تواصل الطبقة الحزبية في الجزائر الصمت، رغم ثقل الملفات المطروحة داخليا وخارجيا، وهي حالة سياسية غير مسبوقة، لا زالت دلالاتها محل تضارب بين من يرجعها إلى غموض المشهد السياسي، وبين من يعيدها إلى استغناء السلطة عنها والذهاب عبر أذرع جديدة لتنفيذ برامجها.
ويستمر الشلل السياسي في المشهد الجزائري بشكل محير منذ انتخاب الرئيس عبدالمجيد تبون نهاية العام 2019، ورغم جولتي الحوار السياسي اللتين أجراهما مع فاعلين حزبيين وناشطين مستقلين بشأن عدد من القضايا، إلا أن تراجعا كبيرا يسجل في أجندات القوى السياسية بمختلف توجهاتها ولم يعد هناك تواصل بينها وبين الشارع إلا نادرا.
لويزة حنون: الظروف التي وجب أن ترافق قرار إدراج الإنجليزية لا ترقى إلى المستوى المطلوب
ومنذ الانتخابات التشريعية والمحلية التي جرت نهاية العام الماضي، انزوت الأحزاب السياسية بشكل محير، وأحسنها صار يكتفي بتصريحات أو بيانات مقتضبة لا تعبر عن الخلفيات السياسية والأيديولوجية المعروفة لديها، وهو ما يطرح وضعا سياسيا مشوها وينذر بقطيعة نهائية بين المجتمع وفعالياته الحزبية والسياسية.
وباستثناء بعض المؤتمرات التي جرت في ظروف استثنائية بسبب جائحة كورونا، كتلك التي نظمتها أحزاب التجمع الوطني الديمقراطي وجبهة القوى الاشتراكية وجبهة التحرير الوطني، فإن الساحة السياسية في الجزائر خلت تماما من حضور الأحزاب السياسية، ولم يعد ظاهرا إلا خطاب السلطة وبعض مناوشات المعارضة.
ورغم سعي حركة مجتمع السلم الإخوانية وجبهة التحرير الوطني الحائزة على أغلبية البرلمان، لصناعة الحدث السياسي بالشروع في التحضير لمؤتمريهما بعد أشهر، إلا أنهما فشلتا إلى حد الآن في تحريك المياه الراكدة، رغم حساسية المنعطف الذي بلغته الحركة الإسلامية بالاستمرار فيما تسميه بـ”المعارضة”، أو العودة مجددا إلى حضن السلطة وخيار “المشاركة” الذي تبنته منذ تأسيسها في مطلع تسعينات القرن الماضي.
واللافت أن المعارضة التي دعمت احتجاجات الحراك الشعبي تراجع دورها في السنوات الأخيرة بسبب ما تسميه بـ”حملة القمع الممنهج من طرف السلطة، عبر إغراقها في قضايا هامشية ومتابعات قضائية وأمنية، مما شوش تركيزها على القضايا والملفات الحقيقية”، بحسب تصريح لمسؤول في جبهة القوى الاشتراكية.
وذهب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية والاتحاد الديمقراطي الاجتماعي والحركة الديمقراطية الاجتماعية إلى أن “المناخ السياسي السائد وتقلص هامش الحريات في البلاد، والإفراط في معالجة الأزمة السياسية بواسطة المقاربة الأمنية أفقد المشهد السياسي دوره وجاذبيته”.
◙ تراجع كبير يسجل في أجندات القوى السياسية بمختلف توجهاتها ولم يعد هناك تواصل بينها وبين الشارع إلا نادرا
لكن في المقابل تسعى بعض القوى السياسية الموالية للسلطة إلى كسر الصمت السائد دون بلوغ حد إثارة النقاش السياسي في المجتمع، حيث تكتفي بتصريحات أو بيانات مقتضبة دون الوصول إلى درجة أن تكون الذراع السياسية التي بإمكانها إقناع الشارع أو استقطابه إلى أجندة السلطة.
وعشية الذهاب إلى عرض بيان السياسة العامة على البرلمان من طرف الحكومة بداية من الاثنين، دعا رئيس حركة البناء الوطني عبدالقادر بن قرينة نواب حزبه إلى التعاون مع الحكومة على حل الأزمات والتحديات التي تواجه المواطنين، بدل التشهير أو السعي خلف الشهرة.
وصرح بن قرينة، في لقاء بنواب الحركة، بالقول “حجم المسؤوليات الملقاة عليكم كنواب لحركة البناء الوطني يفرض على كل نائب منكم أن يسخّر كل وقته وإمكانياته للعمل الجاد والمستمر لتحقيق التميّز في الأداء والمنافسة”.
وحضهم على “العمل من أجل تعزيز التواصل مع الطاقم الحكومي عبر التحاور الهادف والودي وتكثيف الزيارات للاطلاع على خلفيات الملفات محل الإشكال، إلا من أبى من الوزراء وجعل نفسه فوق ممثلي الشعب في البرلمان بغرفتيه، وتوظيف الحق في استجواب المسؤولين والوزراء في الحكومة كأداة برلمانية لتصويب الإخفاقات بعيدا عن السعي للشهرة أو الشعبوية، لأن الهدف هو تحقيق أهداف التنمية وسد الثغرات وتجاوز النقائص والسلبيات ورفع الغبن عن المواطنين وليس الشهرة والتشهير”.
لمين عصماني: القمة العربية المقبلة في الجزائر فرصة لقادة الدول العربية لتوحيد الصف والكلمة
وأوصى بن قرينة نواب حركته قائلا “أوصيكم إخواني النواب والجزائر تتأهب لاستضافة القمة العربية في الفاتح من نوفمبر القادم أن تكونوا سفراء لوطنكم من أجل إنجاح فعالياتها في كل فضاء أتيح لكم، فأعداء الجزائر كثر لتشويه صورة وطننا وللتشويش على أيّ نجاح يتحقق بعقد القمة وفعالياتها المختلفة”.
وفي هذا الشأن، أشاد رئيس حزب صوت الشعب لمين عصماني، بـ”دور دبلوماسية بلاده في توحيد الصفوف العربية خلال القمة العربية المقبلة”.
ولفت إلى أن “القمة العربية المقبلة في الجزائر فرصة لقادة الدول العربية لتوحيد الصف والكلمة.. وعلى الرؤساء والملوك أن يكونوا في مستوى تطلعات شعوبهم، والتأكيد على أن مقولة ‘اتفق العرب على ألاّ يتفقوا’ مقولة خاطئة، والتوجه نحو بناء وحدة عربية تتجاوز الخلافات والاستقطابات التقليدية”.
أما زعيمة اليسار السياسي في الجزائر رئيسة حزب العمال لويزة حنون، المحسوبة على المعارضة، فقد انتقدت قرار إدراج اللغة الإنجليزية في الطور الابتدائي، ووصفته بـ”الارتجالي”.
وذكرت بأن “الظروف التي وجب أن ترافق قرار إدراج الإنجليزية لا ترقى إلى المستوى المطلوب”، مستدلة “بالعدد البسيط لأساتذة المادة الذين تم توظيفهم في إطار التعاقد والبالغ 5 آلاف أستاذ فقط، في حين يحتاج القطاع إلى زهاء 20 ألف أستاذ”.
وتبقى الأوضاع السياسية الحقيقية ووضع الحريات السياسية والإعلامية، والقبضة الأمنية ضد ناشطي الحراك الشعبي، واستفحال ظاهرة الهجرة السرية، وتفشي الفقر والبطالة في أوساط المجتمع، بعيدة عن الخطاب المحتشم للقوى السياسية.