تشير التصريحات التصعيدية لمسؤولين في بوليساريو أثناء لقائهما بالمبعوث الأممي للصحراء ستيفان دي ميستورا إلى أن إرساء السلام في الصحراء هو آخر اهتمامات الانفصاليين وأنهم يسعون لإدامة النزاع خدمة لمصالحهم ولأجندات داعمتهم الجزائر.
يقوم المبعوث الأممي للصحراء ستيفان دي ميستورا بزيارة لمخيمات تندوف، في إطار الجولة الثانية التي نظمها للمنطقة، للبحث عن سبل إعادة إحياء المباحثات بهدف إيجاد حل للمشكلة المفتعلة في الصحراء.
والتقى دي ميستورا برئيس الوفد المفاوض عن جبهة بوليساريو الموريتاني الأصل خطري أدوه، وعمر سيدي محمد ممثل الجبهة الانفصالية في نيويورك، والذي أكد على استمرار تشبث الجبهة الانفصالية بخيار الخروج من اتفاقية وقف إطلاق النار منذ أكثر من سنتين، قائلا “نمد يداً للسلام واليد الأخرى على الزناد”.
وخرج عمر سيدي محمد ممثل جبهة بوليساريو في نيويورك مباشرة بعد لقاء دي ميستورا بتصريحات أكد فيها أن “جبهة بوليساريو ملتزمة بالسلام، ولكنها ملتزمة أيضا بالدفاع بكل الطرق المشروعة” عما وصفه “حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير والاستقلال”، في محاولة لإثارة التشويش والغموض.
أهم مكسب تبحث عنه جبهة بوليساريو الانفصالية اليوم هو إدامة النزاع خدمة لأجندة العسكر الجزائري في المنطقة
وأكد المحلل السياسي نوفل بوعمري،أن التصريحات التي أدلى بها هذان المسؤولان تؤكد أن الجبهة مازالت متخبطة في طبيعة تعاملها مع الأمم المتحدة، فهي مازالت على قرارها الذي أعلنته سابقا بإعلان الحرب والانسحاب من اتفاق وقف إطلاق النار الذي وقعته الجبهة مع الأمم المتحدة، وفي نفس الوقت تبحث عن تحقيق مكاسب من خلال هذه اللقاءات.
وأضاف عمري أن أهم مكسب تبحث عنه الجبهة اليوم هو عدم التوصل لحل يطوي النزاع، وضمان إدامته خدمة لأجندة العسكر الجزائري في المنطقة.
وأكد الباحث المغربي في الشؤون الإستراتيجية والدولية المقيم بكندا هشام معتضد أن تشبث الجبهة بالحرب، رغم التطورات الجيوستراتيجية التي يعرفها الملف وهزائمها العسكرية، يفسر أن قيادتها على استعداد لحرق المنطقة أمنيا وسياسيا كخيار أخير للحفاظ على خطها الأيديولوجي الانفصالي غير القابل للتطبيق والبعيد عن المنطق التاريخي والتطورات السياسية في المنطقة.
وأوضح معتضد،أن خيار الحرب الذي تطرحه قيادة بوليساريو على الطاولة وتسعى لفرضه على أرض الواقع يهدف أساسا لإثارة الاهتمام الدبلوماسي الدولي من أجل خلق المزيد من الفرص غير الجدية للتفاوض وإطالة أمد هذا الملف وذلك تنفيذا لأجندات خارجية تقتات على مساعدتها وتجني أموالا طائلة لتنفيذها.
وأكد منتدى “فورستاين من قلب مخيمات تندوف” أن زيارة المبعوث الأممي تتطلع “لوساطة مشروخة، عقّدتها جبهة بوليساريو بإعلانها الحرب من جهة واحدة، أدخلتها في دوامة من التيهان والعزلة الدولية والانفجار الداخلي”.
وقام دي ميستورا بالزيارة الأولى إلى الرباط في يوليو الماضي، حيث أجرى خلالها مجموعة من المحادثات بخصوص قضية الصحراء مع وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج ناصر بوريطة، وبحضور الممثل الدائم للمملكة المغربية لدى الأمم المتحدة عمر هلال.
واكدت وزارة الخارجية المغربية، آنذاك، أن “الوفد المغربي جدد تشبث المغرب بالمسلسل السياسي للموائد المستديرة، طبقا للقرار 2602، الذي يدعو إلى التوصل إلى حل سياسي واقعي، عملي، مستدام، وقائم على التوافق للنزاع الإقليمي حول الصحراء”.
ويأتي إعلان جبهة بوليساريو عن هذه الزيارة في وقت كانت قد اتهمت فيه المغرب سابقا بعرقلة تحركات المبعوث الشخصي، ومنعه من زيارة باقي الأطراف، بعدما كان دي ميستورا قد حل بالرباط في بداية يوليو الماضي والتقى مسؤولين مغاربة ثم رحل دون زيارة باقي الأطراف، وهو ما دفع ببوليساريو إلى اتهام المغرب بالوقوف وراء المنع.
وقبل ذلك، قالت المتحدثة باسم الأمم المتحدة إري كانيكو، عند إعلانها الزيارة الجمعة، إن دي ميستورا “يتطلع دائما إلى تعميق المشاورات مع جميع الأطراف المعنية، بشأن إمكانية دفع العملية السياسية في الصحراء المغربية قدما بشكل بناء”.
وصرح القيادي بجبهة بوليساريو وممثلها في نيويورك إثر لقائه بدي ميستورا، أن “جبهة بوليساريو مستعدة للتعاون مع الأمم المتحدة والمبعوث الشخصي في جهودهما الرامية إلى التوصل إلى حل سلمي وعادل ودائم يقوم على الاحترام الكامل لحق الشعب الصحراوي غير القابل للتصرف وغير القابل للمساومة في تقرير المصير والاستقلال”.
وذكر منتدى فورستاين من قلب مخيمات تندوف بالارتباك الكبير الذي تملك قيادات الجبهة الانفصالية “بين تسابق من طرف إطاراتها على الظهور مع المبعوث الأممي، وبين استغلال الشيوخ والنساء وجلبهم عنوة، وحشد الجماهير لساعات طوال تحضيرا لمرور موكب المبعوث الأممي، دون أن ننسى فضيحة استقبال ومرافقة دي ميستورا من طرف أطفال بزي عسكري، ما ورط قيادة الجبهة رسميا في تجنيد الأطفال أمام العاملين بالأمم المتحدة على رأسهم المعني الأول بملف الوساطة الأممية في ملف الصحراء”.
ولفت معتضد إلى أنه من خلال زيارات المبعوث الأممي للمخيمات، أصبح جليا وواضحا أن كل الاستقبالات والترتيبات التي تقوم بها بوليساريو والمحدثات التي تثيرها قيادتها مع الممثل الأممي تندرج في إطار مخطط مدروس لعرقلة مسار مسلسل التسوية السياسية لملف الصحراء والسعي لإطالة أمد إيجاد حل نهائي لهذه المشكلة الإقليمية وذلك لإيمانهم الكبير بأن حل هذه المشكلة سياسيا سيضع حداً لمتاجرتهم السياسية بأطروحتهم الوهمية.
وقام المبعوث الأممي منذ تعيينه في نوفمبر 2021 بأول جولة له في المنطقة في يناير، حين زار الرباط وموريتانيا والجزائر وتندوف، وفي بداية يوليو توجه دي ميستورا إلى الرباط للقاء مسؤولين مغاربة لكنه تخلى عن زيارة بوليساريو.
ويُتوقع أن يقوم المبعوث الأممي في وقت لاحق بزيارات أخرى للقاء المسؤولين الجزائريين إضافة إلى زيارة موريتانيا للقاء مسؤولي البلد، باعتبار أن البلدين لهما علاقة بهذا الملف، في إطار مساعيه الهادفة لإيجاد حل يجمع جميع الأطراف.