أتبث عبد اللطيف الميراوي، وزير التعليم العالي والبحث العلمي والإبتكار ، بصفة لا تدعو إلى الشك ، على فشله الدريع لتسيير قطاع علمي وطني حساس ، حيث بصم بأصابعه الخمسة على سنة “كارثية” بإمتياز ، وهو على رأس وزارة تراهن عليها الحكومة كثيرا في النهوض بمنظومة التدريس الجامعي والإرتقاء بالبحث العلمي.
لقد مرت سنة جامعية أولى ، وهو وزيرا للتعليم العالي على إيقاع الفضائح الأخلاقية “قضايا الجنس مقابل النقط”، وإحتجاجات الأساتذة ، وكذا إحتجاجات آباء وأمهات الطلبة المغاربة العائدين من أوكرانيا ، ووعوده الزائفة لأسر الطلبة المتضررين .
برز إسم عبد اللطيف ميراوي على رأس قائمة المهددين بمغادرة حكومة عزيز أخنوش في أول تعديل ستعرفه الحكومة ، الوزير الذي وجد إسمه على قائمة المغضوب عليهم ، والمهدد من الإبعاد عن المسؤولية بوزارة التعليم العالي ، بعد أن طاردته الفضائح ، الأمر الذي لا يبدو غريبا على من يتابعون المسار الوزاري القصير لوزير التعليم العالي والبحث العلمي والإبتكار ، الرجل الذي نال منصبه بجبة حزب من الأحزاب الأوائل المعدودين على الأصابع بالمغرب ، ليرتبط إسمه بالفضائح أكثر من إرتباطه بالإنجازات ، والذي تعقدت في عهده ملفات كثيرة كان من المفروض أن تلقى حلا عاجلا .
وإن تحققت كل هذه التكهنات ، سيكون ميراوي قد جنى ثمار سوء تدبيره للعديد من الملفات ، ففي عهده وقعت أزمة الطلبة المغاربة الذين كانوا يدرسون في أوكرانيا والذين أجبرتهم ظروف الحرب على مغادرة البلاد، وهو الملف الذي لم يجد له حلا إلى الآن ، في الوقت الذي دخلت فيه الحكومة الأوكرانية على الخط من أجل إيجاد بدائل لهؤلاء الطلبة داخل الجامعات الأوروبية ، وهو أيضا المتهم بإقبار نظام “الباكالوريوس” بمجرد أن بدأ العمل به ، ليضع مصير آلاف الطلبة على كف عفريت.
لكن أكبر فضائح الوزير المهدد بالإعفاء ، هي التي افتُضح أمرها بالدلائل حسب بعض المصادر الإعلامية أوائل شهر يوليوز المنصرم ، حين كشفت أن ميراوي ، بصفته رئيسا لجامعة القاضي عياض بمراكش ، وقع إتفاقية مع جامعة التكنولوجيا Belfort Montélimar خدمة لمشاريع الفرانكفونية ، مقابل تلقي تعويضات بقيمة تقارب 260 ألف أورو ، إنطلاقا من أن الجامعة الفرنسية ستتكفل بـ90% في المائة من كلفة الإتفاقية ، نتيجة “محدودية موارد” نظيرتها المغربية ، الأمر الذي جعله يواجه إتهامات بتضارب المصالح.
القضية لاحقت الوزير إلى قبة البرلمان ، حين قدم فريق التقدم والإشتراكية بمجلس النواب طلبا للجنة التعليم والثقافة والإتصال للإجتماع حول الموضوع بشكل عاجل ، على إعتبار أن المعني بالأمر كان يتلقى تعويضات من جامعتين مختلفتين ، علما أن هذه المسألة ترتبط بقضية الهوية المغربية أيضا ، على إعتبار أن المطلوب منه كان هو دعم مشاريع وبرامج تتعلق بنشر الفرنكفونية ، وقد كان عضوا في الوكالة الجامعية للفرانكفونية ما بين 2013 و2017 ، تضيف ذات المصادر .
هذا في وقت دخل فيه الوزير الميراوي في صراع مع أبناء جلدته أساتذة التعليم العالي ، أيضا بسبب مشروع نظامهم الأساسي ، وحتى بعد إجتماعه مع نقابتهم الوطنية في يونيو الماضي ، فإن الأمر زاد سوءا بعدما أصدرت موقفا تعتبر فيه أن وزارته مسؤولة عن عن إشتداد الإحتقان في الوسط الجامعي ، وعن جو التذمر واليأس المتعاظم لدى الأساتذة الباحثين ، في ظل تأخر إخراج النظام الأساسي ، على الرغم من إنتهاء جولات الحوار بشأنه منذ ماي من سنة 2021 ، ملوحة بتصعيد كارثي قد يشل الجامعات المغربية .
كما أنه همش دور الأساتذة الجامعيين في ما يتعلق ب “البرامج الإستراتيجية لتنمية الجامعات” ، ووضع العراقيل أمام مسطرة صرف مستحقات ترقية الأساتذة الباحثين ، ورفع الإستثناء عن حملة الدكتوراه الفرنسية ، وتصفية ملف الخدمة المدنية ، ورفع الحيف عن الأساتذة الباحثين الذين وظفوا في إطار أستاذ محاضر، واحتساب الأقدمية المكتسبة في سلك الوظيفة العمومية.
كما أن فترة تسييره للوزارة المعنية عرفت فضائح بالجملة ، كان آخرها السرقات العلمية لبحوث الماستر بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالمحمدية ، الفضيحة التي طرقت أبواب البرلمان، حيث أثار أحد النواب قضية الغش والإساءة للبحوث العلمية التي طالت بحوث نهاية التكوين لطالبات وطلبة فوج 2019-2022.
وبالرغم من التجربة التي راكمها في التدريس الجامعي وخبرته التي إكتسبها على رأس إحدى أهم الجامعات المغربية “القاضي عياض بمراكش”، إلا أنها لم تشفع له في فهم دواليب تسيير وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والإبتكار ، حيث أفرز تسييره سنة “كارثية” لوزارته ، التي كانت تراهن عليها الحكومة كثيرا في النهوض بمنظومة التدريس الجامعي والإرتقاء بالبحث العلمي.
لقد مرت السنة الجامعية الأولى من فترة تسييره للقطاع على إيقاع الفضائح الأخلاقية ” قضايا الجنس مقابل النقط” ، وإحتجاجات الأساتذة ، وكذا إحتجاجات آباء وأمهات الطلبة المغاربة العائدين من أوكرانيا.
فما زالت فترة تسيير الميراوي لوزارة التعليم العالي ، تعرف إرتباكا وإرتجالا في طريقة التسيير والتدبير ، كما أن السنة الجامعية الأولى لتسييره ، واكبها العجز في إبتكار الحلول للنهوض بالجامعة المغربية والإرتقاء بالبحث العلمي ، حيث سجل غياب الجامعات المغربية عن لائحة “أفضل ألف جامعة في العالم لسنة 2022″، التي كشف عنها تصنيف شنغهاي الأخير.
وبالرغم من قيام الوزير الميراوي ، ببعض التدابير من قبيل إعفاء رئيسة جامعة الحسن الأول بسطات ، وتضحيته بالعديد من رؤساء الجامعات المغربية الأكفاء أمثال رئيس جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس “رضوان مرابط” ، إلا أن الإساءة البالغة التي لحقت الجامعة المغربية وأطرها فترة تسييره ، لم تمح بعد وستظل وصمة عار على جبين فترة تسييره لوزارة التعليم العالي .