وجهت ممثلة الولايات المتحدة الأميركية في الأمم المتحدة باتشيبا نيل كروكر، خلال جلسة المجلس الأممي لحقوق الإنسان، انتقادات شديدة إلى الحكومة الجزائرية، حول ما وصفته بـ”تدهور وضعية الحقوق والحريات، وإفراط السلطة في تطبيق القوانين القمعية”.
واعتبر موقف واشنطن جولة جديدة من مسلسل الانزعاج الأميركي الذي بدأ بلقاء وصف بالنادر جمع سفيرة واشنطن بالجزائر إليزابيت مور أوبين مع قائد أركان الجيش الفريق أول السعيد شنقريحة، ثم الدعوة التي وجهها نائب جمهوري لوزير خارجية بلاده دعاه إلى إدراج الجزائر ضمن الدول المشمولة بالعقوبات الأميركية، وذلك على خلفية التقارب الجزائري الروسي.
ووجهت السفيرة الأميركية في الأمم المتحدة بجنيف انتقادات شديدة إلى الحكومة الجزائرية، خلال الدورة الواحدة والخمسين لمجلس حقوق الإنسان، على خلفية ما وصفته بـ”تدهور وضعية حقوق الإنسان في الجزائر وتراجع هامش الحريات السياسية والإعلامية”، وعبرت رئيسة الوفد الأميركي عن قلقها من “تصاعد الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان”.
ووجه وفد الولايات المتحدة وعدد من المنظمات الحقوقية، مساءلة إلى الجزائر في الدورة المنعقدة بجنيف، بسبب تزايد الخرق الحكومي للحقوق الأساسية في التعبير والتجمهر السلمي وتكوين الجمعيات.
وذكرت تقارير دولية أن “الوفد الأميركي المشارك في الدورة الـ51 لمجلس حقوق الإنسان بجنيف، قام إلى جانب عدد من المنظمات غير الحكومية، بمساءلة الجزائر بشأن الوضعية المقلقة للغاية لحقوق الإنسان في هذا البلد، والانتهاكات الجسيمة لحقوق السكان المحتجزين في مخيمات تندوف، ورفض الدولة الجزائرية تحمل مسؤولياتها القانونية ووضع حد للجرائم الشنيعة، على الرغم من الخلاصات والنداءات المتكررة لآليات المفوضية السامية لحقوق الإنسان”.
وأعربت الدبلوماسية الأميركية التي تترأس وفد بلادها في الدورة، عما أسمته بـ”مخاوف الولايات المتحدة بشأن التوظيف واسع النطاق للقوانين التي تضيق الخناق على حرية التعبير والتجمع السلمي وتكوين الجمعيات”.
وأشادت المتحدثة بـ”نشطاء المجتمع المدني الشجعان والمدافعين عن حقوق الإنسان والإعلاميين، وغيرهم ممن يصدحون بالحقيقة في وجه السلطة ويطالبون باحترام حقوق الإنسان”.
ويأتي الاهتمام الأميركي بوضعية حقوق الإنسان بالجزائر، في ظل انزعاج صريح لواشنطن من التقارب اللافت في السنوات الأخيرة بين الجزائر وروسيا، وظهور بوادر حلف بين البلدين ينتظر أن يتجسد في زيارة مرتقبة للرئيس عبدالمجيد تبون إلى موسكو للتوقيع على اتفاق للشراكة المعمقة.
الاهتمام الأميركي بوضعية حقوق الإنسان في الجزائر، يأتي في ظل انزعاج واشنطن من ظهور بوادر حلف روسي – جزائري
وجاءت الانتقادات الأميركية، في أعقاب اللقاء الذي وصف بـ”النادر والغريب” الذي جمع بين السفيرة الأميركية بالجزائر وقائد أركان الجيش الجزائري وعدد من الضباط السامين في المؤسسة العسكرية الجزائرية، وإذ اكتفت وزارة الدفاع الجزائرية ببيان مقتضب، فإن القراءات تضاربت حول شكل ومحتوى اللقاء، والملفات التي قد يكون الوفدان تناولاها، ولم يستبعد منها انزعاج واشنطن من التقارب الجزائري الروسي، خاصة في ظل الأزمة الأوكرانية الراهنة.
وكان النائب عن الحزب الجمهوري والعضو في لجنة الاستخبارات داخل مجلس الشيوخ مارك روبيو، قد وجه رسالة إلى وزير خارجية بلاده أنتوني بلينكن، من أجل اتخاذ إجراءات عقابية ضد الجزائر بسبب تعاونها مع عدو للولايات المتحدة ويقصد بذلك روسيا.
وتحول مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة في السنوات الأخيرة إلى مركز صداع حقيقي للسلطة الجزائرية، بسبب الملاحظات والانتقادات التي ما فتئ يوجهها بين الفينة والأخرى لمدى احترام وإرساء القواعد الأساسية لحقوق الإنسان في البلاد، في ظل التقارير والشكاوى المقدمة تباعا من طرف جمعيات حقوقية وناشطين مستقلين.
وكانت الجزائر قد طلبت مؤخرا تأجيل زيارة المفوض الأممي لمجلس حقوق الإنسان الأممي إلى العام القادم، بعدما كانت زيارته مقررة في 12 سبتمبر الجاري، ليكون بذلك التأجيل الثامن من نوعه في ظرف 11 عاما، وهو ما يعتبر رفضا مبطنا لاستقبال أعضاء المجلس والسماح لهم بالاطلاع على وضعية حقوق الإنسان في البلاد، الأمر الذي قد يكون عزز شكوك الهيئات الدولية وحتى بعض الحكومات كما هو الشأن بالنسبة إلى الولايات المتحدة الأمريكية حول الوضعية المذكورة.
وجاء تشدد الولايات المتحدة مع الجزائر في المجال الحقوقي متزامنا مع بوادر قلق من التقارب المتزايد بينها وبين روسيا، والذي تجسد في تعاون عسكري ولوجيستي وثيق، كان آخره مشاركة وحدة من الجيش الجزائري في مناورات عسكرية روسية مختلطة، كما ينتظر أن تحتضن الجزائر قوّاتا روسية في شهر نوفمبر القادم لإجراء مناورات عسكرية مشتركة على الحدود الغربية.
وأفرزت الأزمة الأوكرانية اصطفافات دولية وإستراتيجية، فرغم حاجة الغرب للجزائر في مجال الطاقة وتزويد أوروبا بالغاز، إلا أن تعاون الحكومة الجزائرية المستمر لاسيما في المجال العسكري مع روسيا يقلق الغرب، حيث تعتبر الجزائر الزبون الرابع في العالم للسلاح الروسي، وهو الأمر الذي بدأ يثير قلق الأميركيين، ولا يستبعد أن تكون الخطوات المذكورة مقدمة لبلورة موقف أميركي أكثر تشددا من الجزائر.