عملت السلطات الفرنسية على إدراج ملف الصحراء المغربية في جدول أعمال القمة التاسعة لزعماء دول الاتحاد الأوروبي المتوسطية “يوروميد” لتجنب التداعيات السلبية للملف على إمدادات الطاقة والغاز في أوروبا، فيما يرى مراقبون أن على باريس الابتعاد عن سياسة الضغوط التي تمارسها على الرباط.
خططت فرنسا لإقحام قضية الصحراء المغربية في جدول أعمال القمة التاسعة لزعماء دول الاتحاد الأوروبي المتوسطية “يوروميد”، التي كان مزمعا عقدها بإسبانيا الجمعة قبل تأجيلها.
وبررت فرنسا ذلك، حسب وكالة “إيفي” الإسبانية، بـ”الانعكاسات” المحتملة التي “يمكن أن يحدثها هذا الصراع في سياق أزمة إمدادات الطاقة والغاز في أوروبا”.
وأكدت مصادر من قصر الإليزيه لوكالة الأنباء الإسبانية أن الموضوع “سيكون بالتأكيد” في قلب المناقشات.
ويندرج هذا المسلك الفرنسي في إطار الأزمة التي وصفت بالصامتة مع المغرب، ويأتي بعد الزيارة التي قام بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الجزائر أواخر شهر أغسطس الماضي، حيث التقى خلالها نظيره الجزائري عبدالمجيد تبون، وكان ملف الصحراء من بين أبرز الملفات التي طُرحت على طاولة النقاش حينها.
وترى باريس أن الخلاف بين الجزائر التي تدافع عن جبهة بوليساريو، والمغرب “يؤثر على إمدادات الغاز”، وتؤكد أنها ترغب في أن ترى “العلاقات بين الدول المطلة على البحر المتوسط أفضل مما هي عليه” وأن يتم التوصل إلى “تقارب” بين أطراف هذا الملف.
باريس تخطط لإقحام قضية الصحراء المغربية في جدول أعمال القمة التاسعة لزعماء دول الاتحاد الأوروبي المتوسطية “يوروميد”
وعلّق محمد الطيار الباحث في الدراسات الإستراتيجية والأمنية في تصريح لـ”العرب” بأن الأمر يدخل في إطار سياسة الابتزاز المعتمدة كنوع من الضغط على المغرب، لذلك فالمعركة الحقيقية في قضية الصحراء المغربية هي مع فرنسا وليست مع النظام العسكري الجزائري “الذي هو في الحقيقة مجرد أداة”.
وأضاف أن “فرنسا لا تدار من طرف الحكومات أو الرؤساء، وإنما تدار من طرف جهاز الاستخبارات وفق إستراتيجية مسطرة”.
وقد أرجئت قمة مجموعة الدول المتوسطية في الاتحاد الأوروبي “يوروميد 9” بسبب إصابة رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز بكوفيد – 19 كإجراء احترازي، وفق ما أعلن مكتبه، حيث كانت القمة ستعقد في أليكانتي بإسبانيا دون تحديد موعد جديد لها.
وتعتبر قمة الدول الأورومتوسطية مجموعة غير رسمية للنقاش حول مصالح دول الجنوب الأوروبي المنتمية إلى الاتحاد، وتم إنشاؤها سنة 2013 وتضم تسع دول هي إيطاليا وإسبانيا وفرنسا واليونان وقبرص ومالطا، وانضمت إليها منذ سنة 2021 سلوفينيا وكرواتيا، كما تشارك البرتغال في القمة رغم أنها غير مطلة على البحر الأبيض المتوسط.
ونقلت وكالة “إيفي” عن مصادرها في قصر الإليزيه أن فرنسا لجأت إلى ذلك بسبب “الانعكاسات المُحتملة التي يُمكن أن تحدث بسبب الصراع حول الصحراء”، وذلك في سياق ما اعتبرته “أزمة إمدادات الغاز الطبيعي في أوروبا”، الأمر الذي لقي ترحيبا من وسائل الإعلام الجزائرية وتلك التابعة لجبهة بوليساريو الانفصالية باعتبارها “انتصارا دبلوماسيا” على المغرب في ملف الصحراء.
وربط التقرير هذا الأمر بالقرارات الجزائرية المتعلقة بقضية الصحراء، انطلاقا من قرار قصر المرادية عدم تجديد عقد العمل بخط الغاز المغاربي – الأوروبي المار عبر المغرب مع انتهائه منذ أكتوبر 2021، مبرزا أن الجزائر خفضت أيضا من إمداداتها من الغاز الموجه إلى إسبانيا عبر الخط المباشر “ميد غاز” بعد رسالة رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز إلى العاهل المغربي الملك محمد السادس التي أعلن من خلالها دعم بلاده لمقترح الحكم الذاتي في الصحراء تحت السيادة المغربية.
وأكد محمد الطيار أن معركة المغرب الدبلوماسية مع فرنسا تختلف عن تلك التي خاضها ضد ألمانيا وإسبانيا، حيث تحتاج إلى نفس طويل والإبداع في التكتيكات واستعمال أوراق الضغط بحكمة كبيرة، موضحا أن خروج فرنسا بموقف جديد يعني التخلي عن إستراتيجية معتمدة منذ الحقبة الاستعمارية، وتعني أيضا التخلي عن النظام العسكري الجزائري الذي ربط مصيره وبقاءه بقضية الصحراء المغربية ورهن مستقبل الدولة الجزائرية بها.
المعركة الدبلوماسية للمغرب مع فرنسا بشأن ملف الصحراء تختلف عن تلك التي خاضها ضد ألمانيا وإسبانيا
وفي السياق ذاته دعت مؤسسة “فرنسا المغرب، سلام وتنمية مستدامة” التي يوجد مقرها ببوردو، باريس إلى توضيح موقفها تجاه قضية الصحراء المغربية من خلال “التزام واضح”، مبرزة في إعلان مشترك لأعضائها الفرنسيين والمغاربة نشر في ختام الدورة الرابعة للقاءاتها بكلميم وطان طان والسمارة والعيون جنوب المغرب، أن الصمت الذي تتموقع خلفه فرنسا الرسمية (بخصوص قضية الصحراء المغربية) ينظر إليه من قبل الشعب المغربي كفعل غير ودي.
وكان الملك محمد السادس قد أثنى في خطابه بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب في أغسطس الماضي على دول مثل ألمانيا وهولندا وإسبانيا والولايات المتحدة ورومانيا لمواقفها الإيجابية من قضية الصحراء المغربية، دون ذكر فرنسا بتاتا، موجها دعوة إلى حلفاء المغرب التقليديين للخروج من منطقة الغموض في قضية الصحراء المغربية، ورابطا استمرار أو بناء أي شراكة اقتصادية بالإعلان عن موقف صريح داعم للمغرب في وحدته الترابية.
وفي هذا الصدد قال حسن أوريد أستاذ العلوم السياسية إن انتظارات المغاربة بشأن مواكبة فرنسا للتطورات التي شهدتها قضية الصحراء “انتظارات مشروعة”، خصوصا أن هذا البلد يعرف خبايا الأمور وتفاصيل ما جرى أكثر من بلدان أخرى انخرطت ضمن التصور المغربي لحل النزاع.
وأضاف أوريد الذي اشتغل سابقا ناطقا رسميا باسم القصر الملكي ضمن ندوة بخصوص العلاقات المغربية – الفرنسية نظمتها مؤسسة عبدالرحيم بوعبيد مساء الجمعة، أن خروج فرنسا من الدائرة المريحة أصبح ضروريا، مؤكدا وجوب معرفتها بالتغيرات التي حصلت في المغرب والتحولات التي تطبعه.