سجلت العلاقات الجزائرية الإثيوبية تقاربا لافتا في الآونة الأخيرة خاصة مع زيارة رئيس الحكومة الإثيوبية آبي أحمد إلى الجزائر، الأمر الذي أثار انزعاج القاهرة على خلفية التوتر بسبب أزمة سد النهضة، وهو ما قد يدفع مصر وفق مراقبين إلى رفع دعمها لانعقاد القمة العربية في الجزائر، وهو ما طفا على السطح مع تصاعد تسريبات عن سحب القمة من الجزائر.
وأدى رئيس الوزراء الإثيوبي زيارة رسمية إلى الجزائر، التقى خلالها مسؤولين بارزين وعلى رأسهم الرئيس عبدالمجيد تبون ورئيس الوزراء أيمن بن عبدالرحمن، وهي الزيارة الثانية من نوعها بعد زيارة رئيسة إثيوبيا ساهلي وورك زودي، تلبية لدعوة تبون بمناسبة احتفالية ستينية الاستقلال مطلع شهر يوليو الماضي.
ويوحي النشاط الدؤوب على خط الجزائر – أديس أبابا بأن البلدين دخلا مرحلة غير مسبوقة من التقارب، ينتظر أن تتوج باجتماع اللجنة العليا المشتركة خلال الأسابيع القادمة، لكن تزامن ذلك مع تصاعد التوتر بين إثيوبيا ومصر على خلفية أزمة سد النهضة يضع الجزائر في موقف غامض تجاه القاهرة، إذ لم يتضح إلى حد الآن إذا كانت المسألة من قبيل تقوية موقع الوسيط بين البلدين، أو انحياز لصالح أديس أبابا في واحدة من أبرز الملفات الحيوية للقاهرة.
ورغم أن الصمت لا زال يخيم على المواقف الرسمية في القاهرة بشأن التقارب المذكور، إلا أن تسريبات حول مسعى خليجي مدعوم من مصر لسحب القمة العربية القادمة من الجزائر يعطي الانطباع بأن القاهرة باتت منزعجة من تقارب الجزائر مع إثيوبيا على حساب مصالحها، وأنها قد تكون رفعت دعمها لها فيما يتعلق بالقمة العربية المنتظر عقدها في الجزائر مطلع شهر نوفمبر المقبل.
وقال مراقبون جزائريون إن النظام لا يراعي في تحركاته الملفات الكبرى التي تلتزم بها الجزائر، وإن تركيزه منصب فقط على ملف الصحراء وإظهار أن لديه “أصدقاء” في الاتحاد الأفريقي يدعمون رهانه على بوليساريو.
وحذر المراقبون من أن الجزائر التي تعيش عزلة في محيطها الإقليمي سواء من خلال التوتر مع المغرب أو إسبانيا وبرود العلاقة مع فرنسا بسبب قضية الصحراء وإصرارها على دعم جبهة انفصالية غير موجودة على أرض الواقع، فإن هذه العزلة قد تتوسع عربيا بسبب انحيازها لموقف إثيوبيا في قضية سد النهضة على حساب الحق المصري المدعوم عربيا على نطاق واسع، وخاصة من دول الخليج، وهو ما يفسّر التسريبات التي تتحدث عن تأجيل القمة العربية أو إلغائها.
ويسيطر الغموض على الموقف الجزائري في ملف سد النهضة، فبعدما ظهرت في ثوب الوسيط خلال الأشهر الماضية بمناسبة الزيارة التي أداها وزير الخارجية رمطان لعمامرة إلى أديس أبابا، باتت معالم الانحياز تغلب على الموقف أكثر في ظل تواتر الزيارات بين البلدين وتجنب الحديث عن موضوع سد النهضة، أو الإشارة إلى وساطة جزائرية.
وتشككت دوائر مصرية في قدرة الجزائر على القيام بوساطة منتجة في ظل التشدد الإثيوبي في هذا الملف، وعدم التجاوب مع طروحات وساطة مختلفة قدمتها مصر والسودان، معتبرة أن الجزائر قد تكون تبحث عن دور إقليمي يتناسب مع طموحاتها الخارجية معتمدة على علاقات لعمامرة المتشعبة مع العديد من الدول الأفريقية.
العزلة الإقليمية للجزائر بسبب موضوع الصحراء قد تتوسّع عربيا لتطال مصر ودول الخليج بسبب موقفها المنحاز لإثيوبيا
وقللت الدوائر ذاتها من تأثير الجزائر في أزمة سد النهضة لأنها في عهدة الاتحاد الأفريقي، ورفضت إثيوبيا القبول بأيّ مقترحات بديلة سواء إقليمية أو دولية، ووجدت في موقف مجلس الأمن من الأزمة دعما في حصر الوساطة في الاتحاد الأفريقي دون سواه.
وذكر بيان للحكومة الجزائرية بأن “رئيس الوزراء أيمن بن عبدالرحمن استقبل نظيره الإثيوبي آبي أحمد، بمطار هواري بومدين الدولي في زيارة رسمية تدوم يومين”، دون تقديم المزيد من التفاصيل.
أما الرئاسة الجزائرية فقد ذكرت في بيان لها بأن لقاء الرئيس تبون مع آبي أحمد “تناول سبل تطوير العلاقات الثنائية بين البلدين في مختلف المجالات، حيث تمّ التأكيد على فتح خط جوي مباشر، في أقرب وقت بين الجزائر وأديس أبابا، مما سيسمح بتبادل الزيارات بين مسؤولي القطاعات للدولتين”.
وأضاف “تم الاتفاق على توسيع التعاون الاقتصادي وذلك من خلال زيادة حجم تبادل المنتوجات الوطنية بين البلدين، لاسيما في مجال الصناعات الغذائية، الصناعة الصيدلانية، التكوين والتعليم العالي، والبحث العلمي”.
وتوّجت الزيارة بالاتفاق على عقد لقاء اللجنة المختلطة الخامسة بين البلدين في سبتمبر الجاري في أديس أبابا، والتي من المقرّر أن تشمل مجالات الشراكة الاقتصادية، وتنسيق المواقف والجهود فيما يخص قضايا الاتحاد الأفريقي.