أرسلت الجزائر الثلاثاء وزير العدل عبدالرشيد طبي مبعوثا من الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون إلى العاهل المغربي الملك محمد السادس من أجل حضور القمة العربية، في خطوة قال مراقبون إنها تكشف حرص الجزائر على حضور العاهل المغربي أو وليّ العهد مولاي الحسن بن محمد السادس كون هذا الحضور سيكون مقياسا لنجاح القمة.
ويعتقد المراقبون أن الجزائر تبدي حرصها على مشاركة المغرب في القمة لاعتبارات أبعد من السعي لتجاوز الخلاف الثنائي وإلا كانت قد بادرت إلى ذلك قبل الآن، مشيرين إلى أن هذا الحرص ناجم عن اطلاع المسؤولين الجزائريين على معطيات تفيد بأن مشاركة العاهل المغربي ستضمن مشاركة زعماء وقادة آخرين عرفوا بدعمهم للمغرب في ملف الصحراء وأنهم لن يشاركوا في قمة قد تسيء إليه أو تهدف إلى محاولة عزله إقليميا.
ومن الواضح أن الجزائر تدرك أن القمة إذا قاطعها المغرب فإن عددا من الدول العربية ستتضامن معه وخاصة دول الخليج. كما أن مصر يمكن أن تجد في ذلك فرصة للغياب عن القمة في ظل استمرار الجزائر بإشارات سلبية تجاهها سواء ما تعلق بالتقارب مع إثيوبيا أو من خلال مواقف غير محسوبة في الملف الليبي، وآخرها تصريحات الرئيس الجزائري السبت الماضي التي ألمح فيها إلى مصر متهما إياها بأنها تفتعل تشكيل حكومة جديدة في ليبيا، في إشارة إلى حكومة فتحي باشاغا لمزاحمة ما اعتبرها هو “الشرعية في ليبيا” أي حكومة عبدالحميد الدبيبة.
◙ سبق للملك محمد السادس أن دعا الرئيس الجزائري إلى “تغليب منطق الحكمة”، والعمل في أقرب وقت على تطوير العلاقات بين الجارين
ويشير المراقبون إلى أن نجاح القمة مهم بالنسبة إلى الجزائر في هذا التوقيت في ظل وضع إقليمي لا يخدم مصالحها خاصة ما يتعلق بالنجاحات الدبلوماسية للمغرب في ملف الصحراء وقدرته على بناء علاقات شراكة متعددة الأوجه مع الولايات المتحدة وإسرائيل، وتوسع علاقاته في أفريقيا والتي لم تقف عند كسب ثقل دبلوماسي داعم لمقاربة الحكم الذاتي في الصحراء وتحولت إلى تعاون اقتصادي متنوع، فيما تعيش الجزائر عزلة دبلوماسية بسبب التوتر مع المغرب وإسبانيا وبرود العلاقة مع فرنسا، فضلا عن الفشل في الترويج لبوليساريو إقليميا ودوليا.
وتفسر كل هذه العناصر ما تبديه الجزائر من رغبة في التهدئة مع المغرب، ولو بشكل ظرفي، من خلال استضافته لحضور القمة والحرص على مشاركة الملك محمد السادس، على أمل أن تنجح هذه القمة في التخفيف من عزلة الجزائر وتهدئة التوترات بينها وبين محيطها.
ويعتقد هؤلاء أن الظروف التي أحاطت بالقمة يمكن أن توفر درسا للجزائر لمراجعة علاقاتها الخارجية، وخاصة العلاقة المتوترة مع المغرب، وأن تتراجع عن خطواتها السابقة بقطع العلاقات وإغلاق الحدود من جانب واحد، وأن تترك باب الحوار مفتوحا، وأن تراجع موقفها من بوليساريو وتخفف من الرهان على جواد خاسر تجاوزته الأحداث، وأن تستجيب لدعوات العاهل المغربي للحوار.
وفي مؤشر على التهدئة، قامت الجزائر بإقالة مبعوثها في ملف الصحراء عمار بلاني الذي عرف بتصريحاته المستفزة للمغرب. وعاب معارضون على الرئيس الجزائري منذ البداية تعيين بلاني في منصب مبعوث وزير الخارجية في ملف الصحراء والمنطقة المغاربية، فهو لم يحقق شيئا فيما يتعلق بالعلاقات الجزائرية مع دول المنطقة، كما أن دوره اقتصر منذ تعيينه على إطلاق التصريحات الحادة التي تزيد في تعميق الأزمة مع المغرب.
◙ الجزائر تعرف أن مشاركة العاهل المغربي ستضمن مشاركة زعماء وقادة آخرين عرفوا بدعمهم للمغرب وأنهم لن يشاركوا في قمة تسيء إليه
وقالت وزارة الخارجية المغربية في بيان إن الوزير ناصر بوريطة استقبل مبعوث الرئيس الجزائري، الذي سلم “رسالة الدعوة الموجهة إلى الملك محمد السادس لحضور أشغال القمة العربية المقرر عقدها بالجزائر، يومي 1 و2 نوفمبر”. ولم يضف بيان وزارة الخارجية المغربية تفاصيل أخرى، وإن كان العاهل المغربي سيحضر القمة بالفعل، خاصة في ظل توتر العلاقات بين البلدين الجارين والقطيعة الدبلوماسية.
وتعد هذه الزيارة الأولى لمسؤول جزائري إلى المغرب منذ سنوات طويلة، على خلفية الحدود المغلقة بين البلدين.
وفي 7 سبتمبر الجاري، أعلنت وزارة الخارجية المغربية، في بيان، أن وزير العدل الجزائري سيزور الرباط حاملا دعوة لحضور القمة العربية.
وفي أغسطس من العام الماضي، قطعت الجزائر علاقاتها مع المغرب بسبب ما أسمته “حملة عدائية متواصلة ضدها”، ووصفه المغرب بأنه اتهام زائف وعبثي. وحظرت بعدها تحليق الطيران المغربي فوق أجوائها، كما لم يتم تجديد عقد خط أنابيب الغاز المار عبر أراضيها وصولا إلى إسبانيا.
كما سارعت الجزائر قبل ذلك إلى إغلاق مجالها الجوي مع المغرب بعد اتهامات وجهتها إلى المغرب بممارسة “الاستفزاز والممارسات العدائية”.
وسبق للملك محمد السادس أن دعا الرئيس الجزائري إلى “تغليب منطق الحكمة”، والعمل في أقرب وقت على تطوير العلاقات بين الجارين.
وقال العاهل المغربي في الذكرى الـ23 لجلوسه على العرش في يوليو الماضي “إننا نتطلع للعمل مع الرئاسة الجزائرية لأن يضع المغرب والجزائر يدا في يد، لإقامة علاقات طبيعية بين شعبين شقيقين، تجمعهما روابط تاريخية وإنسانية، والمصير المشترك”.