فجر الاستقبال الذي نظمه قائد الجيش الجزائري سعيد شنقريحة لسفيرة الولايات المتحدة إليزابيث مور أوبين جدلا سياسيا في الجزائر، قياسا بطبيعته البروتوكولية، والملفات التي تداولها الطرفان، ولا يستبعد أن تكون من ضمنها رغبة واشنطن في الاطلاع على دور المؤسسة داخل الدولة ودلالات التغييرات المفتوحة في هرمها.
ويبدو أن دور الجيش المتعاظم داخل مفاصل الدولة منذ الانتخابات الرئاسية بات مصدر اهتمام شركاء الجزائر، حيث سبق للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن عبر عنه بالقول “تبون عالق في نظام عسكري أنهكه الحراك الشعبي”.
ويعتقد مراقبون للشأن الجزائري أن لقاء السفيرة الأميركية مع الرجل القوي في الجيش حاليا لن يكون بمعزل عن الرغبة في الاطلاع على الوضع الحقيقي من مصادره الأصلية.
دور المؤسسة العسكرية المتعاظم داخل مفاصل الدولة منذ الانتخابات الرئاسية الأخيرة، بات مصدر اهتمام شركاء الجزائر
وعُرفت السفيرة الأميركية في الجزائر بنشاطها الدؤوب ولقاءاتها سواء مع الجزائريين في الشارع، مثل ما أثاره فيديو شرائها خروف العيد في يوليو الماضي، أو مع المسؤولين، من ذلك لقاؤها في فبراير الماضي مع رئيس الحكومة أيمن بن عبدالرحمن.
وأفاد بيان لوزارة الدفاع الجزائرية بأن “قائد أركان الجيش الفريق أول سعيد شنقريحة استقبل سفيرة الولايات المتحدة في الجزائر إليزابيث مور أوبين، بمقر مؤسسته”، وهو اللقاء النادر في التقاليد الدبلوماسية؛ لأن الأمر يتعلق بمسؤول عسكري عملياتي لا صلة له بالشؤون السياسية والدبلوماسية التي يضطلع بها غالبا، في مثل هذه الحالات، وزير الدفاع وحتى الأمين العام للوزارة.
وقال بيان قيادة الأركان “شكل هذا اللقاء الذي حضره كل من الأمين العام لوزارة الدفاع الوطني وضباط ألوية وعمداء بوزارة الدفاع الوطني وأركان الجيش الوطني الشعبي، فرصة سانحة للجانبين للتباحث بشأن القضايا ذات الاهتمام المشترك وكذا حالة التعاون الثنائي بين البلدين وسبل تدعيمها بما يخدم المصالح المشتركة للبلدين”.
وأظهرت صور بثها التلفزيون الحكومي عددا من كبار ضباط المؤسسة العسكرية إلى جانب قائد الأركان، واكتفى ببث البيان المقتضب لوزارة الدفاع الوطني فقط، الأمر الذي أبقى الغموض حول اللقاء النادر، لاسيما الملفات التي تم تداولها بين الطرفين.
وبغض النظر عن القضايا الأمنية والعسكرية التي تجمع البلدين، فإنه لا يستبعد أن تكون الولايات المتحدة قد أرادت الاطلاع من المصادر الأصلية على طبيعة الوضع الداخلي في الجزائر، بداية مما يتردد حول دور ونفوذ المؤسسة العسكرية في مفاصل الدولة، ودلالات ومغزى التغييرات المستمرة في هرم الجيش.
والتغيير الأخير الذي جرى في هرم المؤسسة العسكرية الجزائرية هو إزاحة الجنرال سيد علي ولد زميرلي من قيادة مديرية أمن الجيش التابعة لجهاز المخابرات، واستخلافه بالجنرال عبدالعزيز نويوات شويطر، ليكون بذلك ثاني تغيير في ظرف أسبوع، بعد ذلك الذي مس مديرية الأمن الخارجي التي استقدم إليها الجنرال جبار مهنا، خلفا للجنرال عبدالغني راشدي.
ورغم أن قيادة المؤسسة العسكرية حاولت إضفاء حالة من الاستقرار خلال عملية الترقيات والإحالات على التقاعد والتحويلات، بمناسبة عيد الاستقلال الوطني المصادف للخامس من يوليو، كما جرت عليه تقاليد المؤسسة، إلا أنه سرعان ما عادت وتيرة التغييرات بشكل متسارع خاصة في جهاز الاستخبارات، الأمر الذي أثار الاهتمام بمدى حساسية الوضع والأسباب الحقيقية الكامنة خلف تلك التغييرات.
ولا يستبعد متابعون للشأن الجزائري أن يكون ذلك ضمن حلقة جديدة من مسلسل التجاذبات بين الأجنحة المتصارعة داخل المؤسسة العسكرية، خاصة وأن الصراع بدا جليا منذ عام 2018 حيث قامت القيادة السابقة التي كان ينظّر لها الجنرال الراحل أحمد قايد صالح بتصفية جناح “الصقور” المعروف بولائه لمدير الاستخبارات السابق الجنرال محمد مدين (توفيق)؛ إذ تم التخلص من رموزه بالسجن أو الإقالة أو الإحالة إلى التقاعد.
لكن التغير المفاجئ لموازين القوى منذ عام 2020 أعاد جناح “الصقور” إلى الواجهة ويجري الآن تنفيذ هجوم مضاد على الخصوم، حيث تم التخلص بشكل شبه كلي مما هو محسوب على القيادة السابقة، ولذلك تسارعت وتيرة التغييرات في الآونة الأخيرة داخل مناصب حساسة في المؤسسة، مما يترجم رغبة هؤلاء الجامحة في إحكام القبضة على جهاز الاستخبارات.