لم ينعكس تنامي عائدات النفط والغاز في الجزائر إيجابًا على الوضع الاجتماعي في البلاد الذي ينذر بجولات من الاحتجاجات، في ظل ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة وبروز تساؤلات في الشارع الجزائري عن وجهة صرف عائدات النفط والغاز.
ويشكل الدخول الاجتماعي (عودة التلاميذ إلى المدارس وعودة الموظفين إلى العمل إثر نهاية العطلة السنوية في شهر أغسطس) تحديا خاصا للحكومة الجزائرية، لما يحمله من ملفات اجتماعية واقتصادية وسياسية معقدة، تُثيرها النقابات والأحزاب.
وعكس إطلاق خدمة الحصول على الأدوات المدرسية بالتقسيط حجم الصعوبات الاجتماعية التي يعانيها أرباب الأسر.
◙ تبون كان قد أكد مطلع هذا العام أن الجزائر ستتفرغ للشأن الاقتصادي وأن 2022 سيكون عام الاقتصاد
ويواجه الدخول الاجتماعي في الجزائر صعوبات ناجمة عن تداعيات الركود الاقتصادي الذي تعيشه البلاد في السنوات الأخيرة، وانعكاسات جائحة كورونا وبعدها الأزمة الأوكرانية التي أدت إلى ارتفاع غير مسبوق في الأسعار، وهو ما رهن القدرة الشرائية ووسع دائرة الفقر، إلى درجة لم يستطع معها أرباب الأسر الاستجابة للاستحقاقات الاجتماعية.
وأطلقت عدة مساحات تجارية كبرى خدمة اقتناء الأدوات المدرسية بالتقسيط. ولئن كان من المأمول أن تخفّف هذه الخطوة من عبء الدخول الاجتماعي، فإنها تعد مؤشرا اجتماعيا على تدهور القدرة الشرائية والصعوبات التي تواجهها الأسر في سعيها لتلبية حاجيات أبنائها الدراسية.
وتعمل الحكومة على الوفاء بالتزاماتها تجاه الأسر الهشة بصرف منحة الدخول المدرسي وضمان التزوّد المجاني بالكتاب، فضلا عن المجتمع المدني الذي يساهم بدوره في مساعدة هذه الشريحة الاجتماعية على ضمان دخول مدرسي مقبول. لكن ذلك لم يذلل الصعوبات الاجتماعية المتنامية، لاسيما أن ارتفاع الأسعار بلغ مستويات غير مسبوقة، أرجعها الكثيرون إلى تقليص الاستيراد وعدم كفاية المنتوج المحلي من الأدوات البيداغوجية.
وظل الدخول الاجتماعي في السنوات الأخيرة يشكل اختبارا جدّيا للحكومات المتعاقبة، بسبب حالة الاحتقان الشعبي الناجم عن تدهور الوضع الاجتماعي والاقتصادي في البلاد، حيث تشتت اهتمام الأسر بين توفير المواد الغذائية الأساسية وبين تلبية الحاجيات الرئيسية للأبناء، مما جعل الوضع الاجتماعي على صفيح ساخن.
وكانت الحكومة قد أقرت خلال الأشهر الماضية عدة إجراءات للحفاظ على القدرة الشرائية، كرفع الرواتب وحجب بعض الرسوم الأساسية واستحداث منحة للبطالة، لكن ذلك لم يحقق المطالب المرفوعة بسبب التفاوت بينها وبين الغلاء الفاحش في أسعار المواد الاستهلاكية.
وما زالت خزينة الدولة تتكفل بدعم العديد من المواد الاستهلاكية على غرار الزيت والسكر والخبز والحليب، من أجل أن تضمن الدولة لمواطنيها الحد المعيشي الأدنى، ولذلك تظل أسعار هذه المواد حاليا في المتناول قياسا بموجة الغلاء العالمي، لكن عمليات المضاربة والندرة عرقلتَا جهود الحكومة وأسهمتا في احتداد غضب الشارع.
وتعهد الرئيس عبدالمجيد تبون مؤخرا بمراجعة أخرى لسلم الرواتب ومنحة البطالة خلال العام المقبل، تماشيا مع ما أسماه بالمداخيل الإضافية المتأتية من أسعار النفط والغاز، حيث تتوقع بيانات صندوق النقد الدولي أن تبلغ سقف الـ56 مليار دولار، مما يعني ضعف مداخيل العام الماضي.
لكنّ خبراء في الاقتصاد وحتى معارضين سياسيين يعيبون على الحكومة الاستمرار في سياسة توزيع الريع النفطي من أجل شراء السلم الاجتماعي كما كان سائدا خلال السنوات الماضية، واعتبر هؤلاء أن التحدي الوحيد الذي يكفل استقرار الجبهة الاجتماعية هو تحريك وتيرة الاقتصاد المحلي والتحرر تدريجيا من تبعية مداخيل النفط.
وكان تبون قد صرح بأن “الجزائر الجديدة التي استكملت محطاتها الانتخابية وجددت مؤسسات الدولة، تتفرغ خلال العام الجاري للشأن الاقتصادي، وأن العام 2022 سيكون عام الاقتصاد”، لكن رغم بلوغ العام شهوره الأخيرة لم تسجَّل أي طفرة اقتصادية تسند ما جاء في خطاب الرجل الأول في الدولة.
ومنذ استلام الرئيس تبون السلطة في نهاية عام 2019 عمدت الحكومات المتعاقبة إلى تطبيق تدابير تقشفية غير مسبوقة من أجل الحفاظ على التوازنات الكبرى للدولة، وارتأت تقليص فاتورة الواردات إلى سقف 30 مليار دولار لتتقارب مع حجم الصادرات الذي ناهز في العام الماضي المبلغ نفسه. إلا أن التقشف الممارس على حساب الحاجيات الأساسية للمواطنين، على غرار الدواء والمواد الأولية، أسهم في احتداد مشكلة الندرة وغلاء الأسعار، خاصة وأن المنتوج المحلي يبقى بعيدا عن تحقيق الاكتفاء الذاتي للبلاد.