أعاد موت يوسف القرضاوي، الرئيس السابق لاتحاد علماء المسلمين، الجدل حول مواقفه، وخاصة عن دوره في توظيف الدين لخدمة أغراض سياسية كثيرة لاسيما ما تعلق بدعمه لثورات “الربيع العربي” حتى أن خصومه سبق أن وصفوه بمفتي “الناتو” بسبب فتاواه التي تدعم إسقاط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وحكم العقيد الليبي الراحل معمر القذافي بما يتماشى مع خطط حلف الأطلسي.
وأصدر القرضاوي فتاوى صريحة تحث على الجهاد وإهدار دم الأسد والقذافي بما يتماشى مع إستراتيجية الإخوان المسلمين في ركوب موجة “الربيع العربي” وتوظيفها لحكم دول المنطقة مثل مصر وتونس، ودفع من عجزوا عن حكمها إلى أتون الحرب الأهلية كما حصل في ليبيا وسوريا واليمن.
وقال بيان بث في موقعه الإلكتروني في 2013 إن القرضاوي يدعو “كل قادر على الجهاد والقتال للتوجه إلى سوريا للوقوف إلى جانب الشعب السوري المظلوم الذي يقتل منذ سنتين على أيدي النظام”، وإن “الذين يؤيدون بشار سيصب الله عليهم لعناته وغضبه وسينتقم منهم”.
كما دعا البيان “جميع المسلمين في كل البلاد أن يذهبوا إلى سوريا إذا استطاعوا إلى ذلك سبيلا ليدافعوا عن إخوانهم هناك ومن يستطيع القتال فليذهب ليقاتل”.
ومثلت هذه الفتوى أرضية لفتاوى أخرى من أئمة ورجال دين تشرّع للجهاد في سوريا، وهي التي دفعت الآلاف من الشبان العرب إلى الالتحاق بسوريا للقتال ضد قوات بشار الأسد ليتحولوا لاحقا إلى وقود حرب لدى الجماعات المتطرفة التي تشكلت خلال هذه الحرب والتي ارتبطت بتنظيم القاعدة أو داعش.
كما أفتى القرضاوي بإهدار دم من أسماه بـ”الطاغية” الليبي معمر القذافي “الذي طغى وتجبر على قومه”، ودعا ضباط الجيش الليبي وجنوده ألا يسمعوا أوامره، واصفا إياه بـ”المجنون والملعون”.
وحمّل سياسيون ومحللون القرضاوي مسؤولية الحروب الأهلية التي شهدتها المنطقة بسبب فتاوى “الجهاد” التي مثلت أكبر هدية لتنظيمات متشددة تمكنت من استقطاب الآلاف من المقاتلين بفضل القرضاوي وشيوخ آخرين، فضلا عن أنها صبت في خدمة إستراتيجيات أجنبية لتفتيت المنطقة وإحياء النعرات الدينية والمذهبية فيها.
وعمل القرضاوي ما في وسعه على جعل الاتحاد العام لعلماء المسلمين صوت الإخوان ومنفذ خططهم، حيث دعا المصريين إلى التظاهر ضد الرئيس عبدالفتاح السيسي واستهداف قوات الأمن. كما جعله ورقة في خدمة قطر التي لها فضل عليه بأن منحته جنسيتها ومكنته من تكوين اتحاد يجمع إليه المئات من الوجوه الإخوانية العربية وغير العربية، في ما يشبه التنظيم الدولي العلني.
وبوّأت قطر القرضاوي منزلة مرموقة بأن منحته جنسيتها ومكنته من الخطابة في أكبر مساجد الدوحة بالرغم من الانتقادات التي طالته خلال عقود، خاصة ما تعلق بفتواه التي تضفي الشرعية الدينية على العمليات الانتحارية التي نفذتها حركة حماس، وهي فتوى تم توظيفها في ميادين أخرى وصارت لاحقا مسوّغا لعمليات استهداف المدنيين في سوريا والعراق وليبيا.
ولم تتوقف فتاوى القرضاوي عند خدمة أجندة قطر في المنطقة، فلم يأل جهدا في نصرة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ودعمه سياسيا بما في ذلك الإفتاء بجواز النظام الرئاسي، وأنه أفضل نظام “يتفق مع التعاليم الإسلامية التي تجعل أمير المؤمنين أو الرئيس الأعلى هو الرقم واحد في السلطة”.
وتزامنت هذه الفتوى مع حملة أردوغان للاستفتاء على الدستور في 2017، وتضمين تعديلات راكمت مختلف الصلاحيات بيديه.
وتوفي القرضاي الاثنين في قطر بحسب تغريدة على حسابه في تويتر.
وتتّهم السلطات المصرية القرضاوي بأنّه الزعيم الروحي لجماعة الإخوان المسلمين المحظورة في مصر منذ العام 2013 بعدما أطاح الرئيس عبدالفتاح السيسي عندما كان قائدا للجيش في يوليو من ذلك العام بالرئيس المنبثق عن الإخوان محمد مرسي.
وفي 2015 أكدت محكمة جنايات القاهرة حكم الإعدام في حق مرسي. وفي العام ذاته أحالت النيابة العامة المصرية 38 إسلاميا مصريا، بينهم القرضاوي، على محكمة عسكرية، متهمة إياهم بإنشاء خلايا مسلحة قتلت ضابط شرطة. وحوكم القرضاوي غيابيا.
وكانت السعودية ودول خليجية وعربية أخرى قد وضعته على لائحة الشخصيات “الإرهابية”. وكان وجوده في قطر أحد أسباب مقاطعة السعودية والإمارات والبحرين ومصر للدوحة لعدة سنوات.
وكسب القرضاوي شهرته من خلال قناة “الجزيرة” القطرية حيث كان يطل في برنامج أسبوعي للدعوة إلى دعم الحركات الإسلامية خصوصا أثناء فترة ما عرف بـ”الربيع العربي”.