خبرة عبدالحميد عدُّو الطويلة في القطاع السياحي والطيران المدني كانت ثمرة مسار مهني وأكاديمي متين، وجعلته يشغل اليوم موقع رئيس الشركة الوطنية للخطوط الملكية المغربية. هذه الشخصية التي تمرست بوضع الخطط تنتظرها مهام كثيرة في سبيل تطوير الشركة ومواجهة التحديات والانتقادات، ومنْحها إشعاعا دوليا، وخصوصاً تطوير أدائها في ظل المنافسة الدولية الشرسة التي تشكل تحديا يتمثل في الاستجابة للتطورات التي تعرفها حركة تنقل الأشخاص.
انطلق من مدرسة الفنون التطبيقية بباريس ذائعة الصيت، والتي تلقى فيها تحصيله الأكاديمي قبل أن يتمكن من كسب خبرة عملية كبيرة داخل المغرب، حين كان يتولى رئاسة العديد من الإدارات العمومية الكبرى، وصولاً إلى قيادة المكتب الوطني للسياحة.
شكل انتشار فايروس كورونا ضربة موجعة لشركة الطيران الملكية المغربية، بسببها اضطرت إلى تجميد أسطولها على غرار باقي الشركات، وهو ما تسبب في تدهور مؤشرات النشاط، حيث كانت حركة الملاحة الجوية وأرقام المعاملات في تصاعد. فقرر رئيس الشركة تفعيل خطة تقشفية لمواجهة هذا الوضع والتقليل من آثاره السلبية على خزينتها ونتائجها السنوية، وهي الخطة التي تتضمن إجراءات لخفض التكاليف، من بينها تجميد الوظائف وتوقيف المشتريات غير الأساسية وبرمجة عطل الموظفين.
وتسببت الجائحة في مغادرة 858 موظفاً من بين 5000 موظف، واكتفت الشركة بثلثي أسطولها بعدما كانت تتطلع إلى مضاعفته لمواجهة المنافسة في السوق، وتوقفت 20 طائرة عن التحليق، من بينها 4 طائرات بوينغ 787، وألغيت خطوط نحو عواصم عالمية.
راهن البعض على تقوية حضور الدولة في الشركة عبر ضخ سيولة، بينما توقع آخرون فتح رأسمالها أمام شركة طيران عالمية، ما يوسع آفاقها نحو أسواق بعيدة. وفي عام 2011 وضع عدّو أولى خطوط برنامج جذب مليون سائح إسباني في أفق عامين، إلا أن تداعيات الوضع الإقليمي والدولي المتسم بالتهديدات الإرهابية أجّلت خطته. لكن رئيسه آنذاك وزير السياحة لحسن حداد اعتبر أنه لم يتجاوب مع ملاحظات وتوصيات المفتشية العامة للمالية، وعجز عن تحقيق الأهداف الرقمية المسطرة في قطاع السياحة برسم سنة 2012.
إكراهات الجائحة
بعد سنوات، وحين واجه أزمة الوباء، كان مستوى السيولة المالية أعلى مما كان عليه في السنوات السابقة، مما مكن الشركة من الصمود لعدة أشهر، دون الحاجة إلى اللجوء لأي مساعدة من الدولة. بعد ذلك جاء رد فعل المساهمين في الشركة، أي الدولة وصندوق الحسن الثاني، سريعا؛ إذ قاما بتوفير الوسائل اللازمة للحفاظ على استدامة عمليات الخطوط الملكية المغربية.
وقد توقفت جميع شركات الطيران في المغرب عن العمل لأكثر من سنة ونصف السنة بسبب الجائحة، إثر قرار الحكومة إغلاق الحدود باستثناء الخطوط الجوية الملكية المغربية التي تقوم برحلات داخلية، وهذا راجع إلى المناعة القوية التي قال عدو إنها “وسيلة جعلتنا نجدد أنفسنا ونجلب الموارد المالية ونبدع ونخلق الديناميكية اللازمة للخروج من هذه الأزمة”.
ولهذا التزمت الشركة تحت إدارة عدو بتطبيق خطة تقشف صارمة مكنت من توفير أكثر من مليار درهم من النفقات المخطط لها للعام 2020، كما تم تنفيذ مخطط اجتماعي، إذ جرى البدء في تنفيذ عملية المغادرة الطوعية مع حركة واسعة لتسريح العمال لأسباب اقتصادية، وتم إطلاق طلب عروض دولي من أجل بيع 6 طائرات بوينغ 737 – 700.
وُوجه عدو منذ توليه مهمته بانتقادات كثيرة تعلقت بخدمات الشركة، سواء ارتبط الأمر بحجز تذاكر الرحلات أو تعديل تواريخ الحجز أو الحصول على معلومات تخص تفاصيل ضياع الأمتعة أو تأخرها عن الوصول في نفس الرحلة، هذا بالإضافة إلى مشاكل إلغاء الرحلات دون معلومات وافية للركاب، أو تأجيلها دون التكفل بالركاب في العديد من الحالات.
وعندما تحدث الرجل عن قدرة الشركة على المساهمة في الدفع بالسياحة المغربية باعتبارها الناقل الوطني الذي يمكنه الترويج لعلامة “زوروا المغرب”، قال منتقدوه إن الخدمات يجب أن ترتقي إلى مستوى الطموحات لأجل أن يكون التسويق للسياحة في المغرب موضوعياً وواقعياً، فرحلة الخطوط الملكية المغربية من أميركا عامة إلى المغرب مكلفة ماديا، لكن يفضلها البعض لاقتصاد وقت السفر الذي يصل أحيانا إلى 6 ساعات وعشر دقائق، كما في حالة خط بوسطن – الدار البيضاء، وهي مدة قياسية جدا، لكن حالات تأخير الإقلاع لأسباب متعددة قد تستغرق الرحلة فيها أكثر من 48 ساعة للوصول إلى الوطن.
وقد كان واضحا ومباشرا حين رد على ملاحظات البرلمانيين في هذا الخصوص بقوله إنه ليست لديه الإمكانيات، ولو كانت متوفرة لما ظهرت كل هذه المشاكل المتعلقة بتأخر الرحلات، وحتى إذا تمت مقارنة خدمة الشركة مع الشركات المنافسة، فهذه الأخيرة لديها طائرات كثيرة، وبالتالي حين يحصل عطب في إحدى الطائرات يتم تعويضها، بينما تضطر الخطوط الملكية المغربية إلى انتظار إصلاح الطائرة في حال وجود أعطاب، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن نسبة انتظام مواعيد الرحلات لدى الشركة تناهز 84 في المئة.
مع ذلك يرى عدّو أن لا انتقادات دون حركة، وكلما كان العمل متواصلا كانت العيون راصدة لأي هفوة ولو كانت صغيرة، فهي مرتبطة بدينامية العمل الجبار الذي تقوم به الشركة، دينامية جعلت الخطوط الملكية المغربية تصنف الأولى على الصعيد الأفريقي، والرابعة كأفضل ناقل جوي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بعد كل من شركة الاتحاد للطيران وطيران الإمارات والخطوط الجوية القطرية. واعتبر عدّو التتويج الذي جرى السنة الماضية بلوس أنجلس بمثابة اعتراف مباشر من زبائن الشركة في العالم بالمجهودات التي يبذلها 4000 موظف يعملون من أجل توفير الراحة للزبون.
حتى برلمانيو الأغلبية والمعارضة انتقدوا أداء عدّو بسبب تخلي شركته عن تشغيل الطيارين المتدربين، الذين أصبحوا مهددين بالسجن إذا لم يسددوا القروض البنكية التي استفادوا منها في تمويل دراستهم التي تلقوها بالمدرسة الوطنية للطيران المدني في فرنسا، حيث يواجه ما يقارب 105 من الطيارين المتدربين المغاربة مصيرا مجهولا بعدما تخلت عنهم شركة الخطوط الملكية المغربية، وكان يفترض أن يشتغلوا معها، لكن أزمة كوفيد – 19 جعلت الشركة تتخلى عنهم دون منحهم أي تعويض، ما جعل وزير النقل محمد عبدالجليل ينافح عن الشركة بالقول إنها التزمت بتشغيل هذه الفئة عند الحاجة، وذلك من خلال عقود وقعها الطيارون المتدربون، ولا تتحمل مسؤولية تشغيلهم بعد انتهاء فترة تدريبهم.
وخلّف الزي الجديد لأطقم الشركة من الموظفين والمضيفين الجويين أو العاملين على الأرض، بألوان فاقعة، الكثير من الجدل، سواء من طرف كبار مسؤولي الشركة أو من قِبل نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، كون الألوان لا تتضمن اللون الأحمر والأخضر اللذين يعبران عن خصوصية العلم المغربي الذي تعتمده الخطوط الملكية المغربية في هويتها البصرية لطائراتها، وبعيدة عن هوية وثقافة المغرب ورموزه.
وهو اختيار لم يكن ليمر دون موافقة رئيس الشركة، وبالنسبة إليه الجواب هو أن هذه الألوان زاهية ودافئة، ومستوحاة من البيئة مثل اللون الأرجواني الذي يمثل هوية بصرية جديدة للعلامة التجارية للشركة، على النقيض مما رآه معارضوه الذين استندوا إلى فكرة أن كبريات الشركات الوطنية للطيران تعتمد بالأساس في لباس أطقمها على هوية مستندة إلى العلم الوطني للبلاد.
أعلى المعايير
لقد تمكنت الخطوط الملكية المغربية من التطوّر من خلال الارتقاء إلى مستوى الشركات العالمية المرجعية، عبر جميع مكونات تصاميمها والخدمات الخاصة بها. ومن خلال إدارته اليومية لشؤون الشركة يرى عدو أن هذه الشركة تجدد نفسها بشكل فعلي، وهدفها تحقيق أعلى المعايير في قطاع الطيران، وأن إطلاق تصميم جديد للزي الرسمي الذي سيرتديه الموظفون، يعدّ حدثا رئيسيا بالنسبة إلى شركة تشكل علامة قوية على التجديد، ومؤشرا هاما على صورتها وقيمها المستوحاة من الثقافة المغربية والأفريقية.
لا يكتفي عدّو بالزي فقط، بل هناك عدد من الخدمات والمنتجات التي تتوخى تعزيز سمعة العلامة التجارية والاستجابة أكثر لرغبات وطموحات زبائن الشركة؛ فهناك ابتكارات تم إجراؤها على مستوى الخدمة ستسمح للشركة بحمل زبائنها في تجربة أعيد تصميمها بالكامل، من أجل توفير المزيد من الجودة والراحة والقرب.
◙ امتياز عدو الأبرز هو انتخابه لعضوية مجلس محافظي اتحاد النقل الجوي الدولي (إياتا)، في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ الشركة الوطنية والمغرب
وقد جعلته رؤيته الإدارية يسعى لتعزيز انفتاح شركة الطيران المغربية على عدد من الشركاء الأجانب؛ فقد عقد اتفاقية مع طيران الإمارات قبل أشهر قليلة، تعزيزا للحركة الجوية، ويرى أن هذه الاتفاقية ستوفر للزبائن مجموعة كبيرة من الوجهات، بالإضافة إلى تجربة سفر أفضل وخيارات أوسع لمواصلة الرحلات وإنجاز إجراءات السفر وصولاً إلى الوجهة النهائية، عبر المطارات الدولية التي تغطيها شبكتا الخطوط، إلى جانب توقيعه على بروتوكول تعاون يهم تطوير العلاقات مع شركة الطيران الإسرائيلية “العال”، بغرض العمل معا على تقديم أحسن الخدمات.
امتياز عدو الأبرز هو انتخابه لعضوية مجلس محافظي اتحاد النقل الجوي الدولي (إياتا)، في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ الشركة الوطنية والمغرب؛ فحضور الخطوط الملكية المغربية في هيئات صنع القرار في العالم، كاتحاد النقل الجوي الدولي أو اتحاد الخطوط الجوية العربية، خلال السنوات الأخيرة هو بالنسبة إلى عدّو ثمرة نهج جديد يهدف إلى إرساء ريادة قارية واضحة وتعزيز الشراكات الإستراتيجية مع مختلف النظراء من القارة أو من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
لقد عبرت الشركة من خلاله عن الإستراتيجية التي كانت تنتظر الوصول إليها بالاستجابة للطلب على الرحلات الطويلة، وترسيخ وجودها في القارة الأفريقية، والمساهمة في تحقيق أهداف الإستراتيجية السياحية للمملكة، خاصة أن الفاعلين يعتبرون أن جذب سياح من البلدان الصاعدة في هذا المجال رهين رفع قدرات النقل الجوي في ظل المنافسة القوية والشرسة.
المدير الطموح البالغ من العمر 51 عاما كان دائم التعبير عن تطلعه إلى رفع الخطوط الملكية المغربية إلى مستوى مواجهة المنافسة المحتدمة في الأجواء العالمية، وكان توقعه قبل الجائحة رفع عدد الطائرات من 61 إلى 120 طائرة، ما يقتضي استثمارا بحوالي ثلاثة مليارات دولار.
منافسة شرسة
يعتبر عدو أن المناخ التنافسي المحيط بعمل شركة الخطوط الملكية المغربية محفوف بالمخاطر؛ فالشركة التي يترأسها تعمل على تعزيز موقعها الجغرافي التاريخي بمحور أوروبا – أفريقيا الغربية وتنمية مواقع جغرافية جديدة، وضمان تحول رقمي للاستجابة لتطلعات الزبائن، والانضمام إلى التحالف الدولي “وان وورلد”، بما يمكننا من الاستفادة من 1035 مسارا.
وقبل 15 سنة كان أسطول الخطوط الجوية التركية متساويا مع الأسطول المغربي، إلا أن الأتراك استثمروا كثيرا في هذا المجال بدعم مباشر من السلطات، فيما ظل الأسطول المغربي في حدود 61 طائرة، كما أن إثيوبيا قامت باقتناء 65 طائرة جديدة لتضاف إلى 110 طائرات من الأسطول الحالي، هذا قبل ثلاث سنوات، ما يعني أن عدو الذي ترصد عينه المتغيرات يطمح إلى تقوية الشركة للمنافسة على الأسواق، فهناك 60 في المئة من زبائن الشركة من السياح الأجانب، و25 في المئة من الجالية المغربية المقيمة بالخارج، وهما من الأرقام التي تحتاج الشركة إلى مضاعفتها بمنتوج أفضل.
◙ برلمانيو الأغلبية والمعارضة انتقدوا أداء عدّو بسبب تخلي شركته عن تشغيل الطيارين المتدربين المهددين بالسجن إذا لم يسددوا القروض البنكية
وانخرط عدو في خطة فتح آفاق جديدة أمام الشركة الوطنية، بإشرافه على إطلاق أول خط جوي يربط الدار البيضاء بالعاصمة الصينية بكين، كبادرة لإقناع الحكومة بمضاعفة الأسطول المغربي، لكن جاءت جائحة كورونا فتمت فرملة المشروع من كلا الطرفين اللذين كانا يتطلعان معا إلى جذب السياح ورجال الأعمال وإنعاش المبادلات التجارية.
ورغم كل الانتقادات تعرف الشركة طفرة تتيح لها توسيع شبكتها ومضاعفة وجهاتها، كما ستعمل على تعزيز ترويج السياحة للمغرب والدول الأفريقية التي تؤمّن الخطوط الملكية المغربية رحلات فيها، وإبراز الدار البيضاء كأهم قاعدة جوية لربط أفريقيا بباقي العالم. هكذا يرى عدو الأوضاع، وعليها أسس قراراته وإجراءاته، ما أهّل الشركة لأن تقوم بـ1900 رحلة في الأسبوع إلى نحو أكثر من 80 وجهة في العالم.
واتخذ عدّو قرار إعادة النظر في طريقة التوظيف إلى جانب بيع 10 طائرات من أصل 60 طائرة، وفتح باب المغادرة الطوعية أمام مستخدمين من ضمنهم ربابنة والالتحاق بشركة فرعية تعود ملكيتها إلى شركة الخطوط الملكية المغربية بنسبة مئة في المئة، وتلك القرارات جاءت لملاءمة نفقات الشركة مع الظرفية التي سببتها مخلفات الجائحة التي نجم عنها توقف شبه كلي لحركة الطيران لمدة سنتين، وكان ضروريا أن تتحكم الشركة في نفقاتها لتأمين استمراريتها داخل سوق مفتوحة تسودها منافسة قوية.