في جرجيس، المدينة التي تقع جنوب تونس والمعروفة بأنها نقطة انطلاق لقوارب المهاجرين في جنوب تونس، نظمت يوم السادس من سبتمبر مسيرة لأهالي المهاجرين الذين فقدوا في البحر.
وبالنسبة إلى هؤلاء الأمهات فإن الأمر يتعلق بإحياء ذكرى أبنائهن الذين قاموا بعبور البحر الأبيض المتوسط قبل أن يختفوا في ظروف غير معروفة، وتأتي هذه المظاهرة كمحاولة لمعرفة الحقيقة وراء اختفائهم.
وقالت فاطمة كسروي، إحدى المتظاهرين والتي فقدت ابنها في 2011، “نحن نكافح من أجل معرفة الحقيقة بشأن أبنائنا. نظمنا اعتصامات، لكننا لم نحصل على أيّ نتائج. كيف يمكن للسلطات التونسية أن تكتفي بإخبارنا بأن أبناءنا قد اختفوا ببساطة؟”.
وتم تنظيم هذه الوقفة في يوم يوافق مرور 10 سنوات على غرق قارب غادر صفاقس وعلى متنه 130 مهاجرا، نجا منهم 56 شخصا فقط. وبعد عقد من الزمان لا تزال هناك أسئلة كثيرة حول العديد من المفقودين من هذا القارب الذي يعتبر حالة واحدة من بين العديد من الحالات الأخرى المشابهة.
مدينة جرجيس وحيدة في مواجهة الغالبية العظمى من جثث المهاجرين التي يقذفها البحر على شواطئ مختلفة في جنوب البلاد
فمحاولات عبور المتوسط انطلاقا من تونس ازدادت بشكل ملحوظ مؤخرا، خاصة في فصل الصيف عندما تكون الأحوال الجوية جيدة. بالإضافة إلى الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد منذ أشهر.
ومنذ بداية العام، لقي 1021 شخصا حتفهم أو اختفوا في وسط البحر الأبيض المتوسط أثناء محاولتهم الوصول إلى أوروبا، وفقا لبيانات من المنظمة الدولية للهجرة. وفي العام السابق لقي 1533 شخصا حتفهم على الطريق ذاته. وأضافت كسروي “نريد ألا يكون هناك المزيد من الحدود، وألا يضطر الحراقة لركوب البحر للعثور على حياة أفضل”.
فعدد المآسي التي سببتها هذه المحاولات المحفوفة بالمخاطر كبير جدا، لدرجة أن السلطات تكافح لدفن رفات المهاجرين الذين غرقوا، حيث ترفض غالبية البلديات في البلاد تولي مسؤولية جثث المهاجرين، لتجد مدينة جرجيس نفسها وحيدة في مواجهة الغالبية العظمى من جثث المهاجرين التي يقذفها البحر على شواطئ مختلفة في جنوب البلاد. وهناك الآن مقبرتان للمهاجرين في المدينة، تحتويان معاً على نحو 1000 جثة، ما يمثل الطاقة الاستيعابية القصوى للمقبرتين.
ومن بين الحشود التي تجمعت، احتوت اللافتات والقمصان على شعارات مثل “أوقفوا العنف ضد المهاجرين” أو “نعم للعبّارات، ولا أفرونتكس”.
أما مجيد، وهو صياد من جرجيس وكان حاضراً خلال المسيرة ، فقال “أتمنى حقاً أن تعرف هؤلاء النساء مصير أطفالهن”. وأضاف “نحن الصيادون ننقذ الناس منذ 20 عاما، ولا نهتم بمن هم هؤلاء الأشخاص ولا نطلب منهم جوازات سفرهم. نحن ننقذهم فقط. في البحر، نرى كل شيء. أشياء فظيعة لا توصف”.
كما ألقى مجيد بلومه على السلطات التونسية، وقال “لا نتمتع بأيّ حماية للقيام بعمليات الإنقاذ التي نقوم بها. لكن السلطات التونسية، من جانبها، تستحوذ على أموال من أوروبا لإدارة قضية الهجرة، ولاسيما وضع الأشخاص في البحر”.
وفي الكثير من الأحيان تحدث مواجهات بين الصيادين التونسيين ودوريات خفر السواحل الليبي، التي تأذن تونس لها بدخول مياهها لاعتراض قوارب المهاجرين. فمنذ اتفاقية عام 2016 مع الاتحاد الأوروبي أصبحت طرابلس مسؤولة عن جزء من منطقة البحث والإنقاذ بالقرب من سواحل تونس. ويعلق مجيد “هذا يعقد الوضع أكثر، إنه كابوس حقيقي”.