حذرت أوساط سياسية تونسية من أن الاحتجاجات الجزئية التي تشهدها بعض الأحياء الشعبية بسبب غلاء الأسعار قد تتحول إلى احتجاجات أوسع لا يمكن توقع مداها، معتبرة أن هذا ليس سوى نتيجة للمماطلة التي تعاملت بها الحكومات المتتالية مع قضية الإصلاحات الاقتصادية التي يطالب بها صندوق النقد الدولي، والتي كان تطبيقها سيوفر على تونس حالة الاحتقان التي وصلت إليها الآن.
وقالت هذه الأوساط إن حكومة نجلاء بودن وجدت نفسها مجبرة على أن تتجهز لتطبيق هذه الإصلاحات في توقيت سيء مع أزمة محلية وعالمية خانقة، وهو ما يجعلها في مواجهة مباشرة مع المحتجين الذين يريدون من الحكومة أن تضخ المزيد من الأموال لتوفير المواد الأساسية والتحكم في الأسعار، وهو أمر غير ممكن بسبب الأزمة المالية التي تعيشها البلاد وتراجع قيمة الدينار التونسي، وارتباط الأسعار بأزمة عالمية ناجمة عن الحرب في أوكرانيا.
وإلى حد الآن تصدر الحكومة تصريحات يغلب عليها التردد والارتباك في ما يخص الإصلاحات، فهناك مسؤولون يقولون إن الحكومة ستبحث رفع الدعم وتعويضه بمساعدات مالية قارة للآلاف من العائلات المستحقة، فيما يظهر مسؤولون آخرون ليقللوا من المخاوف بشأن رفع الدعم والإيحاء بأن الحكومة لا يمكن أن تغامر بهذه الخطوة، وهي تعرف أن أيّ رفع أو تقليص للدعم يمكن أن يفسّرا على أنهما موجهان ضد الفقراء.
◙ لعل أسوأ ما في الأمر أن أي أموال تحصل عليها الحكومة تذهب لصالح الرواتب بدلا من دعم أوسع لعموم التونسيين
ويقول مراقبون إن هذه الخطوة يمكن أن تجعل الحكومة في مواجهة مع الشارع خاصة في ظل التوظيف السياسي لانفتاح الحكومة على صندوق النقد الدولي واتهامها بالرغم من أن تقارير رسمية وأخرى مستقلة تؤكد أن 80 في المئة من مخصصات الدعم لا تذهب إلى مستحقيها، وأن هذه النسبة المرتفعة تجعل فاعلية هذه المنظومة محدودة وتزيد من الشكوك حولها.
ويرى المراقبون أن على الحكومة أن تصارح التونسيين بخطاب موحد بشأن هذه الإصلاحات، وما هي طبيعة مطالب صندوق النقد وحجمها، وأن توضحها للناس وتدافع عن الإصلاحات التي تريدها وما هي المكاسب التي ستجلبها ولو على المدى البعيد، بدلا من الغموض وترك المعارضة تتحرك وحدها في الساحة لمهاجمة الإصلاحات وتشويهها.
وقال فوزي بن عبدالرحمن خبير الاقتصاد ووزير التكوين المهني والتشغيل الأسبق في تصريح سابق لـ”العرب” إن “رفع الدعم هو الخطوة التي يجب أن تفعّل، وتأثيراتها ستكون إيجابية على الميزانية العمومية، في ظلّ وجود ممارسات فساد في منظومة الدعم”.
وفوّتت الحكومات السابقة على تونس فرصة تنفيذ هذه الإصلاحات في وقت كان فيه هذا الأمر ممكنا خاصة بالنسبة إلى الأسعار وتوفر المواد الأساسية. ولعل أسوأ ما كانت تفعله تلك الحكومات هو توظيف الأموال التي تتحصل عليها لصالح الرواتب التي حصل عليها اتحاد الشغل لمنتسبيه بدلا من دعم أوسع لعموم التونسيين، وها قد تكرر هذه المرة أيضا وإن كان مقدمة لتهدئة اجتماعية ستمتد لثلاث سنوات على الأقل.
وتسعى تونس، التي تواجه أسوأ أزمة مالية لها، للحصول على قرض من صندوق النقد الدولي لإنقاذ المالية العامة من الانهيار.
ورفعت الحكومة هذا الشهر سعر إسطوانات غاز الطهي 14 في المئة لأول مرة منذ 12 عاما. كما رفعت أسعار الوقود للمرة الرابعة هذا العام كجزء من خطة لخفض دعم الطاقة وهو إصلاح رئيسي يطالب به صندوق النقد الدولي.
وخرج متظاهرون إلى الشارع ليل الأحد في منطقة دوار هيشر الفقيرة بضواحي العاصمة تونس احتجاجا على الفقر وارتفاع الأسعار واختفاء سلع غذائية من المتاجر في تصعيد للضغط على السلطات في تونس في الوقت الذي تواجه فيه البلاد أزمة اقتصادية وسياسية حادة.
ورفع بعض المتظاهرين الخبز. وأحرق شبان غاضبون إطارات سيارات للتنديد بسياسات الحكومة ووقوفها عاجزة أمام زيادة الأسعار وعدم تحويل خطابات الرئيس قيس سعيد ضد الاحتكار إلى أفعال ملموسة.
وردد المحتجون ومن بينهم نساء وشبان شعار “شغل حرية كرامة وطنية”، “عار عار الأسعار شعلت نار” بينما هتف آخرون “أين السكر؟”.
وتكافح تونس لإنعاش ماليتها العامة مع تزايد الاستياء من التضخم الذي بلغ 8.6 في المئة ونقص العديد من المواد الغذائية في المتاجر مع عدم قدرة البلد على تحمل تكاليف ما يكفي من بعض الواردات الحيوية.
وفي ضاحية مرناق قرب العاصمة احتج أيضا شبان وأحرقوا إطارات سيارات احتجاجا على انتحار شاب كان يبيع الفواكه وقال أفراد من عائلته إنه شنق نفسه بعد أن ضايقته شرطة البلدية وحجزت آلة الوزن عندما كان يبيع الفواكه على الرصيف في الشارع، في حادث شبيه بحادثة انتحار محمد البوعزيزي مفجّر الثورة التونسية في 2010.
وأطلقت قوات مكافحة الشغب قنابل الغاز لتفريق المحتجين بمنطقة مرناق ولاحقت في الشارع المحتجين الذين رفعوا شعارات ضد الشرطة ورشقوها بالحجارة.
وتقول وزارة الداخلية إن شهادات ترجّح أن الشاب انتحر بسبب مشاكل عائلية ولكنها فتحت مع ذلك تحقيقا لكشف ملابسات الحادث. كما تم توقيف رئيس بلدية مرناق في خطوة يقول مراقبون إن الهدف منها امتصاص غضب الشارع.
ويحتدّ نقص الغذاء في تونس مع وجود رفوف فارغة في محلات السوبر ماركت والمخابز مما يزيد من السخط الشعبي على ارتفاع الأسعار لدى العديد من التونسيين الذين يقضون ساعات في البحث عن السكر والحليب والزبدة والأرز والزيت.
وأظهرت مقاطع مصورة على وسائل التواصل الاجتماعي الأحد العشرات يتدافعون للفوز بكيلوغرام واحد من السكر في متاجر داخل البلاد.