هاجم رئيس حزب العدالة والتنمية عبدالإله بنكيران مطالب تعديل مدونة الأسرة، وذلك بتأجيج المشاعر الدينية للناخب المغربي لاستمالة المؤيدين وتحقيق مكاسب سياسية، لكن مراقبين يرون أن هذه المواقف لن تعيد الروح للحزب الذي فقدها مع الانتخابات الأخيرة.
يعود رئيس حزب العدالة والتنمية عبدالإله بنكيران إلى قاعدة لفت الانتباه إلى تنظيمه السياسي الذي عرف اندحارا كبيرا بعد انتخابات العام الماضي، بالخوض في القضايا التي تمس شريحة مهمة من المواطنين.
واتهم بنكيران جهات لم يسمها بالسعي إلى خراب البلاد عبر إحداث تغييرات في عدد من القوانين، معتبرا في لقاء تواصلي في إطار الانتخابات الجزئية التي يخوضها حزبه بدائرة كرسيف، شرق المغرب، “أن الخطر الداهم حاليا ليس ارتفاع الأسعار فقط، لكن هناك ما هو أخطر”. وقال رئيس حزب العدالة والتنمية إن استقرار الأسرة المغربية صار مهددا من طرف بعض الجهات.
وأوضح بنكيران أن كلامه يتعلق بمطالب تعديل مدونة الأسرة، قائلا “إنهم يريدون تحطيم الأسس التي تنبني عليها المدونة الحالية والمستمدة من الشرع، وتغيير أحكام الإرث بادعاء تحقيق المساواة”، معتبرا أن هذه التعديلات ستحدث خللا في المجتمع إذا مُرّرت.
وكان العاهل المغربي الملك محمد السادس دعا في يوليو الماضي، بمناسبة الذكرى الـ23 لعيد العرش، إلى مراجعة مدونة الأسرة، مشددا على ضرورة المشاركة الكاملة للمرأة المغربية في الحياة العامة، وعلى النهوض بوضعها والمكانة التي تستحقها، قائلا “بصفتي أمير المؤمنين لن أحل ما حرم الله ولن أحرم ما أحل، لاسيما الأمور التي تؤطرها نصوص قرآنية قاطعة”.
وبيّن الملك محمد السادس حينها أن موضوع حقوق المرأة لا بد أن يطبعه الاعتدال والتشاور والانفتاح، مشددا على أن مدونة الأسرة التي “أصدرناها تسعى إلى المناصفة والمساواة وليست امتيازات مجانية، ولكنها حقوق قانونية وشرعية ولا يمكن أن تحرم المرأة من هذه الحقوق، وأن مدونة الأسرة ليست مدونة للرجل وليست كذلك خاصة بالمرأة، بل هي مدونة للأسرة كلها، تعطي للكل حقوقه وتعتني بالأطفال”.
◙ تصريح بنكيران لم يجد طريقه للتفاعل الإيجابي مع القضايا الاجتماعية التي تخضع لإصلاحات وتقييمات العاهل المغربي
ودعا المؤسسات الدستورية إلى القيام بعملها، بحيث إن التجربة أبانت عن عوائق أمام هذه المسيرة، وتحول دون استكمالها لأسباب سوسيولوجية لدى فئة من المواطنين.
وشكك عبدالإله بنكيران في دوافع المطالبين بتقنين الإجهاض الذي وصفه بأنه “جريمة يراد تقنينها”، معتبرا أن هذه المطالب تخلف أهدافا سياسية للترويج “لما يسمى العلاقات الرضائية”، وإحداث مخرج لحالات الحمل خارج الزواج، مؤكدا أن من الضروري على أي شخص دخل في هكذا علاقة، أن يتحمل مسؤولية الجنين في حالة الحمل، لا أن يذهب إلى حال سبيله.
وأكدت شريفة لمويير، الباحثة في العلوم السياسية بجامعة الرباط، أن “حزب العدالة والتنمية كان دائما يلعب على حبل ‘الحزب الديني’، لاستمالة المؤيدين وتحقيق مكاسب سياسية، وذلك ما عشناه عقب تصدرهم لنتائج الانتخابات سنة 2011، لذلك لا عجب أن يخرج عبدالإله بنكيران لمهاجمة الإصلاحات الاجتماعية التي جاءت بها الأغلبية الحكومية اليوم، خاصة في ما يتعلق بمدونة الأسرة في شقها المتعلق بالمساواة في الإرث بين الأنثى والذكر”.
ورجحت شريفة لمويير، أن الهدف هو استمالة المواطنين واللعب على عواطفهم أكثر من أن يكون اختلافا جوهريا، على اعتبار المواطن المغربي يعتبر المسائل الدينية مقدسة ولا يرحب بالاجتهادات في ما يتعلق بها.
ويرى مراقبون أن ما قاله الأمين العام لحزب العدالة والتنمية عبدالإله بنكيران بخصوص مدونة الأسرة، يعارض ما أقره في أبريل الماضي، عندما اعترف بأن سبب هزيمة الحزب في الانتخابات الفائتة هو فشل حزبه في فهم واستيعاب المجتمع والدولة وظروف المغرب الدولية والإقليمية.
ويبدو أن تصريح بنكيران لم يجد طريقه للتفاعل الإيجابي مع القضايا الاجتماعية التي تخضع لإصلاحات وتقييمات من أعلى سلطة في البلد. وأكد هشام عميري، أستاذ العلوم السياسية، أن هذه التصريحات لن تعيد الروح للحزب الذي فقدها مع الانتخابات الأخيرة، ما دام المواطنون فقدوا ثقتهم في الحزب انطلاقا من تجربته السلبية في تدبير الشأن العام، وفشله في معرفة المسافة التي كانت بين الحزب وذهنية المواطن المغربي.
◙ ما قاله بنكيران بخصوص مدونة الأسرة يتعارض ما أقره في عندما اعترف بأن سبب هزيمة حزبه في الانتخابات كان بسبب الفشل في فهم واستيعاب المجتمع والدولة
وتأتي هذه التصريحات في إطار التجمع الخطابي الذي عقده بنكيران بكرسيف، في إطار دعم مرشح حزبه عبدالوافي مزيان في الانتخابات التشريعية الجزئية التي يتنافس فيها سعيد بعزيز، عضو المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الذي كان وراء إسقاط برلمانيين، ثم علي الجغاوي عن حزب الاستقلال، ومحمد البرنيشي عن حزب الأصالة والمعاصرة، اللذان كانت المحكمة ألغت انتخابهما في استحقاقات الثامن من سبتمبر.
وقد عاد عبدالإله بنكيران مرة أخرى لاتهام معظم الوجوه السياسية الموجودة في الساحة بالاتجار بالانتخابات، قائلا في لقائه بكرسيف إن “أغلبهم تجار انتخابات، وهذه المسألة لا تجوز شرعا وقانونيا وأخلاقيا”، وأضاف أن “مقابل دراهم معدودات، أو أن السلطة طلبت التصويت عليه، تقوم بذلك وتمنحه صوتك.. هذا حرام، لأنك تبيع ما لا يباع”.
ويقول مراقبون إن حزب العدالة والتنمية صاغ خطابه السياسي على أساس دعوات شعبوية نقدية استطاع أن يخلق من خلالها هالة، استغلتها القيادة لإقناع المواطن المغربي بأنه الحزب المطلوب والمنقذ والمخلص من الأزمات الاجتماعية والاقتصادية.
ولا تعتقد شريفة لمويير، أن خطاب بنكيران اليوم، واتهاماته التي وزعها على كافة السياسيين، سيحقق ما يصبو إليه، خاصة أن المواطن المغربي اليوم لا يزال يعيش على وقع العديد من القرارات التي جاءت بها حكومتا العدالة والتنمية طيلة العشر سنوات الماضية، وهي خيبة الأمل التي لم ينسها المغاربة من حزب العدالة والتنمية، لذلك فهو أصبح خطابا متجاوزا، موضحة أن المواطن المغربي اليوم تؤرقه أولويات أخرى، على رأسها توفير قوته اليومي في ظل ما يشهده الشارع المغربي من ارتفاع للأسعار.