلية، لكن هذا الزيت بات مهددا بسبب الجفاف وعمليات الاحتكار ما يجعل عملية إنتاجه مكلفة وقليلة، ومن شأنها تقليل كميات الزيت وزيادة أسعاره بطريقة جنونية.
وتفترش يامنة بساطا تقليديا وتواصل كسر حبات شجر الأرغان الصلبة بالحجر، بينما تلتقط منها حليمة الحبات وتسحقها في رحى الحجر التقليدية.
في قرية تافضنة الأمازيغية جنوبي الصويرة التي تبعد 447 كيلومترا إلى الجنوب من العاصمة المغربية الرباط، تفضل النساء هذه الطريقة التقليدية في إنتاج زيت الأرغان عوضا عن آلات العصر الحديثة “لأن لا شيء يضاهي نكهة وجودة الزيت المعصور بطريقة تقليدية”، كما تقول يامنة.
ويبدو ذلك واضحا حتى بالنسبة إلى الفرق بين سعر الزيت المعصور بالطرق الحديثة والأخرى التقليدية.
القطاع يعاني من الاحتكار والمضاربة، لاسيما بعد اهتمام شركات عالمية بهذا المنتج المغربي واكتشاف خصائصه
ووصل سعر زيت الأرغان الذي يشتهر به المغرب إلى 600 درهم للتر (نحو 55 دولارا)، وهو مستوى غير مسبوق لسعر هذا الزيت الذي يشتهر باسم “الذهب السائل”.
ويتراوح سعر اللتر المعصور عن طريق الآلات بين 450 و550 درهما.
وثمار شجرة الأرغان التي تنمو بكثرة في جنوب غرب المغرب بحجم ثمار الجوز تتكون من قشرة ليفية خارجية تحيط بنواة صلبة.
ويُستخرج زيت الأرغان الذي يحظى بشهرة عالمية كبيرة من ثمار هذه الشجرة، ولهذا الزيت استخدامات متعددة وبخاصة في الطب التقليدي والتكميلي وفي صناعات الأغذية ومستحضرات التجميل.
ويقول خبراء إن الجفاف الذي توالى على المغرب في السنوات الأخيرة، خاصة العامين الماضيين، أثر بشكل كبير على إنتاج زيت الأرغان، إذ ترتبط وفرة إنتاجه بالسنوات المطيرة.
كما يعاني القطاع من الاحتكار والمضاربة، لاسيما بعد اهتمام شركات عالمية بهذا المنتج المغربي، واكتشاف خصائصه الغذائية والعلاجية والتجميلية.
وشجرة الأرغان شجرة معمّرة يمكن أن تعيش 200 عام ويصل ارتفاعها إلى عشرة أمتار أحيانا وتتحمل درجات حرارة تصل إلى 50 درجة مئوية، ويقول خبراء إنه لا يوجد لها نظير في العالم سوى شجرة شبيهة في مناطق بالمكسيك لكنها لا تنتج ثمارا.
وأدرجتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) عام 2014 في قائمة التراث الإنساني، كما خصصت في 2021 العاشر من مايو من كل عام يوما عالميا للاحتفال بها.
وتقول يامنة إن “أزمة كورونا أثرت على تسويق الأرغان وجعلت النساء يحتفظن بالثمار في البيوت، مما أثر على جودتها”. وتضيف “كما فاقم الجفاف من أزمة شجرة الأرغان، إذ أن الثمار على قلّتها لم تعد تحتوي على نسبة عالية من الزيت مقارنة بالسابق”.
وتنتشر شجرة الأرغان خاصة على الساحل الجنوبي للمغرب بين منطقتي الصويرة وأغادير على ساحل الأطلسي، وتغطي ما يزيد على 830 ألف هكتار.
وحذرت السلطات في المغرب من أن أشجار الأرغان أصبحت تعاني من مخاطر عديدة، على رأسها الجانب البيئي بسبب الاستغلال المفرط لهذه الثروة النباتية.
كما خصصت برنامجا بنحو 2.8 مليار درهم من أجل إعادة تأهيل الآلاف من الأشجار وزيادة إنتاج زيتها.
وتشغّل شجرة الأرغان ما يربو على ألفي امرأة، خاصة النساء الأمازيغيات في المناطق الريفية اللواتي يعشن من إنتاج وتسويق زيت الأرغان.
ويقول يوسف صاحب تعاونية لبيع زيت الأرغان بالصويرة إن “القطاع يعاني من صعوبات جمّة، لقد بدأت مع والدي في الاشتغال في هذا القطاع منذ تسعينات القرن الماضي، كانت الأمور أفضل، كانت الثمار موجودة ورخيصة، وكان الزيت بأسعار معقولة والإقبال كبيرا من المغاربة”.
ويضيف “لا نجد الثمار الكافية لعصرها وإن وجدت فقد ارتفع ثمنها بشكل كبير يصل حاليا إلى أكثر من 170 درهما للكيلوغرام، ويجب عصر أكثر من كيلوغرامين للحصول على لتر واحد من الزيت، وفي الأخير الزبون يجد السعر مرتفعا، فلا نبيع الكثير”.
ويتابع أن “المغاربة المعروفين بحبهم لهذا النوع من الزيت إلى جانب زيت الزيتون، يكتفون بشراء بضع مليلترات من زيت الأرغان التجميلي، وكذلك بعض المواد التجميلية الأخرى المشتقة من الأرغان مثل كريمات الوجه والصابون ومستحضرات تجميلية أخرى”.
السلطات في المغرب حذرت من أن أشجار الأرغان أصبحت تعاني من مخاطر عديدة، على رأسها الجانب البيئي بسبب الاستغلال المفرط لهذه الثروة النباتية
ويضيف “أما الزيت الصالح للأكل، فبالنسبة إلى المتعود على استهلاكه فيجب أن يشتري أكثر من لتر، لكن في ظل سعره الحالي (600 درهم) هذا يجعل الأمر شبه مستحيل، كان الله في عون الجميع”.
ويعوّل يوسف وعدد من التعاونيات في الصويرة على توافد السياح في فصل الصيف لبيع زيت الأرغان ومنتجاته التجميلية والغذائية مثل “أملو” الذي يتناوله المغاربة في فطور الصباح وهو عبارة عن خليط من اللوز المسحوق وزيت الأرغان والعسل.
وقال صاحب تعاونية لبيع منتجات الأرغان في الصويرة قدم نفسه باسم سليمان فقط “ما نعانيه بالنسبة إلى الأرغان هو قلة العرض وكثرة الطلب”.
وأضاف “الجفاف والرعي العشوائي خاصة في نواحي أغادير أدّيا إلى قلة ثمار الأرغان، إذ أن الغطاء النباتي في هذه المنطقة قليل فتلجأ الماشية إلى أكل حبات الأرغان”.
وتقول سيدة تدعى نعيمة وهي صاحبة تعاونية لبيع منتجات الأرغان في الرباط “لحسن الحظ نعتمد على بيع منتجنا من محصول الأشجار التي تملكها العائلة في أغادير”.
وأضافت “لو كنا نعتمد على شراء الثمار وعصرها لخضعنا لمنطق المضاربة، حينئذ سيكون هامش الربح قليلا”.
ويقول خالد العيوض الخبير في التنمية المحلية والتنمية المستدامة إنه بالإضافة إلى الجفاف، تعاني أشجار الأرغان من “الاحتكار وكثرة الوسطاء، فوراء شجرة الأرغان وزيتها جيش من الفقر، خاصة النساء اللواتي يشتكين من أياد غريبة تستغل الشجرة وثمارها”.
وأضاف “النساء العاملات في هذا المجال لا يجدن المادة الأولية للاشتغال، هناك احتكار من طرف الوسطاء منذ تأسيس أول تعاونية في 1996 ودخول الشركات متعددة الجنسيات التي تستخدم زيت الأرغان في صناعاتها التجميلية على الخط”.
وأوضح العيوض أن شعار “التضامن والتعاون” الذي رفعته الدولة لحماية شجرة الأرغان والنهوض بزراعتها “أصبح سرابا”، و”النتيجة أن المغربي لم يعد يجد زيت الأرغان على مائدته كما تعود”.
وتقول فاطمة وهي تسحق حبات الأرغان تحت الرحى في قريتها قرب الصويرة “ليس لدي ونساء القرية عمل آخر نعول عليه، الأرغان مصدر قوتنا لكننا أصبحنا اليوم نواجه مشاكل في الحصول على الحب وتسويق المنتوج”.
وأضافت أن مدخولها زهيد (نحو 200 دولار في الشهر)، لكنها راضية به كي لا تظل بدون عمل في البيت.
وصادقت الحكومة المغربية في أوائل سبتمبر على رفع الحد الأدنى للرواتب إلى 3500 درهم بزيادة 9.3 في المئة وسط ارتفاع كبير للأسعار وزيادة نسبة التضخم.
وتقول فاطمة “سأكون محظوظة لو أضمن استمرار مدخولي بالرغم من بساطته، لكن نقص ثمار الأرغان وقلة زيتها أمر مقلق”.