هل تنعقد القمة العربيّة المقبلة في الجزائر مطلع تشرين الثاني – نوفمبر المقبل؟ الجواب أن انعقاد مثل هذه القمة بات مرجحا وذلك بعد إزالة عقبتين. تتمثل العقبة الأولى في تفادي طرح موضوع عودة سوريا إلى جامعة الدول العربيّة. أمّا العقبة الثانية فتكمن في تفادي إثارة موضوع الصحراء المغربيّة في القمة، وهي قضيّة يعرف الطفل أنّها مفتعلة من ألفها إلى يائها، نظرا إلى أن هذه المشكلة قائمة بين المغرب والجزائر التي تشنّ حرب استنزاف على جارها المغربي منذ استعاد أقاليمه الصحراويّة في خريف العام 1975، بعد جلاء الاستعمار الإسباني. استعاد المغرب صحراءه بشكل سلمي عن طريق “المسيرة الخضراء” التي شارك فيها 350 ألف مواطن مغربي رفعوا علم المغرب والقرآن الكريم.
معروف أنّ عضوية سوريا معلّقة في جامعة الدول العربيّة منذ نحو عشر سنوات في أعقاب الحرب التي يشنّها النظام الأقلوي فيها، بدعم إيراني مكشوف على الشعب السوري، وهي حرب أدت إلى الآن إلى مقتل ما يقارب نصف مليون مواطن، إن لم يكن أكثر، وتهجير نحو15 مليونا آخرين في داخل سوريا نفسها وإلى الدول المحيطة بها مثل تركيبا ولبنان والأردن…
القمّة ستكون مفيدة في حال أدرك النظام الجزائري أنّ الصحراء مغربيّة وأن كلّ الجهود التي بذلها إلى الآن كانت مضيعة للوقت
كانت الاتصالات العربيّة وغير العربيّة كافية كي يقتنع النظام الجزائري أخيرا بأن الدعوة الموجهة إلى النظام السوري ليست واردة وأن لا مجال لاستضافة الجزائر قمة عربيّة إذا كان موضوع عودة سوريا إلى جامعة الدول العربيّة مطروحا. وجد النظام الجزائري، للخروج من الورطة التي أوقع نفسه فيها، إخراجا من نوع إعلان النظام السوري نفسه عدم رغبته في العودة إلى جامعة الدول العربيّة والمشاركة في القمّة في حال أتيحت له الفرصة. لا شكّ أنّه إخراج ناجح إلى حد كبير. إنّه إنقاذ لماء الوجه للجانبين المعنيين أي للنظام الجزائري وحليفه السوري في آن.
أمّا العقبة الثانية التي أزيلت، بما قد يؤدي إلى مشاركة الملك محمّد السادس نفسه في قمة الجزائر، فهي تلك المتعلّقة بالصحراء المغربيّة. هناك فشل جزائري ليس بعده فشل في السعي إلى طرح موضوع الصحراء المغربيّة ووضعه في مستوى القضيّة الفلسطينية. يريد النظام عن طريق استخدام شعار من النوع المضحك المبكي عن حق تقرير المصير للشعوب ارتكاب جريمة في حق فلسطين وشعبها وقضيّتها. لو كان النظام الجزائري يؤمن حقا بحق تقرير المصير للشعوب، لكان أول ما فعله أن أعطى حق تقرير المصير للشعب الجزائري نفسه الذي يعاني من نظام تتحكّم به مجموعة الضباط، فضلا عن الأجهزة الأمنيّة، منذ الانقلاب الذي نفّذه هواري بومدين في العام 1965 بعد ثلاث سنوات من حصول الجزائر على استقلالها عن فرنسا.
لا شكّ أن التراجع عن خطوة طرح قضيّة مفتعلة في القمّة، وهي قضيّة لا تهمّ سوى النظام الجزائري، يمكن أن يشكّل خطوة مهمّة على طريق تصالح الجزائر مع الواقع ومع نفسها أيضا. هل من تتمة لهذه الخطوة التي ستعكس تطورا في ذهنية نظام عاش دائما على الريع من تصدير أزماته الداخليّة إلى خارج حدوده في ضوء عجزه عن إيجاد حلول لها؟
ربّما تكون هذه خطوة نحو التصالح الجزائري مع المنطق قبل أيّ شيء آخر، أي مع الاعتراف بأنّ لا بدّ من العودة إلى لعب دور الدولة الطبيعيّة التي تهتم بأمور شعبها ورفاهه بدل المتاجرة بالشعب الصحراوي الموجود في شريط يمتد من موريتانيا على المحيط الأطلسي إلى البحر الأحمر، أي أنّه موجود في جنوب الجزائر.
كان طبيعيا أن يدعم النظام الجزائري النظام السوري منذ البداية، هناك تشابه كبير بين النظامين القمعيين، خصوصا أنّهما منبثقان عن انقلابين عسكريين. أكثر من ذلك، يعتقد كلّ من النظامين أنّ في استطاعته لعب دور أكبر من حجمه على الصعيد الإقليمي. امتهن النظام السوري، الذي انتهى جزءا لا يتجزّأ من “محور الممانعة” الذي تتزعمه “الجمهوريّة الإسلاميّة” في إيران، الابتزاز في كلّ وقت من أجل تأكيد أنّه لاعب إقليمي. في المقابل، استخدم النظام الجزائري أموال النفط والغاز للترويج لنفسه في أفريقيا وشنّ حرب استنزاف على المغرب عبر أداة اسمها “بوليساريو”.
في الأشهر القليلة الماضيّة، حاول النظام الجزائري المستحيل لإعادة قضيّة الصحراء إلى الواجهة، خصوصا بعد التحول الكبير الذي شهده العالمان الغربي والعربي في اتجاه الاعتراف بالطرح المغربي في كلّ ما له علاقة بهذه القضيّة. استخدم النظام الجزائري الرئيس التونسي قيس سعيّد والرئيس الفلسطيني محمود عباس بأن أجلسهما في مكان واحد مع زعيم “بوليساريو” في أثناء الاحتفالات بعيد الاستقلال الجزائري في تشرين الثاني – نوفمبر الماضي.
النظام الجزائري وجد، للخروج من الورطة التي أوقع نفسه فيها، إخراجا من نوع إعلان النظام السوري نفسه عدم رغبته في العودة إلى جامعة الدول العربيّة
في وقت لاحق أرسل زعيم “بوليساريو” إلى تونس حيث ارتكب قيس سعيد خطيئة استقبال زعيم “بوليساريو” واستضافته في قمّة يابانيّة – أفريقيّة غير مدعوّ لها. إنّه تصرّف لا سابق له، لا ينمّ سوى عن خفّة سياسيّة لا تليق برئيس دولة، تذكّر بمعمر القذافي وعيدي أمين…
بات مرجّحا انعقاد القمّة العربيّة في الجزائر. لكن السؤال، الذي يطرح نفسه في نهاية المطاف: قمة من أجل ماذا؟ ما يصلح طرحه؟ وكيف تكون استفادة النظام الجزائري من هذه القمّة؟ يكون ذلك بإدراكه أنّ عليه إيجاد طريقة يظهر نفسه بأنّه يختلف عن النظام السوري، ولو قليلا، وأن لديه القدرة على استثمار أموال النفط والغاز التي عادت تتدفق على الخزينة الجزائرية في ما يصلح الوضع الداخلي الجزائري من جهة وتخليص النظام من عقدة المغرب من جهة أخرى.
الأهمّ من ذلك كلّه، ستكون القمّة مفيدة في حال أدرك النظام الجزائري أنّ الصحراء مغربيّة وأن كلّ الجهود التي بذلها إلى الآن كانت مضيعة للوقت وصبّت في حرب استنزاف ارتدت عليه.
هناك أكثرية عربيّة مع المغرب. وهناك اعتراف أميركي بمغربيّة الصحراء وهناك تحوّل أوروبي، أكثر من إيجابي، نحو الاعتراف بالحق ولا شيء آخر غير الحقّ… الحقّ المغربي في صحرائه وترابه الوطني.