من شأن انعقاد المؤتمر السادس عشر لبوليساريو أن يزيد من تأزيم وضع القيادة الحالية. فلا يكفي فشلها في إدارة الصراع مع المغرب الذي حقق مكاسب دبلوماسية نوعية من خلال اعتراف واسع بمقاربته للحل، فإن الجبهة الانفصالية تواجه ما يشبه التمرد الداخلي من قيادات وسطى شابة تريد تغيير القيادة الحالية بسبب اتهامات بالفساد والمحسوبية واستغلال المساعدات.
تستعد جبهة بوليساريو الانفصالية لعقد مؤتمرها السادس عشر، وسط أزمة قيادة تتخبط فيها منذ أكثر من سنة، رغم أن الجزائر أرادت تلميع صورة الجبهة والقيادة الحالية، إلا أن الخلاف بين الأجنحة المتطاحنة وصل إلى مستوى عدم التنسيق في المواقف التي تسوق لها الجبهة الانفصالية دوليا، زد على ذلك الانتهاكات والاختطاف والتعذيب في سجون بوليساريو وبإشراف جزائري حسب شهادات ضحايا الاختطاف والتعذيب.
وأشرف زعيم الجبهة الانفصالية إبراهيم غالي نهاية الأسبوع على عقد “الأمانة الوطنية لجبهة بوليساريو”، في دورة استثنائية، تحضيرا لعقد المؤتمر السادس عشر لجبهة بوليساريو المقرر في الشهرين المقبلين، بغية “توفير كافة الظروف والشروط المناسبة لإنجاح المؤتمر على كافة المستويات”، حسب غالي.
وتحاول ما يسمى الأمانة الوطنية للجبهة الانفصالية من خلال عقد مؤتمرها، تجاوز معضلة التفكك الكبير الذي تعاني منه القيادة حيث ستتولى إدارة نقاش جماعي تشارك فيه جميع هياكل وأطر ومنتسبي الجبهة، داخل الأطر التنظيمية بمخيمات تندوف غرب الجزائر.
ومازالت جبهة بوليساريو الانفصالية تعاني من انهيار هياكلها التنظيمية منذ إعلانها “الحرب” من طرف واحد، ما يقارب السنتين ضد المغرب، والتي فشلت دبلوماسيا في تسويقها وجلب تعاطف دولي لها، ما جعل أطرها ودبلوماسييها يتصارعون في ما بينهم على الظهور بشكل منفرد، ويتبرؤون من فشل متتال لما يسمى بـ”وزارة خارجية بوليساريو” الأكثر تمويلا.
زعيم الجبهة الانفصالية إبراهيم غالي يشرف على عقد الأمانة الوطنية لجبهة بوليساريو بغية توفير كافة الظروف والشروط المناسبة لإنجاح المؤتمر على كافة المستويات
وأكد نبيل أندلوسي الباحث المغربي في العلاقات الدولية أنه مع اقتراب مؤتمر جبهة بوليساريو الانفصالية، خرجت للعلن الأزمة التي تتخبط بها الجبهة، إن على مستوى القيادة التي انحرفت وتخلت عن التزاماتها أمام سكان المخيمات، عبر افتضاح عمليات سرقة ونهب المساعدات الإنسانية، وكذلك على مستوى الأطروحة التي تتبناها الجبهة والتي أصبحت متجاوزة بسبب تطورات القضية، وقدرة الدبلوماسية المغربية على كسب دعم وتأييد دولي لمشروع الحكم الذاتي حلا واقعيا لهذا النزاع المفتعل.
وأوضح أندلوسي، أن المخيمات باتت تعيش احتقانا وأزمة عميقة بسبب غياب الأفق السياسي لدى القيادة الحالية والتي باتت عاجزة عن تقديم أي تصور واضح لإنهاء الصراع، وبالطبع إنهاء معاناة السكان المحتجزين.
كما أن من أسباب تعميق الاحتقان انتشار التقارير الإعلامية والحقوقية التي تفضح مستوى البذخ والترف الذي تعيشه قيادة الجبهة وأسرهم مقابل الفقر وانعدام أساسيات العيش لدى عموم سكان المخيمات.
وبلغ الخلاف بين الأجنحة المتطاحنة إلى مستوى عدم التنسيق في المواقف التي تسوق لها الجبهة الانفصالية دوليا، فاقمته الهزائم المتتالية دبلوماسيا وعلى الأرض خاصة بعدما قامت القوات المسلحة المغربية بطرد جميع عناصر الجبهة من معبر الكركرات الحدودي مع موريتانيا، وأمّن الجيش المغربي المعبر وجعل من المنطقة العازلة خلف الجدار الأمني مكانا مُحرما على أي تحرك من طرف عناصر الجبهة الانفصالية منذ نوفمبر 2020.
ويواكب انعقاد مؤتمر بوليساريو مع تنظيم سباق دولي للسيارات “Africa Eco Race” في أكتوبر المقبل، الذي يربط إمارة موناكو بالعاصمة السنغالية والذي سيعبر مناطق الصحراء المغربية. ورغم إعراب ما يسمى الممثل الدبلوماسي لجبهة بوليساريو الانفصالية في أوروبا أبي بشرايا البشير عن رفض الجبهة لما أسماه بـ”الحدث غير المسبوق” وتهديدها باستهداف المشاركين فيه، فتأمين هذا اللقاء من طرف الجيش المغربي يشكل هزيمة أخرى للجبهة الانفصالية التي ما فتئت تحاول عبر الأذرع الإعلامية ومعها منابر إعلام الجزائر الترويج لوجود حرب واضطرابات في الصحراء.
ومع الخلافات القبلية الطاحنة على السلطة بشكل معلن بالنظر إلى اقتراب موعد المؤتمر القادم، يتضح أن الصراع محتدم بين القيادات الشابة الصاعدة والقيادات القديمة التي تحكمت في زمام الحكم طيلة عقود.
وفي هذا الصدد كشف منتدى “فورساتين” أنّ جبهة بوليساريو تحاول التغطية على ملف مرض زعيمها غالي إلى جانب الصراعات القائمة بين قيادييها داخل المخيّمات، ما خلق نقاشا حول خليفته في زعامة الجبهة الانفصالية، وأماط اللثام عن صراع متجذر داخل القيادة بين مختلف الأجنحة المشكّلة للجبهة في دواليب بوليساريو.
ومع عدم قدرة الجبهة الانفصالية التقدم نحو الأمام وفشلها في التعامل مع الوضعية العامة داخل المخيمات المقلقة والخطيرة على كافة المستويات، تجر قيادة بوليساريو وراءها ملفا ثقيلا من انتهاكات لحقوق الإنسان والتلاعب بالمساعدات المقدمة من طرف الأوروبيين، ومعاناة ضحايا الاختطاف والتعذيب في سجون بوليساريو للمحتجزين في مخيمات تندوف من معاناة وتعذيب جسدي ونفسي طال مغاربة في سجون الرشيد والرابوني.
وفي هذا الصدد أوضح أحمد محمد الخرّ رئيس الائتلاف الصحراوي للدفاع عن حقوق ضحايا سجن الرشيد، في ندوة نظمتها العصبة الأمازيغية لحقوق الإنسان ووزارة العدل، السبت التاسع من سبتمبر الجاري، بمدينة كلميم جنوبا، أنه “قضى 10 سنوات متتالية بالسجن الانفرادي لدى بوليساريو، وظفت فيها كل الأشكال والوسائل والأدوات لتنفيذ تعذيب همجي وحشي على أجسادهم النحيفة، ما تزال آثاره بادية عليهم، ويتحمل فيها النظام الجزائري مسؤولية هاته الانتهاكات الجسيمة التي وقعت وتقع على أراضيه على مرأى ومسمع من جيشه ومخابراته”.
واعتبر أندلوسي أن أهم تحد أمام قيادة الجبهة الانفصالية الحالية، هو وعي فئة من شباب المخيمات بالخلفيات الحقيقية للصراع، والاستغلال البشع الذي يتعرضون له خدمة لأهداف وطموحات النظام الجزائري، مما يقوي جبهة الرافضين لتوجهات الجبهة داخليا.
وأضاف أنه ورغم بروز أصوات من داخل المخيمات رافضة لتوجهات قيادات الجبهة الانفصالية الحالية، فإنها توأد في مهدها بسبب القمع والتنكيل الذي تتعرض له، ويصل إلى مستوى الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وهو ما تتحمل فيه الدولة الجزائرية المسؤولية باعتبارها الدولة المستضيفة للجبهة الانفصالية.