لم ينه وصول رئيس جديد إلى البلاد خلفا للرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة حالة الانفلات المعلوماتي داخل القصر، التي تحولت إلى هاجس يؤرق الرئيس عبدالمجيد تبون الذي اضطر إلى توجيه أمر يجبر الموظفين في القصر والحكومة على ممارسة التحفظ، وذلك بعد نحو أسبوع من نشر خبر إقالة مدير دائرة أمن الجيش قبل إعلانه رسميا.
وجه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، تعليمة داخلية (أمرا) في قصر الرئاسة والحكومة تقضي بالتزام الكوادر والمسؤولين بواجب التحفظ واحترام التسلسل الهرمي والمؤسساتي في التعاطي مع القرارات الرسمية للدولة تجاه الرأي العام، بغية إنهاء حالة الفوضى التي تسود منذ السنوات الأخيرة لحكم الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة، وأفضت إلى إفشاء ما يعرف بـ”أسرار الدولة” وتسريبها إلى جهات مختلفة لأغراض ضيقة.
وفي هذا الشأن ذكرت برقية للوكالة الرسمية، أن “رئيس الجمهورية عبدالمجيد تبون، يمارس الدور المحوري في تسيير شؤون الدولة، فلم يعد تسيير شؤون قصر المرادية (الرئاسة) يتم في إطار مواز، غير رسمي وغير منظم، مثلما كان عليه الأمر لما يزيد عن عشريتين مضتا”.
وأضافت “لقد عكف رئيس الجمهورية على عصرنة تسيير المؤسسة الأولى في البلاد وإضفاء الاحترافية عليها، وتم إحراز تقدم هائل في تسيير هياكل رئاسة الجمهورية، فلا شيء الآن يترك للصدفة حيث وضع الرئيس تبون بصْمته، لاسيما في ما يخص التحولات التي عرفها تسيير قصر المرادية”.
وتعرف الجزائر في السنوات الأخيرة، تسيبا لافتا في تسريب المعلومات وحتى الملفات، حيث كانت وسائل إعلام مقربة من دوائر القرار، تحوز دائما حصرية المعلومة قبل أن يتم الإعلان عنها بصفة رسمية، وكثيرا ما كانت مصدرا للمعنيين، الأمر الذي أفضى إلى حالة من الفوضى وهشاشة المؤسسات.
حالة إفشاء أسرار الدولة التي خيمت على البلاد، هي نتيجة طبيعية للصراعات والتجاذبات القائمة بين أجنحة السلطة
ويرجع متابعون للشأن الجزائري، الفوضى المذكورة إلى ما عرف بـ”القوى غير الدستورية” التي كانت تدير شؤون البلاد باسم عبدالعزيز بوتفليقة، خلال وعكته الصحية منذ العام 2013، وقد كانت تلك القوى تعتمد على أذرعها الإعلامية والسياسية لتسريب المعلومات والملفات بدل المرور عبر القنوات الرسمية.
ويضيف هؤلاء، أن حالة إفشاء أسرار الدولة التي خيمت على البلاد، هي نتيجة طبيعية للصراعات والتجاذبات القائمة بين أجنحة السلطة والمؤسسات، فكل جهة تعمد إلى الاستعانة بموالين لها في وسائل الإعلام والأحزاب والناشطين والمدونين لتزويدها بمختلف المعلومات والملفات من أجل ضرب خصومها، فقد كانت التسريبات في الغالب تتصل بممارسات وقرارات داخلية وتوازنات، ولا علاقة لها بإعلام منظم للجمهور.
واستدلت الوكالة الرسمية على ما أسمته بعودة الانضباط والالتزام داخل مؤسسة الرئاسة، بـ”الإعلان عن التعيينات التي يقرها رئيس الجمهورية، حيث لم تعد المعلومات تتسرب قبل نشر بيان رئاسة الجمهورية، فاليوم لا تجرؤ أي وسيلة إعلام على التكهن بأسماء المغادرين أو الوافدين”.
وتابعت “لقد ولى عهد الإشاعات وتسريب المعلومات صحيحة كانت أم غير ذلك، عندما كانت جريدة إلكترونية وقناة تلفزيونية معروفتان تحوزان القائمة المرسلة من الرئاسة 48 ساعة قبل وكالة الأنباء الرسمية”.
ولفتت إلى أن “الأمور لم تكن تسير على ما يرام في تلك الفترة، فالحركة الأخيرة التي أجراها رئيس الجمهورية في سلك الولاة بعد ثلاثة أشهر من عمل تقييمي دقيق لمردود كل وال، لم تحد عن هذه القاعدة التي رسخها رئيس الجمهورية، فالمعنيون أنفسهم بهذه الحركة لم يتم إعلامهم إلا لحظات قبل الاعلان الرسمي”.
وفي ظل غياب إدارة راشدة في مؤسسات الدولة لتسيير ملف الإعلام، والتضارب في الملعومات، كثيرا ما خيمت الشائعات على شؤون الدولة، وساهم انهيار صدقية وسائل الإعلام لدى الرأي العام، في لجوئه إلى شبكات التواصل الاجتماعي التي باتت تشكل الملاذ الأخير له لمعرفة ما يدور داخل مؤسسات الدولة.
الجزائر تعرف في السنوات الأخيرة، تسيبا لافتا في تسريب المعلومات وحتى الملفات، الأمر الذي أفضى إلى حالة من الفوضى وهشاشة المؤسسات
وحمّل فاعلون في المشهد الإعلامي مسؤولية نشر غسيل الدولة على شبكات التواصل الاجتماعي، وتحولها إلى مصدر موثوق لمعرفة تفاصيل المشهد السياسي والمؤسساتي، للقائمين على إدارة الملف الإعلامي، فضلا عن الصراعات الخفية بين الأجنحة النافذة، الأمر الذي أساء إلى صورة وسمعة الدولة برمتها.
ويتضمن الحقل الإلكتروني صفحات ومدونين معروفين لدى الرأي العام، أصبحوا ذوي ثقل وتأثير في صناعة الرأي العام بصدقية ما يبثونه من تسجيلات ومنشورات، بينما تفتقد القنوات الرسمية في البلاد المعلومة والمصداقية لدى الشارع، الأمر الذي يطرح فرضية التواطؤ الداخلي في الوصول إلى أسرار الدولة وتزويدها بمختلف المعلومات والملفات.
وتبقى تعليمة الرئيس تبون، رهينة مدى اقتناع المعنيين بمضمونها في مختلف مؤسسات الدولة، والتزامهم بتطبيق نصها، في ظل تحول عملية التسريب إلى وسيلة ضغط وتصفية حسابات سياسية بين رموز وأجنحة السلطة.
وكان الكشف عن التغيير الأخير الذي طرأ على رأس مديرية أمن الجيش في جهاز المخابرات باستقدام الجنرال عبدالعزيز نويوات شويطر، خلفا للجنرال سيدعلي ولدزميرلي، قد تم تداوله في عدد من الصفحات والمدونات أياما قبل الإعلان الرسمي عنه، الأمر الذي يؤكد حالة الانفلات المعلوماتي داخل أعتى مؤسسات الدولة.
وأكدت برقية الوكالة الرسمية، أن “الرئيس تبون حدد النهج الواجب اتباعه، وشدد على ضرورة تحلي وزرائه بـ”السرية” و”الانضباط”، إذ يتعين عليهم السهر بشكل خاص على احترام ما يتم تداوله خلال مجلس الوزراء واجتماعات الحكومة، فالأمر متعلق بمصداقية الدولة”.