33 عاما مرّت على ذكرى تأسيس اتحاد المغرب العربي، دون أن تقوم له قائمة أو يحقق أيّاً من أهدافه ودواعيه، ووسط تساؤل شعوب المنطقة المغاربية إنْ كانت هذه الهيئة وصلت لمرحلة الموت السريري ما يأذن بدفن الحُلم المغاربي والاستعاضة عن الاتحاد بهيئة جديدة مستقبلا، وفق ما ينصح به مراقبون.
رحل مؤسسو الاتحاد، ومرَّ على إعلان التأسيس أكثر من ثلاثة عقود، وكل ما تبقى هو خلافات بين دول الجوار، أبرزها الخلاف بين المغرب والجزائر بسبب موقف هذه الأخيرة من قضية الصحراء، بالإضافة إلى الأزمة السياسية بين تونس وليبيا بسبب اتهامات ذات علاقة بملف الإرهاب، قبل أن تتعقَّد العلاقات بين المغرب وتونس عقب استقبال الرئيس قيس سعيّد لزعيم جبهة البوليساريو، وقيام البلدين المغاربيين باستدعاء سفيريْهما في تونس والرباط.
بالنسبة للدكتور إدريس لكريني، أستاذ العلاقات الدولية والقانون الدولي في جامعة القاضي عياض في مراكش، فقد تأسّس الاتحاد المغاربي عام 1989، بأحلام وطموحات كبيرة، خاصة وأنه أُحدِث خلال فترة شهدت تحولات كثيرة على المستوى العالمي آنذاك؛ مبرزا أن الحُلم لم يتحقق منه شيء على الرغم من إحداث عدد من المؤسسات والهيئات كالأمانة العامة والبنك المغاربي وغيرها، إلا أن الحصيلة تبقى هزيلة إذا ما تحدثنا عن الرهانات والاندماج والتعاون الاقتصادي وطيّ صفحات الخلافات.
توالي النكسات
ما يقع راجع لغياب رؤية مستقبلية واستشرافية، يقول لكريني على غرار ما قامت به دول الأوربية التي تركت الخلافات جانبا، وحققت حلم الكثير من المفكرين والفلاسفة ممن يعتبرون أن توريث الأحقاد والضغائن للأجيال القادمة ضرب من الدمار والخراب. وأوضح المتحدث أن توالي الانتكاسات وإغلاق الحدود وإعلان القطيعة من طرف واحد، فضلا عن دخول قيس سعيد على خط دفن المشروع، أمور تطرح مجتمعة أسئلة مقلقة ومفزعة إزاء المستقبل.
ولفت مدير “مختبر الدراسات الدستورية وتحليل الأزمات والسياسات” في جامعة القاضي عياض، أن هذه الأمور تحصل في فترة يُفترض أن يكون التقارب وطيّ الخلاف والتعاون هو القائم، في ظل ما يحدث في ليبيا وما خلفته جائحة “كورونا”، ناهيك عن الحرب الأوكرانية الروسية والتهديدات الحاصلة على مستوى الأمن الطاقي والغذائي.
ولفت إلى أن المنطقة المغاربية أقلّ ارتباطا بالمصالح الاقتصادية مقارنة مع مختلف دول العالم، حيث يتسبب هذا اللاتعاون في هدر الإمكانيات البشرية والاقتصادية والثروات والخيرات الطبيعية، ويجعل المنطقة منفتحة على كل الاحتمالات السيئة.
في نظر أستاذ القانون الدولي، يبقى غياب الممارسة الديمقراطية الحقيقية بالدول المغاربية، أحد أسباب وأد حلم الاتحاد المغاربي، موضحا أن الديمقراطية تؤدي إلى طيّ الخلافات وللإنصات لنبض الشعوب وللحريات والأمن وغيرها. وأضاف إلى ذلك انخراط منصات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام في تكريس العداء ومحاولة القضاء على آخر الآمال بهذا الخصوص، عبر الدخول في سجالات وسبّ وشتم وترويج للعداء والكراهية، مقابل إغفال مجموعة من النقاط المشتركة بين هذه الدول من قبيل المقاومة، والتنسيق بين رجالها والحضارة والثقافة واللغة الواحدة.
وخلص المتحدث إلى أن الدور حان لتلعب النُّخب الواعية والحكماء والعقلاء دورهم للتّنبيه إلى حجم الهدر الحاصل والخسارات على كل الأصعدة بسبب هذه التفرقة.
من جهته، يؤكد الأكاديمي عبد الفتاح البلعمشي، رئيس “المركز المغربي للدبلوماسية الموازية وحوار الحضارات”، أن “اتحاد المغرب العربي” منظمة جامدة وبدون فاعلية، أما السبب الرئيسي لما وصلت إليه فهو الخلاف المغربي الجزائري وتدخل الجزائر في ملف الصحراء، ما يجعل منها طرفا في القضية، الأمر الذي يعتبره المغرب تدخلا في شؤون البلاد الداخلية.
مواقف مستجدة
وأوضح أستاذ العلاقات الدولية في جامعة القاضي عياض بمراكش، أن الأزمة الليبية بدورها ساهمت في تأخر أي طموح لشعوب المنطقة في الاندماج، لافتا إلى أن العلاقات الثنائية بين باقي الدول المغاربية والمغرب كانت جيدة وودية باستثناء الجزائر.
واستدرك الأكاديمي المغربي بالقول، إن العلاقات الثنائية بين الدول المغاربية لم تكن بالقدر الكافي، في غياب أي تراكم أو تبادل مهم على المستويين الاقتصادي والتجاري؛ إلى أن جاءت مواقف مستجدة لتونس حين استقبل الرئيس التونسي قيس سعيد زعيم جبهة “البوليساريو”، ما زاد من الشرخ الحاصل بين الدول، على اعتبار أن تونس اصطفّت إلى جانب الجزائر مما يعقد الأمور أكثر.
ولفت المتحدث إلى أن هذه التطورات مجتمعة، ناهيك عن المستجدات، ستؤدي منطقيا إلى عدم جدوى وجود منظمة مغاربية. كما أن هناك عددا من الباحثين ممن يدعون إلى إلغاء الاتحاد ريثما تتوفر الظروف المناسبة لإنشاء منظمة أو هيئة جديدة وقوية؛ وفق تعبير الأكاديمي المغربي.
وكانت مدينة مراكش قد احتضنت عام 1989 المؤتمر التأسيسي لاتحاد المغرب العربي، بحضور زعماء البلدان الخمسة آنذاك: الحسن الثاني (المغرب)، وزين العابدين بن علي (تونس)، والشاذلي بن جديد (الجزائر)، ومعمر القذافي (ليبيا)، ومعاوية ولد سيدي أحمد الطايع (موريتانيا).