استثنى مجلس الوزراء الأخير الشؤون الدفاعية والدبلوماسية من المساءلة البرلمانية، بقرار من الرئيس عبدالمجيد تبون، الأمر الذي يضعه في مواجهة أخلاقية على الأقل مع الدستور الذي عدله العام 2020، والذي لم يتضمن ما يمنع النواب من مساءلة القائمين على قطاعي الدفاع والدبلوماسية، ولو أنه لم يحدث من قبل أن نزل قادة المؤسسة العسكرية للرد على انشغالات من هذا النوع.
وحضر عمل البرلمان بغرفتيه في مجلس الوزراء المنعقد مؤخرا تحت إشراف الرئيس تبون، وذلك بغرض ضبط آلياته وعلاقاته مع الجهاز الحكومي، لكن اللافت هو قرار استثناء المسائل الدفاعية والدبلوماسية من النقاش النيابي، رغم أن الأمر يقع في صلب عمل البرلمان.
وذكر بيان مجلس الوزراء بأن “الرئيس تبون أكد على أهمية العلاقة الوظيفية بين غرفتي البرلمان والحكومة، مع مراعاة مساءلة أعضاء الحكومة، في كل المجالات، باستثناء الدفاع الوطني، وأسرار الدولة في العلاقات الخارجية، كونها مجالات تحفظ”.
ويرى مراقبون أنه من النادر جدا في مسار البرلمان الجزائري أن تناول الملفات المتعلقة بالدفاع الوطني والدبلوماسية الخارجية، فهي تبقى من المواضيع البعيدة من الطرح والمساءلة، قياسا بما يعتبر إجماعا أزليا داخل الدولة حول المواقف الدبلوماسية وحول قدسية المؤسسة العسكرية.
بيان مجلس الوزراء لم يستند إلى أي مرجع أو نص تشريعي، لما قرر استثناء الدفاع والخارجية من المساءلة النيابية
ولا يوجد في الدساتير الجزائرية ما يمنع ذلك صراحة وجعلها من صلاحيات المؤسسة، بما فيها الدستور الجديد الذي عدله الرئيس تبون في نوفمبر 2020 باستفتاء شعبي، لكن الخطوة المتخذة في مجلس الوزراء اعتبرت منافية له، وتجرد البرلمان من إحدى صلاحياته الأساسية.
ولم يستند بيان مجلس الوزراء إلى أي مرجع أو نص تشريعي، لما قرر استثناء الدفاع والخارجية من المساءلة النيابية، واكتفى بعبارة “مجالات التحفظ”، وهو ما يعني الأسرار التي تحيط بالشأنين المذكورين، الأمر الذي ينافي جميع التجارب الديمقراطية المنتهجة في العالم.
وصرح النائب البرلماني محمد الداوي، عن حزب الكرامة الموالي للسلطة، بأن “التطورات المتسارعة إقليميا ودوليا تستدعي تقديم التنازلات الممكنة من أجل حصر الملفين الحساسين في مؤسسة الرئاسة، ولا ضير في ذلك بما أن رئيس الجمهورية نفسه منتخب من طرف الشعب”.
ويبقي القرار مسؤولي الدفاع والدبلوماسية بعيدين عن المساءلة، عكس القطاعات الأخرى، الأمر الذي يزيد من حالة الغموض التي تكتنف الشأن الدفاعي والدبلوماسي، خاصة في ظل الحديث عن هيمنة المؤسسة العسكرية على مفاصل الدولة، واستحواذها على أكبر الموازنات المقدرة سنويا بنحو 12 مليار دولار، بعدما وصلت في سنوات سابقة سقف الـ17 مليار دولار.
وكما تراكمت ملفات الفساد في مختلف القطاعات، فإن الدفاع غير مستثنى في ذلك، لاسيما وأن تهم التربح غير المشروع، واستغلال الوظيفة، ومنح امتيازات دون وجه حق، تلاحق العشرات من الجنرالات والعقداء المتواجدين في السجن العسكري بداية من العام 2018.
البند 158 ينص على أنه “يمكن لأعضاء البرلمان أن يوجهوا سؤالا شفويا لأي عضو في الحكومة” ووزارة الدفاع الوطني هي قطاع من قطاعات الحكومة
ويرى متابعون للشأن المحلي أن القرار “يتناقض مع البند 102 من الدستور الذي يعطي البرلمان إمكانية فتح مناقشة حول السياسة الخارجية بناء على طلب رئيس الجمهورية أو رئيس إحدى غرفتي البرلمان، ودون أي استثناء، ويمكن أن تتوج هذه المناقشة، عند الاقتضاء، بإصدار البرلمان المنعقد بغرفتيه المجتمعتين معا، لائحة يبلغها لرئيس الجمهورية”.
وينص البند 157 من الدستور على أنه “يمكن للجان البرلمانية سماع أعضاء الحكومة حول كل مسألة تتعلق بالمصلحة العامة”، وهنا لا يوجد استثناء الدفاع الوطني وأسرار الدولة في العلاقات الخارجية، كما ورد في بيان مجلس الوزراء.
ويذهب هؤلاء إلى أن البند 158 ينص على أنه “يمكن لأعضاء البرلمان أن يوجهوا سؤالا شفويا لأي عضو في الحكومة” ووزارة الدفاع الوطني هي قطاع من قطاعات الحكومة.
ويذكر البند 159 بأن “كل غرفة برلمانية في إطار اختصاصها، يمكن أن تنشئ في أي وقت لجان تحقيق في قضايا ذات مصلحة عامة، ولا تنشأ هذه اللجان بخصوص وقائع تكون محل إجراء قضائي”، ولا شيء في هذا السياق يحول دون إنشاء لجان تحقيق أو منع البرلمان من الخوض في قضايا الدفاع الوطني والعلاقات الخارجية.
ويفيد البند 165 من الدستور بأنه “يمكن لأعضاء البرلمان استجواب الحكومة في أي مسألة ذات أهمية وطنية، وكذلك عن حال تطبيق القوانين، ويكون الجواب خلال أجل أقصاه ثلاثون يوما”.
ولا يوجد في الدستور الجزائري الحالي في جميع الحالات ما يمنع تناول البرلمان لمسائل الدفاع والعلاقات الخارجية، وهو ما يجعل قرار مجلس الوزراء خرقا للدستور الذي يعد الوثيقة القانونية الأولى في البلاد، ولذلك يكون الرئيس تبون أمام إمكانية إحالة النص على المحكمة الدستورية للنظر في شرعيته الدستورية.