تعيش مهنة الصحافة في المغرب حالة من الأزمة شبيهة بما تعيشه مؤسّسات أخرى توصف بالوسيطة أو بالأجسام الوسيطة(les corps intermédiaires) على غرار الأحزاب والقضاء وحتى الجمعيات. ولعلّ المؤشر الأعظم على هذه الأزمة هو دونأدنى شك تراجع ثقة المواطنين فيها. ولكن الثقة ليست المؤشر الوحيد الذي يعبّر عن أزمة الصحافة.
فالمواطنون يعبرون دائمًا عن غضبهم على الصحافة بسبب الانحرافات المهنية على غرار الانحياز للأحزاب السياسية والتفريطفي القيم الصحفية الكبرى (السعي إلى الحقيقة والدقة والتوازن والموضوعية).
تعيش مهنة الصحافة في المغرب حالة من الأزمة شبيهة بما تعيشه مؤسّسات أخرى توصف بالوسيطة أو بالأجسام الوسيطةعلى غرار الأحزاب والقضاء وحتى الجمعيات
كما يمكن أن يؤشّر هذا الغضب أيضًا في أحيان كثيرة أخرى إلى أن هناك ما يشبه “سوء تفاهم” سببه بلا شك سياقاتالاستقطاب الإيديولوجي الذي يؤدّي إلى التحريض على الصحافة ما لم تصطف بشكل صريح مع هذا الشقّ أو ذاك.
فلا عجب إذًا أن نرى كيف يغضب (أو يحقد أيضًا) جزء من الرأي العام على صحافة تُظهر من “لا يستحقون ذلك” أو “منأجرموا في حق الشعب بالتفاهات ” مثلاً. ويمكن على هذا النحو أن يعتبر جزء من المغاربة أن الصحافة متواطئة معالمفسدين والخونة او الانقلابيين على الديمقراطية.
ويمكن أن نضيف أيضًا إلى هذه المؤشّرات كلها محدودية الفوائد التي جناها الصحفيون في المغرب من العشرية الماضيةمهنيًا واجتماعيًا. فلا أحد يمكن أن يٌنكر أن الصحفيين يمثلون الفاعل الأضعف في القطاع. ففي القطاع العام حيث تآكلتالمؤسسات لا تتوفر للصحفيين الموارد الضرورية لإنجاز مهامهم على أحسن وجه. وأما في القطاع الخاص فإن مكانةالصحافيين تتراجع بشكل كبير ماديًا واجتماعيًا لصالح نجوم الترفيه الذين يحظون بالتبجيل. ولكن الأخطر من هذا كله أنالصحفيين فقدوا أيضًا السلطة على الصحافة ومادتها الأولى والأساسية أي الأخبار. وهذا ما سنسعى إلى بيانه في هذاالمقال التحليلي.
في خطاب الصحفيين المغاربة عن الصحافة يتجلّى الامتعاض الصريح مما وصلت إليه المهنة من حالة الوهن والضعف. وفيكثير من الأحيان نلاحظ أن الصحفيين يصبون جام غضبهم على “الدخلاء” الذين يٌتهمون صراحة أو ضمنيًا بأنهم سببالبلاء كله بما أنهم يقومون بتلويث المهنة وإفقادها بريقها ونقائها.
و هيد مثال على ذلك ، توفر البعض على بطاقة الصحافة المهنية من غير ان يكون له مؤهل دراسي ( لا يتوفر حتى الباكلوريا ) فالدخيل هو المتهم الأساسي بما أنه المسؤول عن الانحرافات المهنية والسقطات الأخلاقية وعن فقدان المهنة لهيبتها، مقارنةبمهن أخرى على غرار الطب والمحاماة والقضاء، التي لا يمكن أن يمارسها إلاّ من درسها دراسة متخصصة بعد أن تحصّلعلى شهادة تمنع المتطفلين من الولوج إليها، وفق الكثيرين.
هكذا تستأثر مسألة “الدخيل” أو تختزل أحيانًا كل المشكلات التي تطرحها مهنة الصحافة على نفسها. فتبدو الصحافةوكأنها عاجزة عن الدفاع عن نفسها، ممّا يفسر طغيان المفسدين. لكنّ مسألة الدخلاء لا تكشف فقط أحزان المهنة بل يمكن أنتحجب أيضًا المسارات التي أدّت تدريجيًا إلى ما نسمّيه فقدان الصحفيين لسلطتهم على مهنتهم خلال هذه العشرية الأخيرةالتي انطلقت بشعار جذاب، شعار الصحافة سلطة رابعة.
في هذا المقال، نستكشف كيف لم تتحول الصحافة إلى هذه السلطة الرابعة بل وكيف خسر الصحفيون السلطة على مهنتهم.
- أولاً: مهنة بلا معايير ومعرفة متخصصة
إن ما نسمّيه فقدان الصحافيين للسلطة على مهنتهم نراه مجسدًا في مسارات عديدة. يتمثل المسار الأول في محدودية أوغياب المعايير المنظمة لممارسة الصحافة. فالمهن تتمايز بالمعايير الأخلاقية، إضافة إلى المعرفة المتخصصة التي تتيحهاالجامعة، كما هو الحال بالنسبة إلى مهن مخصوصة على غرار المحاماة والطب.
ووٌجدت مدارس متخصصة تٌدرس فيها الصحافة نشأت منذ نهاية القرن التاسع عشر[2]. ومنذ ذلك التاريخ تكاثرت هذهالمدارس حتى أصبحت تعد بالعشرات في فرنسا أو فاقت المائة في الولايات المتحدة. وقد تشكّلت تدريجيًا هذه المدونة منالمعارف التقنية في الصحافة وتجسدت في كتب متخصصة يصدرها في كثير من الأحيان صحفيون تحولوا بفضل خبرتهمالطويلة إلى منظّري الصحافة.
وإضافة إلى المعرفة المتخصصة التي يتحصّل عليها الصحفي من المدارس المتخصصة، وضعت المؤسسات الصحفية مايسمى المواثيق التحريرية على غرار البي بي سي أو التلفزيون العمومي الفرنسي، إضافة إلى المواثيق الأخلاقية العامةالكبرى التي تفسّر الواجب الأخلاقي المهني وتحددها.
والميثاق التحريري دليل تقني عملي يتكّون من عشرات أو مئات الصفحات يحدّد بشكل دقيق عملية إنتاج المضامين التحريريةمهما كانت أهميتها. كما وضعت هذه المؤسّسات المدونات التقنية news style book البحتة التي تحدد بشكل صارمالأسلوب الخاص بالمؤسسة. وتعتمد المدونات التحريرية التقنية كآلية عملية لإنتاج المضامين الإخبارية ومساءلة الصحافيينعندما لا يحترمون هذه المبادئ. وبمعنى لآخر فإن ممارسة المهنة الصحفية مشروط بتعلّم مستمرّ يبدأ من الجامعة ويستمر فيالمؤسسة الصحفية نفسها.
وسعت العديد من المؤسّسات الصحفية المغربية إلى وضع مواثيق تحريرية وأخلاقية على غرار الإذاعة والتلفزة الوطنية ووكالةالانباء المغربية . لكن هذه المواثيق فقدت شرعياتها أو فعاليتها تقريبًا كليًا لعدّة أسباب ومنها مسار صياغة هذه المواثيق.
لم تنجح المهنة الصحفية خلال العشرية الأخيرة في بناء مرجعيات تحريرية ومهنية وتقنية (أي بشكل عام مواصفات إنتاجالمضامين الصحفية) وفي غيابها تصبح ممارسة الصحافة متاحة للجميع وغرفة الأخبار مفتوحة على كل أنواع التلاعب
وعلى هذا النحو، لم تنجح المهنة خلال العشرية الأخيرة في بناء هذه المرجعيّات التحريريّة والمهنية والتقنية (أي بشكل عاممواصفات إنتاج المضامين الصحفية (من التقرير الإخباري وصولاً إلى الاستقصاء الصحفي مرورًا بالريبورتاج والحوارالصحفي) هي تلك المعايير التي يمكن أن نقيس بواسطتها الكفاءة المهنية. وهي التي تمثل حاجزًا منيعًا أمام المتطفلين علىالصحافة وعلى من يريد أن يتلاعب بها والتي في غيابها تصبح ممارسة الصحافة متاحة للجميع وغرفة الأخبار مفتوحة علىكل أنواع التلاعب بالأخبار.
- ثانياً: سلعنة الأخبار
عرفت العشرية الأخيرة تنامي مكانة الميديا الخاصة في مجالي الإذاعة والتلفزيون التي خضعت كلّها تقريبًا إلى نموذجالتسلية. نشأت هذه الميديا في إطار تصوّر تجاري وسلعي جعل من الميديا الإذاعية والتلفزيونية خدمة تكاد تكون تجاريةبحتة.
لم تنج الأخبار من السلعنة وتحولت إلى مواد ترفيهية في برامج التسلية الإخبارية info divertissement. فأصبح مشروعًالمن شاء، بما في ذلك المهرجين المضحكين، التعليق على الأحداث وإبداء الرأي، في حين ظل الصحفي المهني أسير النشرةالإخبارية أو كمراسل ميداني يمدّ نجوم البرامج الصباحية أو المسائية الإخبارية–الترفيهية بالمواد الضرورية لدردشاتهم التيلا تنتهي.
لم تنج الأخبار من السلعنة وتحولت إلى مواد ترفيهية في برامج التسلية الإخبارية فأصبح مشروعًا لمن شاء، بما في ذلكالمهرجين المضحكين، التعليق على الأحداث وإبداء الرأي
- ثالثًا: مهنة فرّطت في التحكم في مسالك النفاذ إليها
لقد أرست مهنة الصحافة في العديد من الدول الديمقراطية على غرار فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية آليات للسيطرة علىالنفاذ إليها وفق أشكال مختلفة. ففي فرنسا يٌوجد صنف خاص جدًّا من المدارس والكلّيات المتخصصة في تكوين الصحفيينمن طراز خاص تحصلت على اعتراف خاص من المهنة، ووضعت “لجنة متناصفة” من الصحفيين والناشرين مصفوفات منالمعايير يجب أن تتوفر في المتخرجين الجدد الملتحقين من الصحفيين اليافعين الملتحقين بالصحافة [3]. وفي الولايات المتحدةكذلك يوجد مجلس لاعتماد مدارس وكليات الصحافة [4] الذي يضع معايير مختلفة لكل المتدخلين في عملية تكوين طلبةالصحافة. ويرأس هذه اللجنة مهنيين من قطاع الصحافة.
في مقابل ذلك فإن مهنة الصحافة في المغرب ، على عكس مهن أخرى مثل المحاماة والطب، فرّطت بشكل كامل تقريبًا فيمراقبة مسالك النفاذ إليها، بل يمكننا القول إن هناك عدم إدراك لدى الفاعلين فيها لرهانات التكوين الأكاديمي للصحفيينونتائج ذلك على مستقبلها. ولهذا السبب نرى أيضًا كيف تفرط النقابات المهنية في حقها الذي أتاحه القانون لها للمشاركة فيالهيئات الاستشارية في المؤسسات الأكاديمية التي تكوّن الصحفيين المغاربة.
- رابعًا: مهنة لم تؤسّس بعد منظومة مساءلة فعّالة
من مؤشرات تنامي المهنية في الصحافة على غرار كل المهن الأخرى، مكانة آليات المساءلة الداخلية لحماية المهنة من التلاعببها. ونلاحظ في هذا الإطار أن هذه الآليات لا تزال ضعيفة جدًا إن لم تكن غائبة تمامًا أو غير مفعلة على غرار مثلاً مجلسالوطني للصحافة الذي لا يزال يواجه مشاكل تنظيمية حتى يصبح هيئة فعالة.
فإذا كان الصحفيون يطمحون إلى أن تكون مهنتهم تحظى بالاستقلالية والهيبة، محمية من أطماع المتطفلين والدخلاء فيجبأن يقبلوا، على غرار الأطباء والمحامين، بهيئة تسائلهم على انحرافاتهم المهنية عندما تكون موجودة.
- خامسًا: تعريف رومنطيقي للصحافة يحوّلها إلى مهنة مفتوحة بلا حواجز
من المسارات التي أدّت أيضًا إلى ما نطلق عليه فقدان الصحفيين للسلطة على الصحافة هو بلا شك تعريف المهنة لذاتها أوبتعبير آخر التعريف السائد للصحافة لدى الصحفيين وما يترتب عنه من توزيع للوجاهة المهنية le prestige professionnel .
فكثيرًا ما تُعرف المهنة باعتبارها “رسالة“، ممّا أضعف الأبعاد التقنية والحرفية المتّصلة بإنتاج المضامين المتخصصة. وبماأنّها رسالة لا يمكن أن ينتصب لممارستها من يعتقد أنه أهل لهذه الرسالة، ويتحمّل مسؤوليتها من يشاء أو من يعرّف نفسهباعتباره مدافعًا عن قضية ما، يمكن أن تكون الهوية أو الحريات أو التقدمية أو العدالة أو الأخلاق.. ويمكن أن تعرف الرسالةبطريقة فضفاضة، على أنها الوقوف في صف الشعب والإصداع بالحقيقة و“مقاومة الظالمين” و“التصدي للشعبويين” و“مناصرة الضعفاء“.
كثيرًا ما تُعرف المهنة باعتبارها “رسالة“، ممّا أضعف الأبعاد التقنية والحرفية المتّصلة بإنتاج المضامين المتخصصة
إن هذا التعريف الواسع الرومنطيقي للصحافة، بما إنها رسالة فتح الباب على مصراعيه لمن يريد أن يصبح “فارسًا منفرسان الصحافة“. فالصحافة لا تقتضي كفاءات تقنية بل خصالًا، مما يؤهّل صاحبها إلى تبوّء المراكز المتقدمة في المهنة وأنيفوز بالوجاهة المهنية.
والكرونيكور هو تجسيد لهذا التصور الرومنطيقي للصحافة أو لنقل التصور غير التقني للصحافة، بما أنه يحظى بخصالفكرية غير تقنية لا يستمدها من الممارسة المستمرة للصحافة في الميدان بل من نباهته الفكرية ومقدرته على سبر أغوار العوالمالسياسية أو من شجاعته وفصاحته.
والكرونيكور يأتي عادة من مهن أخرى يغادر مهنته الأصلية لأسباب غير معلومة (خاصة المحاماة) ثم يأتي ليمارس الصحافةثم يغادرها متى يشاء ويعود إليها مرة أخرى.
ويحظى الكرونيكور أو من تشبّه به بحق الظهور في كل وقت. وهو ويمارس نشاط التفكير مباشرة على الأثير دون رقيب أوحسيب ودون مساءلة. يتعامل بحرية لا حدود لها مع الأخلاقيات الصحفية والمعايير المهنية. وهذا الظهور المتواصل علىالشاشة يحوله إلى “نجم إعلامي“.
فالكرونيكور هو جزء من منظومة النجوم الصحفية الجديدة التي ظهرت بعد سنة 2011 التي تريد أن تكون أم يكون “قادةرأي” على حساب نموذج الصحفي “مزود الأخبار” (أو ما يسمّى news provider) المنغمس في الميدان الذي ينجزالتحقيق والاستقصاء والحوار الصحفي.
- سادسًا: كيف استولى الفاعل السياسي على الصحافة؟
من المسارات التي أدّت إلى ما أطلقنا عليه “فقدان الصحفيين لسلطتهم على الصحافة” التبعية للفاعل السياسي وفقدانالقدرة على المحافظة على استقلالية المهنة. تٌبنى استقلالية المهنة كما يرى ذلك منظرو الصحافة في تمايز الصحافة (أو الحقلالصحفي) عن الحقول الأخرى ومنها على وجه الخصوص الحقل السياسي.
وكلما تعاظمت هذه الاستقلالية (بالنسبة للمؤسّسات وليس للصحفي كفرد) تعززت المهنية في الصحافة. وإذا نظرنا إلىالصحافة المغربية من هذا المنظور، أي منظور العلاقة بين الحقل السياسي والحقل الصحفي، فإنه يجوز القول إن الصحافةتحررت من نفوذ الدولة ومن المؤسسات الرقابية القديمة لكن هل تمايزت عن الحقل السياسي بالشكل الذي يسمح بأن نقولإنها أصبحت حقيقة مستقلة بذاتها؟
يمكن تلخيص استراتيجيات الفاعل السياسي في العشرية الأخيرة إزاء الصحافة في ثلاث استراتيجيات. تتمثل الأولى فيإنشاء الأحزاب لمؤسسات صحفية تابعة لها بشكل كامل أو خفي (وهي الاستراتيجية التي انتهجتها حركة النهضة مثلاً).
أمّا الاستراتيجية الثانية فهي تتمثل في ربط مؤسسات الصحافة علاقات شبكية في إطار علاقات زبونية أو إيديولوجيةاستخدمتها كل الحكومات والأحزاب والعديد من الشخصيات السياسية. وهذه الشراكات المتعدّدة الأشكال يمكن أن تكونأحياناً ذات طابع مؤسسي أي بين مؤسسات أحزاب سياسية وأصحاب المؤسسات الصحفية أو بين أحزاب الصحفيين كأفرادعندما تكون المؤسسات الصحفية فاقدة لآليات المساءلة فيستقلّ الصحفي ببرنامجه.
من الاستراتيجيات الأكثر مكراً، تحويل الفاعل السياسي إلى فاعل صحفي تحت مسمّى “إعلامي” ودسّه في البرامجالإخبارية الحوارية
لكن الاستراتيجية الثالثة الأكثر مكراً تتمثل في تحويل الفاعل السياسي إلى فاعل صحفي تحت مسمّى “إعلامي” ودسّه فيالبرامج الإخبارية الحوارية. ويمكن أن نذكر عديد الأمثلة من الفاعلين السياسيين الذين ينتقلون بين السياسة بل والمسؤولياتالحزبية والصحافة (تحت مسمّى التحليل والتعليق).
إن هذه الاستراتيجية تعتبر الأخطر لأنّها لا تقوم فقط على بناء علاقة شراكة بين الصحافة (كمؤسسات خاصة) والسياسةلتبادل المنافع والتي أطلقنا عليها سابقاً صحافة “السيستام“ [5].
ولكن أيضًا على تحويل الصحافة نفسها إلى نوع جديد من الدعاية السياسية. وعادة ما تتجسد هذه الاستراتيجية (يمكن أنتكون مبادرة من مالك المؤسسة الصحفية نفسها) في بناء البرامج الحوارية السياسية وفق التوازنات السياسية أو على صورةوشاكلته الحياة السياسية.
وهذا ما يفسّر تمثيل الفاعلين السياسيين في البرامج الحوارية بمتكلمين يدافعون عن وجهة نظرهم ويؤدّون وظيفة الاتصالالسياسي من داخل الصحافة نفسها. وهذا ما يؤدّي إلى تخريب الصحافة بما أنها تتخلّى هكذا عن القيمة الأساسية التيتقوم عليها أي السعي إلى الحقيقة.
- نحو ثورة داخلية لإعادة بناء المهنة لنفسها
لقد كان مطمح المهنة عند سقوط النظام السابق هي أن تنجز ثورة داخلية فتتحول إلى سلطة رابعة وأن تنهض بعد أن كانتسلطة راكعة. ولكن مؤشرات عديدة تؤكد أن عملية النهوض هذه لم تتحقق بعد، لأن الصحافة باتت خاضعة لأشكال متعددة منالسيطرة والتبعية الظاهرة والماكرة الخفية سهّلت بسطها محدودية إعادة بناء المهنة لنفسها وفق الآليات المعلومة أي المواثيقالأخلاقية والتحريرية وآليات مساءلة الصحفيين.
لعل من الخطوات الأساسية الأولى لإنجاز ثورة داخلية في الصحافة هي إعادة تعريف “الدخيل” بالتخلي عن وصم منيمارس المهنة دون دبلوم الصحافة والصمت عن الدخلاء الحقيقيين الذين يخربون المهنة واستقلاليتها الحقيقية، أي الصحفيغير الملتزم بالأخلاقيات المهنية والفاعل السياسي المتنكّر في هيئة “إعلامي” والذي يستغل الوجاهة الرمزية للصحافة ليتبوأمكانة مركزية في المهنة لا يستحقها وهذا ما يقتضي ثورة مهنية حقيقية داخلية لم تنجز بعد لإعادة بناء نفسها من جديد