سعى كل طرف خلال المشاورات بين برلمانيي الجزائر والاتحاد الأوروبي لتغليب مصالحه، فالنواب الأوروبيون ركزوا على مسائل ضمان الجزائر للغاز للأسواق الأوروبية والتلويح بأوراق الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان، بينما تشبث نظراؤهم الجزائريون بملف التنقل والهجرة ومراجعة بنود اتفاق الشراكة الاقتصادية.
يحاول كل طرف في المشاورات الجارية بين برلمانيي الجزائر والاتحاد الأوروبي دفعها لوجهته ووفق مصالحه، ففيما يسعى نواب الجزائر للتركيز على الشراكة الندية بين الطرفين ومراعاة المصالح الثنائية وتنقل الأشخاص، يضغط نواب الاتحاد الأوروبي من أجل ضمان الغاز الجزائري في الأسواق الأوروبية، بالموازاة مع إثارة العديد من الملفات كالديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات والأزمة مع إسبانيا.
ويجري أعضاء اللجنة البرلمانية المشتركة الجزائرية – الأوروبية مشاورات موسعة في الجزائر حول العديد من القضايا والملفات التوافقية والخلافية، حيث ظهر أن كل طرف يعمل على ترجيح مقاربته في العلاقة المفترضة بين الطرفين، وهو ما أفرز حالة من الصدام، لما تعلق الأمر بنوع من الابتزاز، بحسب مصادر نيابية جزائرية.
وطفت على سطح النقاشات مسائل ضمان الجزائر للغاز للأسواق الأوروبية، والتلويح بأوراق الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان، في حين يتمسك الطرف الجزائري بمبدأ العلاقات الندية ومراعاة المصالح المشتركة وتنقل الأشخاص، في إشارة إلى التضييق الممارس على الجزائريين الراغبين في الحصول على التأشيرة الأوروبية، ومراجعة بنود اتفاق الشراكة المبرم بين الطرفين العام 2005، والذي أظهر تباينا كبيرا في تحقيق العائدات والفوائد بين الطرفين، فضلا عن احترام مواقف وسيادة بلادهم.
النواب الأوروبيون طالبوا بضمان المزيد من إمدادات الغاز من الجزائر تحسبا لأي اختلالات في التزويد خلال الشتاء القادم
وكان البرلمان الأوروبي قد طرح في العديد من الجلسات وضعية حقوق الإنسان في الجزائر، بعد توصله بملفات وشكاوى طرحها ناشطون سياسيون معارضون يقيمون في دول الاتحاد، ودعا السلطات الجزائرية للامتثال إلى ما أسماه بـ”القواعد الأساسية لحقوق الإنسان واحترام الحريات الفردية والجماعية”، خاصة خلال احتجاجات الحراك الشعبي عامي 2019 و2020، وهو ما أزعج النظام الجزائري واعتبره تدخلا في الشؤون الداخلية للبلاد.
وحسب النص الكامل للإعلان المشترك لأشغال الدورة الأولى للجنة البرلمانية المشتركة الجزائرية – الأوروبية، فإن الهدف المسطر يكمن في “الحوار السياسي، الحوكمة، دولة القانون وترقية الحقوق الأساسية، التعاون، التنمية الاجتماعية والاقتصادية الشاملة، التبادلات التجارية، دخول السوق الأوروبية الموحدة، الشراكة الطاقوية، البيئة والتنمية المستدامة، الحوار الإستراتيجي والأمني، البعد الإنساني، وكذلك الهجرة وحركة الأشخاص”.
وحسب مصدر برلماني فضل عدم الكشف عن هويته، فإن “النواب الأوروبيين أبدوا تحمسا لضمان المزيد من الإمدادات من الجزائر نحو قارتهم، تحسبا لأي اختلالات في التزويد خلال الشتاء القادم، بسبب الإفرازات الناجمة عن الصراع الأوروبي – الروسي في الأزمة الأوكرانية، وهو الطلب الذي أكد النواب الجزائريون على أن بلدهم مصدر موثوق وشريك هام لأوروبا، وأن الحكومة تلتزم بتعاقداتها المبرمة”.
وأضاف “النقاش حول الطاقة كان مستفيضا واستنفذ وقتا طويلا من المشاورات، أين ظهر إلحاح أوروبي على ضرورة التزام الجزائر بضخ المزيد من الكميات إلى الأسواق الأوروبية، بينما كان الطرف الجزائري يعرب عن التزام الحكومة بالتعاقدات المبرمة وبتقديم كميات إضافية”، بينما لم يفصح عن الغموض الذي يكتنف التبادل الطاقوي بين بلاده وبين إسبانيا في ضوء الأزمة التي تخيم على علاقات البلدين منذ عدة أشهر.
كل طرف يعمل على ترجيح مقاربته في العلاقة المفترضة بين الطرفين، وهو ما أفرز حالة من الصدام
واستغل الوفد الجزائري فرصة اللقاء بين نواب الطرفين لطرح مسألة مراجعة بنود اتفاق الشراكة المبرم بين الجزائر والاتحاد الأوروبي العام 2005، بسبب التباين الكبير في العائدات المحققة منه للطرفين، حيث استفادت دول المجموعة من 30 مليار دولار كتفكيك جمركي، بينما عائدات الجزائر كانت رمزية، كونها بلدا غير مصدر، ولذلك سعى الوفد لإقناع الأوروبيين بمقاربة جديدة لقاعدة “رابح- رابح” في الاتفاق المذكور.
كما حاول الوفد إقناع نواب الاتحاد الأوروبي بتفعيل آليات الاستثمار في بلادهم، خاصة في ظل المزايا التي يوفرها قانون الاستثمار الجديد من تحفيزات وضمانات للاستثمارات الأجنبية المباشرة، والشفافية والمرونة التي جاء بها في مسألة حركة رؤوس الأموال وتحويل الأرباح، فضلا عن تعزيز التعاون العلمي والتكنولوجي بين الطرفين.
وحضرت مسألة حركة الأشخاص بقوة في المشاورات النيابية، حيث أعرب النواب الجزائريون على ضرورة “تقديم حكومات الاتحاد الأوروبي المزيد من المنح الدراسية الجامعية والتعاون في مجال البحث العلمي وتسهيل تنقل الطلبة والباحثين الأكاديميين نحو الدول الأوروبية، وتسهيل إجراءات الحصول على التأشيرة والأخذ بعين الاعتبار الروابط الإنسانية بين الضفتين، خاصة أن للجزائر جالية معتبرة في أوروبا وتحديدا بفرنسا”.
وتعد اللجنة البرلمانية المشتركة الجزائر- الاتحاد الأوروبي التي تأسست العام 2018 آلية حديثة بين الطرفين، غير أنها ظلت معطلة طيلة السنوات الأخيرة بسبب التوترات السياسية بين الطرفين، لاسيما في ما يتصل بتداول البرلمان الأوروبي للوضع الحقوقي في البلاد، والذي ظلت الجزائر تعتبره تدخلا في شؤونها الداخلية.
الوفد الجزائري استغل فرصة اللقاء بين نواب الطرفين لطرح مسألة مراجعة بنود اتفاق الشراكة المبرم بين الجزائر والاتحاد الأوروبي العام 2005
ومع ذلك تبقى الوثيقة الأولية للجنة المشتركة تتمسك بقضايا الحريات والحقوق الأساسية والحوكمة الرشيدة، وتقع ضمن أهداف الحوار المفتوح بين الطرفين، ولو أن قضايا التعاون الطاقوي وتأمين الغاز لأوروبا غطت نسبيا على الأجندة المسطرة للجنة البرلمانية.
وكان رئيس المجلس الشعبي الوطني إبراهيم بوغالي قد استقبل في مكتبه وفدا من البرلمان الأوروبي مكونا من أعضاء اللجنة المشتركة الجزائر – الاتحاد الأوروبي، بقيادة رئيسه أندريا كوزولينو، وتمحور اللقاء حول واقع العلاقات بين الجزائر والاتحاد الأوروبي وآفاقها المستقبلية، حسب ما جاء به بيان للمجلس.
وأوضح البيان بأن “انعقاد الدورة الأولى للجنة المشتركة يشكل انطلاقة على أسس جديدة حدد إطارها بوضوح عبدالمجيد تبون رئيس الجمهورية، لتعزيز العلاقات بين الجانبين، لاسيما وأنها مرت بمرحلة فتور خلال سنتي 2019 و2020 نتيجة لبعض التصريحات التي اعتبرت معادية للجزائر”.
وأضاف “الجزائر تتطلع اليوم إلى تعزيز هذه العلاقات وجعلها أكثر توازنا وتميزا لاسيما في إطار الأولويات التي حددها الطرفان والمبنية على مبدأ الحوار والاحترام المتبادل ومراعاة مصالح الطرفين”.