تتّجه عملية التخريب التي طالت خط نورد ستريم لنقل الغاز الروسي إلى أوروبا إلى إلقاء ظلالها على أمن الطاقة في المنطقة والعالم عموما، حيث باشرت إيطاليا تدابير وقائية تحسبا لأي طارئ مماثل قد يطال أنبوب الغاز الرابط بينها وبين الجزائر، الأمر الذي يضع المسألة كتطور جديد أفرزته الأزمة في مجال الطاقة التي يشهدها العالم ويحتم على الدول المنتجة إيلاء مصادر النفط والغاز أهمية أمنية إضافية.
وعززت المصالح الأمنية الإيطالية إجراءات المراقبة واليقظة البحرية من أجل حماية خطوطها الناقلة للغاز في جنوب وشرق البلاد، ليكون بذلك أنبوب “ترانسميد” الرابط بينها وبين الجزائر ضمن الإجراءات المذكورة، وهو ما يبرز المخاوف التي تعتري دولا مستهلكة خاصة في القارة الأوروبية حول تأمين الغاز على أبواب الشتاء.
ورغم أن فرضيات أسباب التسرب التي سجلت في خط نورد ستريم لا تزال متضاربة والعديد من الأطراف تتبادل التهم في انتظار نتائج التحقيقات المحايدة، إلا أن سيناريو التخريب المتعمّد يبقى قائما، الأمر الذي يفتح المجال أمام حرب في مجال الطاقة بشكل جديد كما لاحت في وقت سابق حول علاجات داء كوفيد – 19.
ومنذ حادثة محطة “تيقنتورين” التي عاشتها الجزائر العام 2013، لما اخترقت مجموعة جهادية المحطة، عززت الجزائر تدابيرها الأمنية حول مصادر الطاقة التي تدرجها ضمن أمنها الإستراتيجي، وكثيرا ما كانت مسألة التأمين المذكور محل خلاف بين الحكومة الجزائرية وبعض الشركات النفطية العالمية العاملة على ترابها، كون الجزائر لا تكتفي بالشركات الأمنية التي تتعاقد معها شركات الطاقة وتعهد لوحداتها العسكرية مهام الرقابة في محيط الآبار ومحطات الطاقة، وهو ما كانت ترفضه الشركات المذكورة.
روما عززت عمليات المراقبة البحرية لتأمين خطوط نقل الغاز تفاديا لأي سيناريو مماثل لتخريب خط نورد ستريم
وفيما لم يصدر أي تعليق للحكومة الجزائرية حول الإجراءات الإيطالية لتأمين خط “ترانسميد” إلا أن العلاقات المتطورة في مجال الطاقة بين البلدين وإبرام اتفاقيات جديدة لضخ كميات إضافية إلى روما يحتّمان عليها الانخراط في عملية تأمين إضافية تفاديا لأي سيناريو، خاصة وأن الجزائر من البلدان التي تعتمد عليها دول أوروبية في تغطية جزء من حاجياتها من الغاز خاصة في المدى القريب.
وذكرت تقارير متخصصة بأن “مسؤولين إيطاليين كشفوا عن تعزيز عمليات المراقبة البحرية في شرق وجنوب البلاد، لتأمين خطوط نقل الغاز تفاديا لأي سيناريو مماثل لما حدث في لخط نورد ستريم”، وهو ما يوحي بأن المخاوف تتوسع تدريجيا في دول الاتحاد الأوروبي، خاصة وأن فصل الشتاء على الأبواب.
وأضافت “فرضت إيطاليا إجراءات رقابة مشددة على خط ‘ترانسميد’ الذي يربط صقلية مع الجزائر، وعلى الخط العابر لبحر الأدرياتيكي الرابط بين أذربيجان وإيطاليا، وخط ترانس أوستريا الرابط بينها وبين دول الشمال الأوروبي”.
وتبلغ طاقة خط “ترانسميد” أكثر من 30 مليار متر مكعب، وأبرم البلدان اتفاقا خلال الصائفة الماضية لضخ كميات إضافية تقدر بأربعة مليارات متر مكعب تبدأ مع شهر نوفمبر المقبل، الأمر الذي يصنف إيطاليا ضمن أكبر الدول المستوردة للغاز الجزائري، الأمر الذي يبرز الأهمية الأمنية التي طفت إلى السطح بعد حادثة نورد ستريم.
ولا تزال روسيا من جهة والولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي من جهة أخرى تتبادلان التهم بشأن الأسباب الحقيقية لتسرب الغاز، ولم تستبعد موسكو فرضية العمل التخريبي الاستخباراتي لضرب الإمكانيات الروسية في إطار الصراع القائم بين الطرفين على الأراضي الأوكرانية.
ولا تزال الجزائر ترتبط بعلاقات تفاهم مع موسكو وروما وحتى واشنطن، رغم وقوعها كمحور صراع بين تلك الأطراف بدأت تجلياته تظهر تدريجيا، وهو ما قد يترجم تأخرها في التعليق على الحادثة وعلى إمكانيات الانخراط العلني في مخطط أمني مشترك مع الدول الشريكة على غرار إيطاليا وإسبانيا بدرجة أقل.