أشاد الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون بالمكاسب التي حققتها السلطة التي يقودها منذ عام 2019، في مختلف القطاعات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهو ما يتناقض مع الواقع المأزوم الذي يعيشه الجزائريون، سواء نتيجة التضخم وانهيار القدرة الشرائية أو بسبب تراجع هامش الحريات واشتداد المقاربة الأمنية في مواجهة مطالب الشارع.
وأكد تبون، في لقاء سنوي له مع الولّاة (المحافظين)، على أن الحكومة ستواصل الإجراءات الكفيلة بالرفع من مستوى معيشة المواطن الذي يبقى في قلب اهتمامات الدولة، التي تعمل كذلك على توفير المناخ الملائم للمسؤولين والمسيّرين وحمايتهم مما أسماه بـ”الدسائس والمكائد” التي تعترضهم خلال أداء مهامهم.
ويبدو أن الرئيس تبون يلمّح إلى الأجواء الأمنية التي تخيّم على المشهد العام في البلاد، إلى درجة أن أعوان الدولة صاروا مكبلين أو خائفين من التقارير الكيدية أو السلبية التي تُرفع دوريّا إلى الأجهزة العليا في الدولة، وهو ما انعكس في الغالب على أداء هؤلاء؛ إذ غابت المبادرة في إدارة الشأن العام المحلي خشية الوقوع في مطبات قد تنقلب على أصحابها.
◙ المؤسسات المحلية أصيبت بالشلل ولم تعد تتكفل بالانشغالات اليومية للمواطنين، ما عمّق القطيعة بين الشارع والحكومة
وكان تبون قد قرر في العام الماضي تجريد المصالح الأمنية المحلية من صلاحية متابعة المسؤولين المحليين، وحصر التحقيقات الأمنية والتقارير الدورية -لاسيما في حالة الشك في أداء أي مسؤول محلي، وخاصة الولاة- بيد المصالح الأمنية المركزية، لكن ذلك أبقى على حالة الشك لدى هؤلاء وقيّد مبادرات تعاطيهم مع الشأن العام المحلي.
ويعد هذا اللقاء بين الحكومة وولاة البلاد هو الثالث منذ انتخاب تبون رئيسا، وفيما وجه انتقادات لاذعة لمن وصفهم بـ”معرقلي البرنامج الحكومي”، أبدى حرصا على “إعادة بعث الثقة في نفوس المسؤولين على كافة المستويات، وكذلك مسيّري المؤسسات العمومية”، الذين دعاهم إلى “الابتعاد عن الخوف والتحلي بالجرأة في اتخاذ القرارات”، مشددا على أن “الدول لا يمكن أن تتقدم نحو الأمام دون أبنائها”.
وأكد في الكلمة التي ألقاها خلال اللقاء على “إعادة كافة الصلاحيات في يد الوالي لأنه المسؤول الوحيد على مستوى ولايته، وذلك مؤشر ثقة نحو هؤلاء المسؤولين الذين استرجعوا كامل سلطتهم”، وأنه لن يعتدّ “بالرسائل المجهولة التي يبقى مصيرها سلة المهملات، وهي التي كانت أحد الأسباب التي دفعت ببعض المسؤولين إلى التخوف من اتخاذ القرارات والإحجام عن التوقيع، والدولة ستوفر الحماية لكل أبنائها، وإنه لا مكان لمساعي زرع الخوف في قلوب المسؤولين”.
ولفت إلى أن “تعرض بعض الولاة والمسؤولين السابقين إلى متابعات قضائية، كان في إطار محدد، نتيجة تعديهم على قوانين الجمهورية”، في إشارة إلى سجن العديد من الولاة والمسؤولين المحليين خلال السنوات الأخيرة، والذي يندرج حسب تلميحه في إطار الحرب على الفساد المفتوحة ضد المنظومة الإدارية والمؤسساتية المحسوبة على نظام الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة.
وشدد في هذا الشأن على أنه تقرر إسناد كافة التحريات الأمنية المدرجة في هذا الإطار إلى مؤسسات مختصة تكون على مستوى مركزي من العاصمة، وأن دولة “الدسائس والمكائد قد ولت إلى غير رجعة”، وهو ما سيسمح بغلق الباب أمام تصفية الحسابات التي جعلت بعض المسؤولين تحت وطأة الابتزازات والتهديدات.
◙ تبون تجاهل الاعتراف بالفشل المزمن داخل المؤسسات المركزية والمحلية للدولة، وفشل القيادة السياسية في ردم الهوة بينها وبين الشارع
وأكد على أن “الغلطة الإدارية التي قد يرتكبها المسيّر يتم إصلاحها إداريا، طالما ثبت أن المعني لم يستفد هو أو أقاربه من امتيازات ناجمة عن هذا القرار، الأمر الذي يكرس عزم القيادة السياسية على حماية المسيّرين ورفع التجريم عنهم”.
ويبدو أن خللا يعتري المنظومة الهيكلية للسلطة الجديدة؛ فتحت ضغط المقاربة الأمنية الشاملة أصيبت المؤسسات المحلية التي تمثل الواجهة الأولى للدولة بحالة من الشلل ولم تعد تؤدي دورها في التكفل بالانشغالات اليومية للمواطنين، الأمر الذي عمق القطيعة بين الشارع والحكومة وزاد من اهتزاز الثقة بين الطرفين.
وكان تبون قد أجرى حركة واسعة في سلك الولاة خلال الأسابيع الأخيرة؛ حيث أنهى مهام البعض منهم وحوّل البعض الآخر إلى ولايات أخرى. غير أن العملية كرست عدم الاستقرار داخل كوادر الإدارة، كما جسدت غياب محاسبة هؤلاء ومساءلتهم، في ظل محدودية دور وصلاحيات المجالس المحلية المنتخبة على مستوى الولايات والبلديات.
لكن الرئيس تجاهل الاعتراف بالفشل المزمن داخل المؤسسات المركزية والمحلية للدولة، وفشل القيادة السياسية في ردم الهوة بينها وبين الشارع الذي يعيش على وقع أزمات متراكمة في مختلف القطاعات، بما فيها البيروقراطية والمحسوبية على المستوى المحلي.
وفيما يقترب رئيس الدولة من طي عامه الثالث كرئيس للدولة، لم ينزل لحد الآن إلى الميدان ولم يجر أي زيارة ميدانية إلى الشارع في العاصمة أو أي مدينة أخرى.
وباستثناء زيارات مقتضبة قام بها تبون إلى العاصمة ووهران، فإنه على غير عادة أسلافه لم يقم بأي زيارة ميدانية لتفقد الأوضاع التنموية والمعيشية للسكان، رغم مرور قرابة الثلاث سنوات على انتخابه رئيسا للدولة، الأمر الذي يكون أحد أسباب الأزمة الهيكلية التي تعيشها الأجهزة التنفيذية مركزيا ومحليا.
ورغم مراجعة التقسيم الجغرافي للبلاد -برفع تعداد الولايات من 48 إلى 58 ولاية، بغية ما أسمته الحكومة تقريب الإدارة من المواطن واختصار الفوارق الجغرافية المسجلة في بعض الولايات الداخلية والصحراوية- إلا أن أداء المؤسسات المحلية يبقى بعيدا عن طموح السكان، والحاصل إلى حد الآن هو إضافة هياكل جديدة فقط، هي في الأصل عبء آخر على الخزينة العمومية بدل أن تكون أداة لتحسين الخدمات والتكفل بانشغالات مواطنيها.