قيس سعيد يخرق دستوره الذي قاطعه ثلثا التونسيين

طبيح

دخل التونسيون والتونسيات تاريخ البشرية والتاريخ الإنساني بقيامهم بثورة شعبية تلقائية حقيقية وغير مسبوقة على أوضاع الاستبداد التي جثمت عليهم. تلك الثورة فتحت آفاقا كبيرة للمواطن التونسي وكانت لها تداعيات على عدد من البلدان العربية.

لقد سجل التونسيون والتونسيات حدثا ووضعوا قدما راسخا في تاريخ البشرية بثورتهم في سنة 2011 تحت اسم “ثورة الياسمين”.

لكن في كل زمان هناك من يسرقون الثورة ويستملكون سلطة مطلقة باسمها ويمسحون بها اللحظات المشرقة في تاريخ شعوبهم ويقفون أمام ضوء الشمس ليحجبوه عن الناس.

الذي ميز قيس سعيد أستاذ القانون الدستوري والرئيس الحالي للدولة التونسية هو أن الشعب التونسي اكتشفه في حملته الانتخابية ليس فقط من خلال النطق باللغة العربية، بل بالأساس لاستعماله لغة القانون، وتشدده في المطالبة باحترام الدستور وبعدم خرقه أو تجاوزه، مما أوحى لكل من يسمعه بأنه هو الرجل المنقذ وهو الرجل الذي سيحترم دستور تونس ويحترم قانون تونس.

واستطاع بهذه الوصفة التي قدم بها نفسه للتونسيين والتونسيات أن يلفت نظرهم ويدفعهم إلى التصويت لفائدته وإعطاء الفرصة لشخص من خارج الأحزاب وخارج الفاعلين السياسيين المعروفين في تونس. وكان الرهان على أنه سيواصل مسار التوافق للبحث عن حلول لمشاكل تونس مع اعتبار المجهود الذي بذله جيل من الفاعلين السياسيين، ومن بينهم الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي، في الاستمرار بنهج الانفتاح والتشجيع على الديمقراطية.

إن المغرب عندما استدعى سفيره للتشاور فلأن قيس سعيد استقبل شخصا لا تعترف به دولة تونس من جهة، وهو شخص يريد تفتيت المغرب العربي من جهة أخرى

صوت الشعب التونسي لقيس سعيد معتقدا أنه سيكون الرجل المنقذ الذي سيحافظ على الدستور الذي عبّر عن إرادة الشعب وسيضمن لهذا الشعب حقوقه الإنسانية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية.

غير أن قيس سعيد في أول مناسبة أتيحت له انقلب على ذلك الدستور الذي ركبه للوصول إلى أعلى سلطة في الدولة التونسية، بإقالة الحكومة ضدا على الدستور، وحل البرلمان ضدا على الدستور، وحل المجلس الأعلى للقضاء ضدا على الدستور، وحل الهيئة العليا للانتخابات ضدا على الدستور.

أي أنه أقال وحل كل مكونات الدولة التونسية كما المتعارف عليها دوليا والتي هي السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية والسلطة القضائية، علما أن بعض المواقع تداولت محاولته لوضع سيطرته كذلك على المؤسسات العسكرية والأمنية.

وبعدما ألغى كل مكونات الدولة انتقل إلى إلغاء الدستور نفسه دون أي سند دستوري أو شرعي، وهو الدستور الذي بفضله جلس على كرسي رئاسة الدولة التونسية. وعيّن لجنته الخاصة لوضع دستوره الجديد وفق توجيهاته الشخصية الرامية إلى تجميع السلطات بين يده.

وعلى سبيل المثال، فإن دستوره الجديد أعطى به لنفسه وحده صلاحية تعيين رئيس الحكومة وأعضاء الحكومة دون اعتبار نتيجة الانتخابات العامة، وهو ما يعني أن حزبا تونسيا قد يحرز على الأغلبية المطلقة من مقاعد البرلمان لكن قيس سعيد من حقه أن يعيّن رئيسا وحكومة خارج إرادة ذلك الحزب، مما يفرغ الانتخابات من أي جدوى.

كما أعطى لنفسه الحق في تقديم مشاريع القوانين مباشرة إلى البرلمان للتصويت عليها طبقا للفصل 68، وكذلك استصدار تفويض من البرلمان ليصدر هو القوانين بواسطة مراسيم دون الحاجة إلى إحالتها على البرلمان كما ينص على ذلك الفصل 70. وأعطى لنفسه الحق في تعيين كل القضاة طبقا للفصل 120.

ومع ذلك عندما تسلم من لجنة صياغة الدستور الجديد النص المقترح أدخل عليه تغييرات لا علم للجنة بها، وهو ما دفع برئيسها إلى الخروج إلى الرأي العام التونسي والدولي وإعلانه التبرؤ من الصيغة التي نشرها قيس سعيد.

من حق المواطن المغربي والمواطن التونسي أن يتساءلا: أين كان قيس سعيد عندما كان ملك المغرب محمد السادس يتجول في شوارع تونس في زمن الإرهاب؟
من حق المواطن المغربي والمواطن التونسي أن يتساءلا: أين كان قيس سعيد عندما كان ملك المغرب محمد السادس يتجول في شوارع تونس في زمن الإرهاب؟

بل إن قيس سعيد هو نفسه تبرأ من دستوره الأول لأنه سيعيد نشر صيغة ثانية مخالفة للصيغة الأولى التي تبرأ منها رئيس اللجنة المعين من قبله.

كل المسؤولين الذين تداولوا على الحكم في تونس من أي موقع كانوا حافظوا على متانة العلاقة بين تونس والمغرب.

ولتذكير قيس سعيد إن كان لا يعلم، فإن الملك الراحل الحسن الثاني أعلن في ندوة صحفية مفتوحة لوسائل الإعلام الدولي أن المغرب مستعد للتدخل عسكريا إلى جانب الشقيقة تونس إذا تعرضت لأي اعتداء. مع أنه لا توجد بين المغرب وتونس أي معاهدة عسكرية بخصوص ذلك. لكن المغرب له مع تونس ما هو أكبر من الاتفاقية، وهو الصدق في الصداقة والصدق في الأخوة والصدق في التضامن. وهو ما أخل به قيس سعيد.

كما أن العاهل المغربي الملك محمد السادس انتقل إلى تونس في أوج تعرضها للضربات الإرهابية المتتالية التي استهدفت القلب الاقتصادي لتونس أي قطاعها السياحي. وكان يتجول في شوارعها ويأخذ صورا مع التونسيين والتونسيات ويلج المحلات التجارية دون أي حراسة، من أجل أن يثبت للرأي العام الدولي صدق العلاقة الأخوية وكون تونس بلدا آمنا مستقرا.

وفي نفس الوقت من حق المواطن المغربي والمواطن التونسي أن يتساءلا: أين كان السيد قيس سعيد عندما كان ملك المغرب يتجول في شوارع تونس في زمن الإرهاب؟ هل شاهد التونسيون والتونسيات قيس سعيد يتجول في أي مكان من تونس في تلك الفترة؟ وهل حارب الإرهاب الذي ضرب تونس؟

عنوان هذا المقال جاء بالرجوع إلى الفصل السابع من دستور قيس سعيد، والذي لم يقبل به أكثر من ثلثي الشعب التونسي، حيث ينص على ما يلي: “الجمهورية التونسية جزء من المغرب العربي الكبير تعمل على تحقيق وحدته في نطاق المصلحة المشتركة”.

لقد سجل التونسيون والتونسيات حدثا ووضعوا قدما راسخا في تاريخ البشرية بثورتهم في سنة 2011 تحت اسم “ثورة الياسمين” لكن في كل زمان هناك من يسرقون الثورة ويستملكون سلطة مطلقة باسمها ويمسحون بها اللحظات المشرقة في تاريخ شعوبهم ويقفون أمام ضوء الشمس ليحجبوه عن الناس

إذا كان قيس سعيد أستاذ القانون الدستوري، والذي تقمص جبة المدافع عن احترام الدستور واحترام القانون وهي الجبة التي استجلب بها أصواتا صادقة للشعب التونسي حملته إلى رئاسة الدولة، فكيف يفسر احترامه لدستوره الجديد وهو يستقبل شخصا يدعي تمثيل دولة لا وجود لها في المغرب العربي الكبير، شخصا يدعي تمثيل دولة لم يسبق له أن اعتمد أي ممثل لها، كما يلزمه بذلك دستوره في الفصل 95، شخصا مسخرا من أجل تقسيم المغرب العربي وتفتيته، شخصا مسخرا لتنفيذ أهداف قادة عسكر الجزائر الذين سبق لهم أن طلبوا من المغرب تقسيم الصحراء ليتمكنوا من الوصول على المحيط الأطلسي مقابل أن يتوقفوا عن مساندة ما يسمى بـ”بوليساريو”؟

هل تشجيع تفتيت المغرب يتطابق مع الفصل السابع من دستور قيس سعيد؟ وأين هو اليمين الذي أقسم به والمنصوص عليه في الفصل 92 من دستوره؟ أين هو احترام الدستور وأنت تشجع على تفتيت المغرب العربي الكبير؟

فهل قيس سعيد ضد وحدة المغرب العربي؟ وهل يعمل من أجل تفتيته وتجزيئه وتقسيمه؟ إن موقف قيس سعيد يدفع إلى القول بكونه يخرق الدستور الذي وضعه.

وبالمناسبة عندما نعود إلى بيان وزارة خارجية قيس سعيد نلاحظ أنه يفتقد إلى الحس الدبلوماسي وإلى المهنية في العمل الدبلوماسي كما يفتقد إلى الأسلوب المعمول به في العلاقات الدبلوماسية الذي يستحضر أبعاد الكلمات المستعملة فيه. وذلك عندما تضمن معطيات كاذبة لا تليق بمن يدبرون دبلوماسية دولة كتونس. وهو الكذب التي شهدت عليه دولة اليابان التي أصدرت بيانا أكدت فيه أنه لم يسبق لها أن وجهت أي استدعاء للدولة الشبح التي حضر باسمها الشخص الذي استقبله قيس سعيد. بل إن ممثل اليابان في ذلك الملتقى أعلنها صراحة في وجه الشخص الذي استقبله قيس سعيد وسط قاعة الاجتماع.

إن المغرب عندما استدعى سفيره للتشاور فلأن قيس سعيد استقبل شخصا لا تعترف به دولة تونس من جهة، وهو شخص يريد تفتيت المغرب العربي من جهة أخرى. بينما سحب سفير تونس ليس له أي تبرير. فهل المغرب قام بأي اعتداء على تونس، أم أنها الأوامر التي تأتي من غرب تونس؟

وهكذا يتبيّن أن أستاذ القانون الدستوري لم يتردد في خرق دستور دولة تونس على الخصوص في الفصول 7 و92 و95، وهو الدستور الذي فرضه هو ضدا على الثلثين من الشعب التونسي.

فمتى شاهد الناس عبر العالم أن رئيسا لدولة معينة يستقبل شخصا يدعي رئاسته لدولة لا تعترف بها دولة الرئيس الذي استقبله؟ أليس هذا هو العبث بالسيادة التونسية؟

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: