أكبر الأحزاب الإخوانية الجزائرية في مفترق طرق

اسيبل ريم

تستعد حركة مجتمع السلم الجزائرية في صمت لعقد مؤتمرها الثامن في ربيع العام المقبل، ويجري التحضر للاستحقاق المصيري في مسار أكبر الأحزاب الإخوانية بالبلاد على نار هادئة، لكن ذلك لا يحجب التحديات التي تواجهها حمس، في ظل انكفاء الطبقة السياسية عموما والأحزاب الإسلامية تحديدا.

الجزائر – أبدى الأمين العام لحركة “حمس” الإخوانية عبدالرزاق مقري رغبته في التخلي تدريجيا عن صلاحياته ومسؤولياته، استعدادا لمؤتمر الحركة المقبل.

وبهذا الإعلان تكون “حمس” قد وصلت إلى مفترق طرق، فالقيادة الحالية لا يمكن التجديد لها بموجب النصوص الداخلية، كما أنه لا توجد في الأفق معالم قيادة جديدة تتبلور للاضطلاع بمصير الحركة في المستقبل، وإخراجها من ثنائية المشاركة في السلطة وأداء دور المعارضة الصورية.

وفي رسالة وجهها مقري لجمهوره ولأنصاره في “حمس” ألمح إلى مرحلة تقييم شخصي يقوم بها خارج الأراضي الجزائرية، وهو ما يعطي الانطباع برسالة وداع، تفتح الباب أمام التأويلات لمخارج المؤتمر المذكور، ببقاء الحركة في نفس الخط السياسي الذي أوصلها إلى طريق مسدود، أو العودة إلى ما كان يعرف بخيار “المشاركة” مع السلطة.

وذكر مقري في رسالته “لم يحدث أن غبت عن الوطن لمدة طويلة كما هي رحلتي التي انتهت اليوم إلى كندا، لا شك أن اقتراب نهاية عهدتي في هياكل الحركة يقتضي مني التخفيف من المسؤوليات قبل الأوان ليكون الانتقال سلسا في موعده لمصلحة الحركة ومصلحة الجميع”، وهو ما يوحي إلى أن الرجل يرغب في الانسحاب تماما من الحركة.

حمس لديها حاليا كتلة نيابية تقدر بـ64 نائبا، وهي ثالث قوة سياسية بعد جبهة التحرير الوطني والمستقلين

ومقري، هو واحد من القيادات المؤسسة لأكبر الأحزاب الإخوانية في الجزائر، وتدرج في مختلف المسؤوليات إلى أن صار أمينا عاما لـ”حمس” في أعقاب موجة الربيع العربي، التي رسمت أحلاما وردية للإخوان في الجزائر بالهيمنة على السلطة أسوة بالسيناريو الذي حدث حينها في مصر وتونس، وكان الرجل حينها عراب القفز من قارب السلطة إلى خندق المعارضة، لكن تطور الأحداث في الجزائر أفضى إلى نهاية غير طبيعية للقوى السياسية التقليدية، لأن السلطة الجديدة لم تعد تراهن عليها مطلقا، في ظل ميلاد قوى موالية ليس في مقدورها الجهر بمطالبها في مكاسب أو مغانم.

وتم تنصيب لجنة تحضير المؤتمر التي تعكف بدورها على ضبط كل التفاصيل بعيدا عن الأضواء، لكن ذلك لا يحجب الخلافات الداخلية حول المناصب القيادية، الأمر الذي جعل حركة “حمس” منذ رحيل مؤسسها محفوظ نحناح العام 2003، أكبر حاضنة لتفريخ القوى السياسية، حيث تشكلت منها عدة قوى بعد انشقاق قادتها، كما هو الشأن لجبهة التغيير التي يقودها عبدالمجيد مناصرة، وحركة البناء الوطني التي يقودها عبدالقادر بن قرينة، الذي خاض الانتخابات الرئاسية الأخيرة.

ويرى متابعون لشؤون الإسلام السياسي في الجزائر أن هناك عدة خيارات لعملية تحضير المؤتمر الثامن لحمس، أبرزها “الذهاب إلى تعديل اللوائح في المؤتمر المقبل وفتح العهدات لإسقاط مانع الترشح الذي يتعارض مع مضمون البند 36 من القانون الأساسي للحزب”.

وينص البند المذكور على أن “رئيس الحركة يُنتخب لعهدة مدتها خمس سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة”، وهذا الخيار يكرس نمطا سياسيا يحكم العديد من القوى السياسية في الجزائر، حيث ينفرد المؤسسون بالمناصب القيادية خارج الممارسة الديمقراطية ومبدأ التداول على السلطة، كما هو الشأن لرئيس حزب جبهة العدالة والتنمية الآخر عبدالله جاب الله، ولرئيسة حزب العمال لويزة حنون.

مقري وجه رسالة لجمهوره ولأنصاره في “حمس” ألمح إلى مرحلة تقييم شخصي يقوم بها خارج الأراضي الجزائرية، وهو ما يعطي الانطباع برسالة وداع

ويذهب الخيار الثاني إلى أن مقري بهذه الرسالة يكون قد حسم برفض مسألة التمديد له، وقد أعطى إشارة لأنصاره بالالتفاف حول مرشح يظهر في الأفق، له من الأفكار ما يمكن حمس من مواصلة تبني مواقفها المعروفة بعد موجة الربيع العربي، وقطع الطريق على حظوظ عودة حمس إلى حضن السلطة وإلى خيار المشاركة الذي رفعته منذ منتصف تسعينات القرن الماضي.

وتداول على رئاسة حمس منذ تأسيسها مطلع التسعينات ثلاثة قادة، هم المؤسس محفوظ نحناح ثم أبوجرة سلطاني، وهي المرحلة التي تميزت بالتماهي مع السلطة ومشاركتها في مختلف المؤسسات المنتخبة والتنفيذية، كما كانت أحد أطراف ما كان يعرف بالتحالف الحزبي المؤيد للرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة، أما القيادي الثالث فهو عبدالرزاق مقري، الذي تميزت مرحلته بابتعاد حمس عن السلطة وارتدائها ثوب المعارضة، لكنها فشلت في أداء الدور المذكور، بسبب مواقفها التي عادة ما تكون بدورها خطا ثالثا بين المعارضة الراديكالية والسلطة.

وتحوز حمس حاليا على كتلة نيابية تقدر بـ64 نائبا، لتكون بذلك ثالث قوة سياسية في البلاد بعد جبهة التحرير الوطني والمستقلين، واختارت خندق المعارضة، لكن صوتها يبقى خافتا بسبب الغموض الذي يكتنف مواقفها، وحجب الأضواء عليها من طرف غالبية الكتل التي اختارت موالاة السلطة.

وتعرف الجزائر منذ انتخاب تبون رئيسا للبلاد في 2019، تراجعا لافتا لدور وأداء الطبقة السياسية عموما، فحتى قوى الموالاة لم يعد لها وزن في المشهد، بعدما تكون السلطة بصدد التخلي عنها تدريجيا لصالح قوى جديدة، أما المعارضة فهي لم تعرف وضعا مماثلا في السابق كما هو الآن، بسبب تراجع هامش الحريات السياسية والنقاش العام في البلاد.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: